أحمد مظهر سعدو
في أول إشارة رسمية روسية إلى الإعداد لعملية عسكرية في إدلب، قال سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي إن «التحرك العسكري المحتمل في إدلب سيكون منظمًا بشكل فعال إذا تم». وكانت موسكو أعلنت أكثر من مرة أنه «لا يمكن القبول ببقاء التهديدات الإرهابية من إدلب إلى الأبد». وتحدثت أوساط عسكرية عن ضرورة القيام بتحرك مشترك مع تركيا، وأشارت تسريبات إلى أن الوفود العسكرية الأمنية والعسكرية من البلدين ناقشت تفاصيل تحرك مشترك خلال الأسابيع الماضية، لكن موسكو تجنبت حتى الآن التعليق رسميًا على هذه المعطيات. وأعلنت أنقرة رفضها عملية عسكرية مشتركة مع روسيا في محافظة إدلب السورية، معتبرة أن وجود مجموعات متشددة لا يبرر مثل هذه العملية التي ستخلف ملايين اللاجئين، ورأت أن هناك استفزازات تهدف إلى تقويض اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب.
جيرون سألت بعض القادة العسكريين السوريين المنشقين وكذلك سياسيين سوريين معارضين
عن رأيهم في ذلك وهل يمكن أن تتم مثل هذه العملية العسكرية في القريب العاجل؟ وكيف ستتعامل معها الحكومة التركية فيما لو تمت؟ وهل ستكون واسعة أم محدودة؟
رياض نعسان آغا عضو هيئة التفاوض السورية وابن ادلب قال لجيرون ” أعتقد أن هناك موقفًا دوليًا يرفض القيام بعملية عسكرية واسعة في منطقة إدلب، لأن الجميع يدركون خطر تداعياتها العسكرية والإنسانية، وما يمكن أن تخلف من دمار وهجرات تتدفق على أوربا من جديد، لكن الروس يريدون تحقيق هدفهم في إنهاء تدخلهم، بانتصار كامل للنظام كما يتوهمون، وأعتقد أن الولايات المتحدة لن تقبل بتدمير المدنيين، لكن الروس يتحدثون عما سموه عمليات جراحية محدودة، ربما ستستهدف مجموعات معينة وتضغط على الآخرين للإذعان. وندعو الله أن يجنب شعبنا المزيد من الفواجع، مع إصرارنا على الانتهاء من التنظيمات الإرهابية، ولكن دون أن يصاب المدنيون بأي أذى”.
أما المهندس والمعارض عمر ديب زرزور فقال ” تكثر الروايات حول الحشود والتصريحات الإعلامية حول عملية عسكريه لاجتياح محافظة ادلب. لكن كل المعطيات الاقليميه والدوليه وخاصة بعد تحديد المنطقة العازلة بواسطة الروس والاتراك تشي بأن ماتخطط له الدول الفاعلة الى تكوين مناطق في سوريه (مناطق متجانسة) وبدأ الاعداد لها حين تم تهجير اهالي الغوطه الغربيه والشرقيه ومصالحات درعا…لانهم يعتبرون الحل للقضيه السوريه يحتاج الى وقت طويل. وما يحصل في ادلب هو عملية تدجين للقوى المسلحة واحتوائها والانتظار لبروز قوى ناعمه تقبل بالحلول المقترحه. وبنفس الوقت يتم ترويض كتائب ومليشيات الاسد وقسد والهدف واحد للانتهاء من تكوين هذه (المناطق المتجانسه) ليتم تأهيلها للحل المطلوب على الطريقه اللبنانيه اوالعراقيه…وادلب سوف تبقى خلال هذه الفتره نموذج لغزه سياسيًا.”
بينما يرى العقيد السوري المنشق عبد الباسط الطويل أنه ” سيكون هناك دخول بارد للروس بالتعاون مع الفيلق الخامس إلى المحاور الرئيسة مثل الطرق الدولية، وأعتقد أنه سيكون هناك فصيل واحد بالشمال، وهو من سيكون إلى جانب الطرف التركي”. وأضاف ” سيكون هناك ايضًا حل بارد لموضوع جبهة النصرة بعد أن تنفذ مهمة إزالة حراس الدين، وطبعًا كل ذلك في سبيل نقل هذه المنطقة إلى منطقة آمنة، والآمنة تعني أنها مهيئة للدخول في عملية التسوية النهائية والانتخابات، كما أعتقد أنه سيكون هناك عودة لمؤسسات النظام الخدمية فقط إلى الشمال”.
الرائد السوري المنشق والمحامي طارق حاج بكري يقول لجيرون ” الاتفاق الروسي التركي يركز على ضرورة نزع السلاح الثقيل من المنطقة التي وقعت عليها المعارضة السورية وهي على محيط المنطقة المحررة وقد تم تنفيذ هذا الجانب من الاتفاق من قبل كافة الفصائل بما فيها جبهة النصرة وبقية الفصائل المتشددة. وحول إنهاء الوجود العسكري لهيئة تحرير الشام فأتوقع أن يتم بالطريقة الناعمة، عبر اختفاء بعض القيادات المتشددة، من خلال الترحيل والنقل خارجًا أو عن طريق تصفيتهم داخليًا، وبتغيير أسلوب العمل للهيئة وزيادة تقربها من المدنيين وتخفيف القيود وإتاحة هامش أكبر من الحريات. واندماجها مع فصائل عسكرية أخرى وتغيير أهدافها المعلنة، والسعي لتنظيم المناطق إداريًا مع المحافظة على السيطرة الفعلية مدنيًا وعسكريًا ولكن بأسلوب أكثر مدنية، مع استمرار سيطرتها على الموارد الاقتصادية والطرقات العامة عبر حكومة الانقاذ أو نسخة منها”. وأضاف حاج بكري أنه ” قد تحدث ضربات عسكرية محدودة للضغط على الهيئة يتفق عليها بين الجانب الروسي والتركي، ولكنه لن يسمح لنظام الأسد بدخول ادلب كي لا تحدث مشكلة انسانية كبيرة قد تكون خارج السيطرة، وتركيا لن تسمح لنظام الأسد بتجاوز النقاط التي وضعتها في محيط ادلب فهذا يعتبر مسيئًا لها، ولن تسمح بحدوث اشتباك عسكري مع جنودها كي لا تدخل في معركة أكبر. وإن تجرأت قوات الأسد على عمل عسكري فستكون الخاسرة، إن لم تتم تغطيته جويًا من قبل روسيا، فالنظام لا يملك المقدرة البشرية على الاقتحام البري بدون سياسة الأرض المحروقة. وقد يلجأ إلى استخدام السلاح الكيميائي، وبالتالي سيكون قد اتجه نحو حتفه “. لكنه قال وبكل وضوح ” إن ساهمت روسية بتغطية عمل عسكري فستتعرص الاتفاقات التي وقعتها مع تركيا للإلغاء، وبالتالي ستخسر الحليف التركي المؤقت، وستكون هي الخاسر الأكبر وستعود الأوضاع إلى نقطة الصفر وهذا ليس في صالح روسا. لذلك لا أتوقع عملاً عسكريًا يغير تركيبة المعادلة على الأرض، ويجب ان نأخذ بنظر الاعتبار أن أي عمل عسكري من جانب النظام سوف يعطي المبرر لتركيا بالسماح لفصائل الثورة أن تقوم بأعمال عسكرية هي الأخرى، وبالتأكيد فإن كافة الفصائل تريد هذا الأمر لإثبات أن الثورة مازالت موجودة في الميدان، وقادرة على تغيير المعادلة. وهي قادرة على ذلك فعلاً”.
أما حمدو الدغيم رئيس المكتب السياسي في الهيئة السياسية لمحافظة إدلب فيرى ” أن هذه العملية لن تتم من الجانب الروسي بشكل منفرد، لأن لروسيا مصالح كبيرة مع تركيا وتفاهمات شرق الفرات مازالت موضوعة على الطاولة، ويتم النقاش عليها، ولا أظن أن روسيا تفكر بعملية في ادلب بمعزل عن الأتراك، لأن حرب الروس بالأساس هي حرب اقتصادية ولا يوجد لها مصلحة اقتصادية في ادلب، إذا أخذنا بعين الاعتبار خسارة الحليف التركي مقابل هذه الحرب”. وأردف قائلًا ” الكل يرى التعزيزات التي يرسلها الأتراك إلى نقاط المراقبة الجنوبية والجنوبية الشرقية، وأعتقد أنه إذا تم التفاهم بين الأتراك والروس، ربما ولست جازمًا تقوم عملية عسكرية على نطاق ضيق، وتكون جوية فقط، يتم من خلالها استهداف بعض النقاط التي يرون أنها تشكل خطرًا عليهم وخاصة بالقرب من قاعدة حميميم “.
الباحث الإسلامي غياث طاووز قال لجيرون ” أتوقع أن تركيا مستعدة للقيام بعمل عسكري لكن مع الفصائل الثورية التي تدعم الموقف التركي، لكنها تفضل أن تمنح الهيئة الفرصة الأخيرة لتحل نفسها، وتتجنب المجابهة، لكن ثمة صعوبات تتعلق بالمقاتلين الأجانب داخل الهيئة، فربما يكون هذا سببًا لتفكك الهيئة من داخلها؛ والأيام القادمة حبلى بأحداث كبيرة، لكن ولادتها عسيرة، ونتمنى حقن الدماء واتخاذ الإجراءات التي تحفظ أمن الناس هناك”.
الكاتب السوري المعارض محمد عمر كرداس تحدث لجيرون بقوله” ” الاتفاق الثلاثي التركي الروسي الايراني حول ادلب ومن بعده اتفاق سوتشي في 17 أيلول /سبتمبر 2018،القاضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في ادلب، وسحب السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل المسلحة هناك، لم ينجح في تجنيب ادلب مخاوف حرب لا تبقي ولا تذر، فإدلب التي احتشد فيه، طوعًا أو كرهًا الملايين من المدنيين العزل، وبقايا المسلحين الذين دخلوا في مصالحات ومساومات مع النظام وروسيا، أخذت جدلًا واسعًا بين (رعاة) الحل في سورية، تركيا وروسيا وايران، وأميركا وحلفاؤها من وراء حجاب ، لنزع سلاح مسلحي النصرة ومن والاها من الارهابيين. فالنصرة وبعد تمددها الأخير في المنطقة لم تنصاع لتلك القرارات، ولم تقبل نصائح تركيا. وهنا لابد من توضيح بعض الأمور منها أنه يجب أن يتم الخلاص من مسلحي النصرة ومن والاها، لأنها تشكل خطرًا على المدنيين، إذ تمعن فيهم قتلًا واعتقالاً وتشريدًا وتفرض من القوانين والحكام ما عفا عليها الزمن ولا تتناسب مع شعبنا السوري المثقف والمنفتح، كما حشدت شذاذ الآفاق من بلدان العالم ليفرضوا على شعبنا حياة القرون الوسطى. وبأي شكل تم انهاء هذا الوجود السرطاني فيجب أن يتم دون تعريض الآمنين والعزل لأي مكروه. “. ثم شدد على أن ” روسيا إذا خاضت عملية عسكرية في إدلب فلن يهمها من يقتل من المدنيين وما سيدمر من مشافي ومدارس وبيوت، وما جرى في غروزني الشيشانية وبعض مدننا السورية ماثل أمامنا. كما ان قرار انسحاب أميركا المرحب به، أربك القيادة التركية كونه سيعطي الأكراد مساحة أكبر بكثير من حجمهم في سورية ويتركهم ملاصقين للحدود التركية، الشيء الذي لن تقبله تركيا التي كانت تجهز لعملية عسكرية واسعة لإبعادهم عن حدودها، وتركيا الآن في حيرة. علاوة على أن إيران تنتظر أي فرصة للدخول إلى ادلب وهي في تصريحاتها الأخيرة (تعتبر وجودها شرعيًا والوجود التركي احتلالًا). وإن ما يشاع عن تشكيل لجنة كتابة الدستور او بالأحرى لجنة التوقيع عليه، يدفع الروس إلى الإسراع في إنهاء ملف ادلب ليكون أمامهم متسع من الوقت ليظهروا إلى العالم أنهم نجحوا في إنهاء الحرب في سورية، وإنهم في طور التحضير للسلم والحل السلمي.” ثم انتهى كرداس إلى القول” ” إن معركة ادلب إذا كانت قادمة ولو كانت محدودة، ستؤدي إلى موجة جديدة من النزوح (الذي تخاف منه تركيا) والدمار والخراب والقتلى والجرحى سيكونون بالآلاف، ولن يكون ذلك سهلاً إذ إنه يعتبر فشلًا لكل جهود الدول (الضامنة) لإنهاء الحرب. وقد يؤدي إلى انفراط عقد هذه الدول (الضامنة) وبذلك يفتح المجال أمام خلط جديد للأوراق، فروسيا تريد حسم المعركة وتركيا تتخوف من النتائج وعينها على المسلحين الأكراد لإبعادهم عن حدودها، واتفاق أضنة الذي أتاح لها التدخل في الشمال السوري، ليس كافيًا برأيها بعد التحالف الكردي الأميركي الذي تعتبره أميركا استراتيجيًا في سياستها في المنطقة، وإيران والنظام متأهبتان بريًا لحسم المعركة”.
المحامي والمعارض السوري طارق غريبي ابن ادلب قال ” منذ توقيع اتفاق خفض التصعيد2017 نجد أن التصريحات الروسية حول تنفيذ عملية عسكرية على إدلب اكتنفها الغموض والضبابية. ويعود ذلك لتضارب المصالح والرؤى بينها وبين تركية. ولكن التصريحات الروسية الأخيرة تظهر ما يشبه رغبةً حقيقيةً لدى الروس باجتياح محافظة إدلب التي تعتبرها موسكو منطقة محميات إرهابية لن تسمح بوجودها.! وبالنظر إلى ما توصل إليه وزيرا الدفاع التركي والروسي مؤخرًا في أنقرة باتخاذ إجراءات حاسمة في إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة(هتش) المصنفة إرهابيًا. هذا الاتفاق يذكّرنا بتصريح وزير الخارجية التركي أوغلو في 10/1/2019 بأن بلاده وروسيا قد تنفذان (عملية مشتركة) ضد جبهة النصرة. وبالنظر لما تقدم يغدو الوضع معقدًا على الأرض لكن يبقى احتمال شن عملية عسكرية على إدلب هو الأكثر ترجيحًا، لكن هذه العملية ستكون محدودة لأن عملية عسكرية شاملة ستؤثر سلبًا على تركية، من خلال تدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها في الوقت الذي تريد فيه موسكو الحفاظ على مصالحها مع تركية..و بالتالي فإن السيناريو الذي اتبعه الأسد والروس(التهجير القسري لمعارضيه من الفصائل)في الغوطة والجنوب لا يمكن تطبيقه في الشمال السوري، لأنه البقعة الأخيرة المتبقية لدى المعارضة، التي لا يمكن القضاء عليها(رغم تفرقها) بليلة و ضحاها، كما أنه لا يوجد مكان آخر تُهجّر إليه” ثم تحدث عن الموقف الأميركي بقوله ” لا يمكن شنّ عملية كهذه(حتى لو كانت محدودة) بدون التنسيق مع الجانب التركي اللاعب الرئيس في الشمال السوري وقد لا نستغرب مشاركة تركية(بشكل أو بآخر) إذا لم تستطع الأخيرة تحويل جبهة النصرة المصنفة إرهابيًا(و على عجل) إلى حركة سياسية عبر دمجها في الجيش الوطني. والمشاركة التركية قد تكون ما قصده(فيرشينين) بأن العمل العسكري سيكون (منظمًا بشكل فعال إذا تم). أما الأسباب التي تدعو روسيا والأسد لاجتياح عسكري جزئي لإدلب فهي كثيرة أهمها: سيطرة النصرة على إدلب سيطرة تامة، في الوقت الذي تلقى فيه روسيا والنظام تأييدًا دوليًا للقضاء على الإرهاب، لا سيما أن اتفاق وقف التصعيد لم يشمل النصرة كما هو الحال في اتفاق المنطقة العازلة. والكل يرى أن هجمات النظام لم تتوقف على مناطق كثيرة من إدلب لا سيما معرة النعمان وجسر الشغور ومحيطهما. إضافة إلى أن سيطرة النظام على إدلب يحقق مبدأ وحدة الأراضي السورية الذي طالما تبجّح به. كما أن روسيا تعتبر أن إدلب هي آخر عقدة في طريق الحل السياسي في سورية، حيث اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي(فيرشينين): إن مناطق خفض التصعيد إجراءً مؤقتًا وهذا يعني أن لا أحد سيعترف بهذه المنطقة على هذا النحو إلى الأبد.” ثم أضاف غريبي ” تركيا تراعي مصالحها القومية والأمنية وليس حماية السوريين وأمنهم ودليل ذلك الرد التركي حين اعتبر أن الاستفزازات التي تجري في إدلب لا يمكن اعتبارها ذريعة لشن عملية عسكرية تؤدي لتدفق ملايين اللاجئين أو قتل مئات الآلاف وتدمير البنية التحتية المدنية.!؟ ونعتقد إن هذه المسألة ستكون أكثر وضوحًا بعد القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية التي ستعقد في سوتشي في 14/2/2019 لكن في مطلق الأحوال لن يكون السوريون في الشمال في وضع أفضل مما هم عليه، نتيجة أي عمل عسكري سواء كان واسعًا أم محدودًا.”
أما الناشط وعضو المجلس المحلي السابق في أريحا فاخر قزموز فأكد لجيرون أنه ” لا يمكن على الأقل بالقريب أن يكون هناك عمل عسكري على ادلب، والسبب أنه لم تنضج الطبخة بين الأقطاب الأربعة تركيا وروسيا وأميركا وإيران.” وأضاف ” هناك تفاهمات تحت الطاولة لم تظهر بعد. ونحن بانتظار حل هذه التفاهمات، لكن نحن سوف نعيش بالمحرر فترة طولية حالة اللاحرب واللاسلم، وكل ما نسمعه عن حشودات هي فقاعات”.
المصدر: جيرون