بسام مقداد
لم يكن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليتوقع، أن تأجيل زيارة موسكو لمدة أسبوع، سوف يحمل له في طياته “مفاجأة” زيارة الأسد إلى طهران. فما يحمله معه إلى موسكو في ملف الوجود الإيراني في سوريا، لا يحتاج إلى مزيد من الدلائل على عمق الحضور الإيراني في قرار النظام السوري. لكن قد لا يكون الرجل يتوقع من الإيراني والسوري تعمد “إحراج” حليفهما الروسي بالإعلان عن زيارة الأسد لطهران قبل موعد زيارته بأيام، وهو الذي لا يحمل في حقيبته سوى ملف علاقتهما، كما صرح لدى إعلانه عن هدف زيارته.
القول بحرج روسي في المحادثات مع الإسرائيلي حول الملف الإيراني السوري، قد لا يتسم بالكثير من الدقة، في ظل ما يجري على الأرض السورية من صراع مكشوف بين الحليفين الروسي والإيراني اللدودين. لكن هذا لا ينفي وقع المفاجأة لزيارة الأسد لطهران، الذي عكسته برودة تغطيتها من قبل الإعلام الرسمي الروسي، وعدم التعليق عليها، حتى اللحظة، من قبل أي مسؤول رسمي روسي. وفي حين لم تمنحها وكالة نوفوستي سوى أسطر قليلة، لم تأت خلالها على حديث خامنئي عن “مؤامرة إدلب”، وربطت صحيفة الكرملين بينها وبين استقالة وزير الخارجية الإيراني، ورأت أن الإستقالة “نذير اضطرابات في الشرق الأوسط ككل”. ونقلت عن اختصاصي روسي بالشؤون الإيرانية قوله، بأن استقالة ظريف “علامة مقلقة جداً”، وأن السياسة الإيرانية لن يقودها الإصلاحيون بعد الآن، بل “الراديكاليين المسعورين المعادين لأي حوار مع الغرب”.
ولم تجد صحيفة الكرملين “الحريصة” على الحوار مع الغرب، حرجاً من أن تنقل، بالمناسبة، رأي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بكل من روحاني وظريف، “اللذين يمثلان واجهة لمافيا دينية فاسدة”، وتأكيده بأن جميع القرارات النهائية يتخذها خامنئي، وأن الولايات المتحدة لن تبدل سياستها تجاه إيران، بعد استقالة ظريف.
موسكو، التي “فوجئت” بزيارة الأسد إلى طهران، بدأت في الفترة الأخيرة تعلو فيها الأصوات، التي تتحدث عن خضوع الأسد المتزايد للنفوذ الإيراني، وضرورة تغيير سلوك موسكو حياله. فقد نقل موقع “rosbalt” المقرب من الشيوعيين في نهاية الشهر المنصرم عن المستشرق ألكسندر شوميلين قوله، بأن الأسد كان ويبقى بالنسبة لإيران الشخصية، التي لا بديل لها، وأن العملية السياسية في سوريا، ليست في مفهوم إيران، سوى سلسلة من الإنتصارات لصالح الأسد، وبالتالي لصالحها. لكن، ومع دخول إسرائيل في الحرب السورية، أخذت تتفاقم مشكلة الوجود الإيراني في سوريا، وكان بوسع موسكو أن تخفف من وطأتها، لولا أنها اصطدمت بتصلب الموقف الإيراني حيال الأمر، حسب المستشرق.
ويقول شوميلين، إن موسكو لا تزال تلتزم شكلياً فقط بمعادلة “الأسد رئيس سوريا الشرعي”، إلا أن بحثها عن تسوية سياسية وتحقيق تحول سياسي، يفترض أن مصير الأسد هو، على الأقل، موضع تساؤل. أما بالنسبة لإيران فيعتبر، أن لا مجال لأية مساومة في هذا المجال، بل هي تدفع إلى الحلول العسكرية لكافة المسائل، كما في إدلب الآن، مما قد يدفع إلى الصدام مع الجميع، وهو ما لا تتحمله روسيا. ونتيجة لذلك نشأ وضع في سوريا، تقف فيه إيران مع الأسد في جانب، ويقف الجميع في الجانب الآخر المواجه.
أما موقع القوميين الروس”SP”، فقد كان أكثر صراحة في الحديث عن الفراق بين موسكو والأسد، إذ كتب في 23 من الجاري يتساءل “لماذا قرر الكرملين التخلص من الأسد”، وقال بأن موسكو تراهن على مرشح آخر، وهي على استعداد للنضال من أجله.
ينوه الموقع بدور إيران في خوض العمليات البرية، مما سهل على موسكو مهمة “تحرير” سوريا، وجعلها ضئيلة الكلفة نسبياً “بفضل الفرس” بالذات. لم تتحمل روسيا اية تكاليف عملياً، سوى العسكرية منها، في حين أن الإيرانيين كانوا، إلى جانب القيام بأعباء العسكريين، يطعمون نصف سوريا ويلبسونها، بما فيها بشار الأسد، حسب الموقع.
ويقول الموقع، إن من الغباء الاعتقاد بأن طهران لا تريد شيئاً مقابل ذلك، بل هي “تريد سوريا بالمقابل”، وهو ما لا يعجب الكثيرين، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. أما بالنسبة إلى روسيا، التي من المفترض أنها تدعم الإيرانيين، فقد أصبح من الواضح للجميع، أن تنامي نفوذ إيران على النظام السوري، سوف يفضي إلى إزاحة روسيا.
وبعد أن يتحدث الموقع عن تفاصيل الصراع “المشرع على مصراعيه” بين الحليفين، يقول، إنه في حين كانت روسيا منهمكة في إقامة حوار مع كل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، كانت إيران تنشط في التدخل بالحياة السياسية السورية الداخلية، مما يخلق الانطباع الآن، بأن الفرس يحلون في سوريا الآن أكثر بكثير مما تستطيعه روسيا.
ويقول الموقع، إن هذه المسألة قد لفتت انتباه خبراء مركز اسطنبول المستقل للاقتصاد والسياسة الخارجية، الذين يؤكدون في تقرير مستند إلى مصادر مختلفة، أن المجابهة الروسية الإيرانية داخل سوريا تتواصل منذ بعض الوقت، وأن الأسد يعتبر رئيساً موالياً لإيران بنسبة 90 بالمئة. وفي ظل هذا الوضع تريد روسيا خلق بديلها الخاص الموازي، وترى أن الجنرال سهيل الحسن يفي بالغاية تماماً، سيما وأنه مشهور جداً في سوريا، وسمع به كثيرون خارجها.
وبعد أن يدخل الموقع في تفاصيل سيرة الجنرال الحسن، وكيف فكك الأسد “قوات النمر”، التي كان يقودها الجنرال، وحال دون ترقيته أو تكليفه بمهمات أخرى، يقول إن الجنرال بوسعه أن يشكل بالنسبة لروسيا ذلك البديل الخاص الموازي للأسد الموالي لإيران. ومن الطبيعي أنه ليس بوسع أحد جعل الجنرال الشخصية الرقم واحد في سوريا بين ليلة وضحاها، إلا أنه يمكن جعله قائد جيش، تجري إعادة تشكيله، سيما وأن الاختصاصيين الروس منهمكون في خلق جيش كامل المواصفات لسوريا.
ويتساءل الموقع عن مدى الحقيقة، التي تنطوي عليها هذه الفرضيات المهمة، ويقول بأن المستشرق الروسي أوليغ غوشين يعتبر أن هذا كله منطقي، وأن روسيا قد تحتاج، فعلاً، لمثل هذا الشخص، طالما أنها عازمة على الحصول على ما يعود لها. ويقول هذا المستشرق، إن ليس من الضروري أن تجعل روسيا سهيل الحسن رئيساً، إذ أنه لو أصبح قائداً للجيش، يغدو تلقائياً الشخصية الرقم 2 في سوريا. وهذا كاف، برأيه، للذود عن المصالح الروسية.
تلك هي المصالح، التي تتنازع عليها احتلالات سوريا اليوم، والتي جعلت أحد المستشرقين الروس المشاركين في مؤتمر “نادي فالداي” حول الشرق الأوسط، الذي عقد في موسكو الأسبوع الماضي، يقول بأن “درب سوريا إلى السلام عسير”.
المصدر: المدن