عثمان المختار
كثرة ما تكررت التقديرات الكاذبة حول اعتقال زعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي حياً، والإعلانات المغلوطة ومصدرها روسيا أو أميركا، عن قتله، في الأراضي العراقية أو السورية، أصبح كل خبر يتعلق بالرجل مشكوكاً بمصداقيته تلقائياً. لكن المعلومات التي يكشفها مسؤول عسكري عراقي رفيع المستوى في بغداد، أمس السبت، لـ”العربي الجديد”، حول الموضوع، تبدو مختلفة هذه المرة لناحية عبور قوة أميركية خاصة إلى داخل الأراضي السورية براً عبر إقليم كردستان العراق، يوم الخميس الماضي، ترافقها وحدة مسلحة من “قوات سورية الديموقراطية” (قسد)، بعد ورود معلومات تفيد بوجود أبو بكر البغدادي، داخل منطقة بمساحة تبلغ نحو 10 كيلومترات مربعة ضمن محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، وتحديداً في ريف دير الزور بين الباغوز والمراشدة جنوباً والسفافنة غرباً، وصحراء البوكمال التي تتصل بالعراق شرقاً. وقد رجّح خبير أمني عراقي أن تكون الفرقة الأميركية الخاصة هي نفسها التي تم تكليفها سابقاً بمتابعة زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، ونجحت في القضاء عليه عام 2011 في بلدة أبوت آباد شمال شرق باكستان.
وبحسب المسؤول العراقي ذاته، فإنّ الفرقة الأميركية كانت تتواجد داخل قاعدة عسكرية بمدينة أربيل وانتقلت منها إلى داخل الأراضي السورية، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها إلى هناك. وأوضح أنّ “المعلومات المتوفرة لدينا هي أن الجيش الأميركي يريد البغدادي حياً، وهذا ما قد يفسّر دخول القوات الخاصة الأميركية إلى مناطق سورية يمكن اعتبارها ساقطة عسكرياً، وكذلك التأخر في حسم دخول المليشيات الكردية لما تبقى من تلك القرى والقصبات السورية الصغيرة، رغم أنه يمكنها القيام بذلك، مع توفر الغطاء الجوي”.
وتعليقاً على حرص واشنطن على اعتقال البغدادي حياً، اعتبر المسؤول أنّه “قد يكون لذلك علاقة في وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحاجته لأي حدث إيجابي يصبّ في صالحه داخل الشارع الأميركي، أو لامتلاك البغدادي الكثير من الإجابات حول أسئلة ما تزال غامضة، ومنها الخيط الخفي في تعاملات التنظيم مع أطراف أخرى في الساحتين السورية والعراقية وأبرزها نظام بشار الأسد”، على حد تعبيره. ولفت المسؤول إلى أن “الولايات المتحدة تتصدّر الواجهة عسكرياً في المنطقة التي يرجّح وجود البغدادي فيها، لذا فإنّ الحديث عن دور روسي أو تركي في الأمر غير صحيح”. لكنه اعتبر احتمالات الظفر به حياً ضعيفة جداً مقابل مقتله، لاعتبارات تتعلّق بزعيم التنظيم نفسه واحتمالات المقاومة أو حتى تفجير نفسه قبل اعتقاله.
والبغدادي هو إبراهيم عواد البدري من مواليد سامراء شمالي بغداد عام 1971، وحاصل على شهادة الماجستير عام 2002، ثمّ الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من جامعة بغداد عام 2006. عمل إماماً وخطيباً في أحد مساجد العاصمة بغداد، ويعتبر من عناصر الصف الأول التي عملت على تأسيس “جماعة التوحيد والجهاد” ومن ثمّ “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، بزعامة الأردني أبو مصعب الزرقاوي. اختير عام 2010 أميراً لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” عقب مقتل أبو عمر البغدادي بعملية خاصة نفذتها قوات أميركية شمال بغداد. وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسّع أبو بكر البغدادي من رقعة نشاط التنظيم قبل أن يعلن عن تغيير اسمه في العام 2014 إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش).
ورفعت واشنطن مكافأة القبض عليه أو الإدلاء بأي معلومات تؤدي إلى اعتقال البغدادي أو قتله، من 10 ملايين دولار إلى 25 مليون دولار، بينما رصدت بغداد مكافآت مالية لقاء القبض عليه أو قتله هو و49 قيادياً بتنظيم “داعش”، من بينهم من هم من جنسيات عربية، أبرزها السعودية والسورية والمصرية والأردنية ومن دول المغرب العربي كالجزائر والمغرب. وتعتبر المكافأة الأميركية هي الأعلى من نوعها التي ترصدها واشنطن لقتل أو اعتقال زعيم أصولي منذ مقتل أسامة بن لادن. كما أنّ البغدادي يعتبر من بين أخطر 10 مطلوبين على مستوى العالم.
من جانبه، رجّح الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة في العراق، أحمد الحمداني، أن تكون القوة التي انتقلت إلى داخل سورية عبر العراق، هي نفسها التي تتبعت زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، حيث أنّ هناك قوات أميركية موجودة حالياً في سورية. وأضاف الحمداني في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “انتقال قوة صغيرة إلى سورية بهذا التوقيت تحديداً، يعني أنهم فعلاً مسكوا رأس الخيط، أو رصدوا بقعةً محددة للبحث فيها عن البغدادي، وهذا المرجح حالياً، وقد نسمع عن قتله أو اعتقاله في أي وقت”.
وأوضح الحمداني أنّ “المرجّح هو وجود مئات العملاء المنتشرين في المنطقة الحدودية العراقية السورية من السكان المحليين العراقيين أو السوريين، وكذلك الأكراد، فضلاً عن مجندين عرب يعملون مع الأميركيين بالنسبة للشطر السوري ومقاتلي عشائر عربية سنية بالنسبة للشطر العراقي. وهؤلاء جميعاً يعملون كعناصر استخبارية لصالح واشنطن، وقد يكونون حصلوا على معلومات مهمة”، مضيفاً أنّ زعيم التنظيم “قد يكون أخفى ملامح مهمة في وجهه وبات التعرّف عليه صعباً، لكنّ الأكيد أنه بات محاصراً ولا مؤشرات على أنه غادر أرض القتال. ففي أبجديات التنظيمات الأصولية مغادرة أرض الرباط أو منطقة المعارك تعني ردته عن الإسلام واستحلال دمه من قبل أقرب مرافقيه”.
وكان نائب قائد العمليات العراقية المشتركة، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، قد كشف في وقت سابق من يوم الجمعة الماضي، في تصريحات لموقع عراقي محلي، عن أنّ الخطط مكتملة لتوغّل قوات من الجيش العراقي إلى العمق السوري، بالتنسيق مع ما وصفها الرئاسة في دمشق، ووزير دفاع النظام السوري. وكان من المفترض أن تبدأ هذه القوات عملياتها في الخامس عشر من الشهر الحالي، إذ تمّ تحديد منطقة الخطر على الحدود العراقية بـ31 كيلومتراً وبعمق 95 كيلومتراً، وحصلت على موافقة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، على اقتحام مساحة 20 كيلومتراً وبعمق 10 كيلومترات. لكن “التحالف الدولي”، وبشكل خاص الأميركيين، طلبوا تأجيل العملية، وقالوا إنهم قادرون على إنهاء وجود “داعش” قبل 15 فبراير/شباط المقبل. وأكّدت ذلك “قوات سورية الديمقراطية” التي قالت إنها ستنهي وجود “الخطر الداعشي” قبل نهاية 27 فبراير المقبل، بحسب ما جاء من تصريحات لها.
المصدر: العربي الجديد