أحمد قاسم
التجربة التاريخية تؤكد على أن الأنظمة الديكتاتورية لا تعترف بحقوق المواطنين ولا تبيح للمواطن حرياته في الحياة وتحديد مصيره بمحض إرادته. تجربة الشعب السوري مع الاستبداد مليئة بالمآسي، فلا يمكن الرهان عليه على أنه سيغير من ممارساته وثقافته وفلسفته تجاه الشعب. وبالتالي، من الضرورة بمكان أن يتم تغيير أركان النظام بكل بنيانه ومؤسساته الأمنية مع تغيير الدستور للبلاد ليكون سندا وضمانة للحفاظ على حرية المواطن وتهيئة كل الظروف لإعادة هويته الوطنية التي افتقدها مع أنظمة الاستبداد وجعله يعيش في غربة داخل وطنه.
إن قضية السوريين في مواجهة النظام ليست قضية مرتبطة ومحصورة بشخص رأس النظام بقدر ما هي مرتبطة بثقافة وفلسفة الحكم منذ عقود حيث تربت عليها أجيال متلاحقة لا يمكن إعادة بناء من شرب من سموم هذا النظام بإصدار قرارات أو أوامر لغسل دماغهم من الثقافات المدمرة لمبادئ التعايش وقبول الآخر المختلف إلا من خلال إتباع منهجية يجب العمل عليها بشكل أكاديمي وعلمي، لأن ما تم بناؤه من الأفكار والثقافات في دوائر تربوية عصية على التغيير، وما نراه ونعايشه يوميا على مدى ثمان سنوات من “الثورة” تنقصها ثورة أخرى لتحرير الإنسان من الداخل ليكون سويا مع نفسه وطروحاته وشعاراته، وبعكس ذلك نرى إنساننا في حالة انفصام خلقي وثقافي وتربوي، وبالتالي فهو ليس متهيئًا لقيادة ثورة من أجل بناء الإنسان السوري والوصول به الى الحرية وعلى سوية الإنسان الطبيعي القادر أن يفكر بمعزل عن تلك الشوائب التي يحملها في فكره وتربيته المشوهة. سوريا في حالة الغربة مع الذات وهي تعاني من الاستقلالية والنضوج الذي يجب أن يكون، لذلك نرى بأن السوريين يفتقدون هويتهم الوطنية هربا من الظلام والتصحر الفكري والسياسي. وبالتالي، كان لزاما على النخبة التي لم تتأثر بثقافة النظام وفلسفته في إدارة الحكم أن تأخذ دورها وتتبوأ قيادة الحراك الشعبي للحفاظ على سلميته وابعاده عن التسلح والحرب الأهلية أو مقاتلة النظام في ظروف غامضة وأجواء كانت تتسم بالضبابية من جهة المنظومة الدولية التي أبت أن تغير النظام دونما أن يكون هناك بديل يرضي الجوار الاقليمي والدولي.
لكن ومع كل الأسف ظهرت النخبة في حقيقة الأمر مهزومة من الداخل لتكون فريسة هي الأخرى لأجندات دولية بعيدة عن ثقافة وفلسفة الانتماء لوطن يستحق الدفاع عنه وشعب يستحق النضال من أجل حريته.
نحن السوريون نحتاج إلى إعادة النظر في كليتنا وبنياننا الثقافي والتربوي لإصلاح الذات أولا لنكون مهيئين لمواكبة الحدث والسير نحو خلق إمكانيات تمكننا من فعل ينتج التغيير وإعادة بناء الانسان والوطن معا.