عبد الله الخضر
دُشنت في الآونة الأخيرة معامل عالمية لصنع الحشرات، وشُيدّت محال في السوق السوداء لبيعها، ليست تلك الحشرات التي نقضي عليها بمُبيد كيماوي، بل حشرات إلكترونية، تسبب نفس الازعاج الذي تسببه الحشرات الطبيعية، لها نفس الطنين المزعج الذي للذباب، ودبيب كدبيب النمل، تفتك بالبرمجيات وتدمرها، بمكانها أن تقطع الكهرباء عن مدينة بأكملها، وتعرقل سير الطائرات، وتعطل شبكة الاتصالات، تسرق البنوك من غير أن تُشهر السلاح بوجه الموظفين، تتسلل خلسة إلى إحدى وكالات الأنباء أو القنوات التلفزيونية وتصرح بالأخبار ما تريد، وبإمكانها تخريب العلاقات مع عملاء استغرقت سنين طويلة لكسبهم، وغير مقيدة بحدود جغرافية، أي بمكانها أن تدمر البنية التحتية لأي دولة ضعيفة في أمن المعلومات، الأمر غير مكلف كما في الحروب التقليدية، التي كانت تنشب قديماً، وتستعر الهيجاء كما كان يصف عنترة دخوله معترك الحرب :
قفي وانظري يا عبلَ فعلي وعايني طِعاني إذَا ثَارَ العَجاجُ المكدّر
تري بطلاً يلقى الفوارسَ ضاحكاً ويرجَعُ عنْهمْ وهو أشعثُ أَغْبَرُ
ولا ينثني حتى يخلى جماجماً تَمرُّ بها ريحُ الجَنوبِ فتَصْفر
وأجْسادَ قوْمٍ يَسكنُ الطَّيْرُ حَولَها إلى أن يرى وحشَ الفلاة ِ فينفر
فالحروب السيبرانية لا تثير العجاج المكدر، ولا يرجع منها المقاتل أشعثاً مغبراً.
الأمر لا يحتاج سوى أحد الهواة مع مجموعة تدعى اصطلاحاً ب “الهكرز” وبالإنجليزية: Hacker, Hacking. وحاسوب وعدة برمجيات وكوب من الشاي، إن كانوا من عشاقه كمحدثكم، ولا تشترط مكانًا ولا زمانًا معين، حتى شظاياها لا تقتل البشر، لكنها تقتل الحواسيب والأمر لا يحتاج بعد تلقي الهزيمة سوى أن تبتاع حاسوباً جديداً وتغير المكان إن كشف، ولا يتسربل بها المقتول بدمه إنما تخضبه بياناته.
في التقرير التالي، نستعرض مفهوم “الحروب السيبرانية”، والجدل المُثار حولها، خاصة مع تلبس الأمر بالنسبة للبعض في مصطلحات أخرى كـ “الإرهاب الإلكتروني”، والحروب غير النمطية، كما نستعرض أهم الأسباب المرتبطة أو المفسرة لاندلاع مثل هذه الحروب، وأبرزها من الأحداث والوقائع الدولية، وأيضًا تداعياتها ومخاطرها على الأمن الدولي.
ما هي الحرب السيبرانية:
يعني مصطلح الهجوم السيبراني قيام فرد أو مجموعة من الأفراد أو كيانات ممولة من قبل دولة ما، سواء كانت تعمل مع، أم تتلقى دعمًا من حكومة ما، بإطلاق فيروسات أو “ديدان إلكترونية ” أو أي نوع آخر من الهجمات السيبرانية التي لا تقتصر فقط على شيفرة ما يسمى بحصان طروادة أو التطبيق السري المعروف تحت مسمى “الأبواب الخلفية” أو برنامج “حجب الخدمة” وغيرها من البرمجيات الفيروسية بهدف زعزعة أو شل الضحية سواء كانت فردًا أم مجموعة من الأفراد أم منظمة أم شركة أم وكالة حكومية.
الحرب الإلكترونية أو الحرب الفضائية ترتبط بالأساس بالتطبيقات العسكرية للفضاء السيبراني، وهي تعني -في إحدى تعريفاتها- أن تقوم دولة أو كيان ما بشن هجوم إلكتروني، وذلك في إطار متبادل، أو حتى من طرف واحد. وتشمل الانترنت السحابي أو سعات التخزين السحابية.
يقول جيفري كار مؤلف كتاب Inside Cyber Warfare أنه باستطاعة أي دولة أن تشن حربًا إلكترونية على دولة أخرى، خاصة أن أنظمة أغلب الجيوش في العالم أصبحت متصلة بالإنترنت، وتفتقد كل عوامل الأمان في المطلق. ولا يقتصر الأمر على الدول؛ ولكن حتى الأفراد باستطاعتهم شن هجمات تسبب كوارث لدى العديد من الدول، فيشبّه جيفري الإمكانات المتاحة الآن لمخترق قوي بمن يمسك مسدسًا قاتلًا. وتاريخها يرجعه البعض إلى القرن التاسع عشر باختراق شيفرة مورس بداية 1840م والاتصال السلكي والتلغراف.
ضربات شهيرة:
في 24 مايو 2017، ومع بزوغ الفجر وانتشار خيوط الشمس على شبه الجزيرة العربية انطلقت الضربات الإلكترونية تجتاز كثبان الرمال نحو موقع وكالة الأنباء القطرية، لينشروا تصريحات وهمية على وكالة الأنباء القطرية الرسمية نسبت إلى أمير قطر، الذي أعرب عن تأييده لإيران، وحماس، حزب الله وإسرائيل. والتي أدت الى الازمة الخليجية التي ترزح الشعوب العربية تحت نيرها الى يوم الناس، هذا ولم تؤثر فقط على دول الخليج وشعوبها، بل امتدت لتصل الثورة السورية والقضايا الإقليمية العالقة. والأزمة صار لها سنتين ونيف إلا أنها لم تطلق فيها رصاصة كما في أجيال الحروب الاولى التقليدية.
والآن وبعد أن تجرع القطريون مرارة الامر، دشنت جامعة حمد اختصاصاً في العلوم السيبرانية في الدراسات العليا لرفد مؤسسات الدولة بمختصي الأمن السيبراني. وانتهجت استراتيجية مبنية على إنشاء مركز للسيطرة والتحكم السيبراني: يؤدي هذا المركز مهمة أساسية في قطر، فهو يؤمِّن الدفاع عن البنية الإلكترونية التحتية للبلاد من أية هجمات سيبرانية سواء أكانت قائمة حاليًّا أم يُتوقع حدوثها مستقبلًا. وعادة ما يكون مثل هذا المركز، كما هي الحال في العديد من البلدان، تابعًا لمؤسسة الجيش الوطني أو إلى سلطة تنفيذية عليا تتمتع بصلاحيات تنفيذية مباشرة على جميع الكيانات الحاسوبية التي تؤمِّن البنى التحتية للبلد.
الإلغاء الكامل والفصل التام لخدمة الاتصال عن بُعد عبر شبكة الإنترنت العالمية الخاصة بالنظم الحاسوبية المرتبطة بالبنية التحتية الإلكترونية، وكذلك إلغاء خدمة الإنترنت التي تسمح بتحميل الملفات وتنزيلها بالنسبة لجميع الموظفين في منشآت البنية التحتية الإلكترونية للبلد. ويجب تنفيذ كل تلك الإجراءات والعمليات بكل صرامة داخل المنشآت التي هي على علاقة بخدمات البنى التحتية الإلكترونية الحيوية في البلد.
والاستفادة من المواطنين القطريين المؤهلين العاملين أصلًا في مجال الأمن السيبراني، مع الحرص على تعليم وتدريب المواطنين القطريين، من ذوي الكفاءة، على اكتساب مهارات الأمن السيبراني من أجل بناء فريق قطري قوي يكون قادرًا على تولي مسؤوليات حماية البنى التحتية الإلكترونية الوطنية من تهديدات الهجمات القائمة حاليًّا وتلك المستقبلية.
المخزن رقم 7 واختراق CIA لحكومات العالم
نشرت ويكيليكس عدة آلاف من الوثائق المسربة والمنسوبة لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، فيما يعرف بوثائق Vault7، والتي توضح عمليات اختراق مختلفة قامت بها المخابرات الأمريكية لأغلب حكومات العالم، وذلك باستغلال الثغرات الموجودة وغير المكتشفة في أنظمة التشغيل الرقمية، كويندوز وأندرويد وماك أو إس و أي أو إس، وتطوير برمجيات خاصة لذلك. من ضمن الاختراقات اختراق للحكومات العربية، وإيران، وروسيا، وباكستان، والصين، والهند.
اتهمت الولايات المتحدة الامريكية الجيش الصيني بسرقة بيانات من مؤسسات امريكية مثل فيسبوك وتويتر وصحيفة واشنطن بوست.
وأهم الأسباب التي ساعدت على تنامي التهديدات الإلكترونية للمصالح المباشرة للدول:
– الارتباط المتزايد للعالم بالفضاء الإلكتروني، ما جعل المجال أوسع لتطال البنية التحتية المعلوماتية للدول هذا الخطر.
– التراجع الملحوظ للدولة بشكلها التقليدي، في ظل مستجدات “العولمة”، وانسحابها من عددٍ من القطاعات الاستراتيجية والحيوية لصالح القطاع الخاص، وفي ذات الوقت، تعاظم أدوار الشركات الأجنبية وتلك المتعددة الجنسيات، خصوصًا في مجال التكنولوجيا، لتصبح معه أحد اللاعبين المؤثرين في الفضاء الإلكتروني، ولاسيما مع تفوقها في القدرات التقنية عن الحكومات.
-حروب الفضاء الإلكتروني، هو سهولة استخدام من قبل بعض الكيانات أو حتى الدول ضد الدول المعادية لها، دون الحاجة إلى الدخول إلى أراضيها بالشكل المتعارف عليه، خصوصًا -وكما ذكرنا سلفًا- مع اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في غالبية منشآتها الحيوية، ما يجعلها عرضة لهجوم مزدوج.
-التكلفة الإجمالية لـ”الحروب السيبرانية”، تعد أقل بكثير، من نظيراتها التقليدية، فالهجوم الإلكتروني، قد لا يتكلف قيمة “دبابة”، حيث يحتاج إلى بعض الأسلحة الإلكترونية الحديثة والمتطورة، ومهارات وإبداعات بشرية، فضلًا عن عدم التزامه بقيود الوقت، أو الظروف السياسية، سواءً وقت السلم أم الحرب أم الأزمات، كما لا يتطلب تنفيذه سوى وقتٍ محدد.
-أصبحت “الحروب السيبرانية”، مؤخرًا مجالًا لإظهار قوة الدول، ووسيلة لاستعراض مزايا تفوقها وتأثيرها على الدول المعادية، بغض النظر عن القوة الاقتصادية أو العسكرية للدول المتفوقة في ذلك، وعليه ظهر ما يسمى بـ “الاستراتيجية السيبرانية”، حيث تبنتها الدول كمجال للتوظيف والتشغيل في ساحات الفضاء الإلكتروني، وأضحت دلالة على حجم التنمية في هذا البلد، وبالتالي صارت عنصرًا من عناصر القوة القومية للدول.
ولعل التغير السريع للتكنلوجيا والذكاء الاصطناعي جعلنا نعتمد بشكل كبير على الشبكة المعلوماتية والاجهزة المبرمجة، وجعلتنا نتبادل أفكارنا وتحليلاتنا، وحتى ندير أعمالنا عبر الانترنت، أكثر من 90% من الشركات والمنظمات حول العالم أعلنت عن تعرضها لهجمات واختراقات أمنية لأنظمتها.
توفر شركة (مايكروسوفت Microsoft Corporation) حلول أمان متكاملة لتصدي لهجمات القرصنة وكشفها واحتوائها وعزلها قبل التأثير على كافة الأنظمة وتسريب البيانات وتعطيل الأعمال، وتتيح باقة متكاملة (SPE E5)، والتي توفر حماية على شتى نطاق الاختراق من مقاومة التهديدات، وحماية هوية المستخدمين، والمعلومات، وكشف الاختراق الكامنة والساكنة في شتى الأنظمة، وتقدم أنظمة حماية متقدمة، والتي تتصدى لاختراقات بالغة التعقيد ومصنعة خصيصاً لمنظمات وشركات بعينها، تقوم باستخدام الذكاء الاصطناعي، والتحاليل التنبئية، والكشف النمطي للسلوك الغريب داخل شبكات المؤسسة وتحديد أماكن وهجمات ال zero dey.
في النهاية يعتقد المحللون والخبراء التقنيّون والعسكريّون أن العالم الرقمي والإلكتروني سيصبح عنصرًا رئيسيًّا في مستقبل الحروب بين دول العالم، لما يحققه من نتائج قوية جدًّا ومؤثرة، سيتطور الأمر بمحاولة الدول أن تجني أسرار دول أخرى والتجسس على الأنظمة الرقمية لها وتعطيلها، ستزداد الهجمات الإلكترونية ضد الأنظمة المالية الرقمية بكل تأكيد مع الوقت، ونرى من حاضرنا الآن بالتأكيد فإن منشآت البنية التحتية كمحطات الطاقة وخطوط السكك الحديدية وخطوط الاتصالات والسدود ستصبح تحت التهديد بشكل أكبر مستقبلًا.