فاطمة الصمادي
قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهو ما يرفع من حدة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وبالنظر إلى دور وحجم تأثير الحرس في الساحة السياسية الإيرانية ونفوذ إيران الإقليمي فإن القرار سيكون له تبعات إقليمية ودولية وداخلية بالنسبة لإيران.
مقدمة
مع قرار الولايات المتحدة الأميركية تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، تكون إدارة ترامب قد رفعت من حدة التصعيد في علاقاتها مع طهران، وهو ما سيكون له تبعات إقليمية ودولية وداخلية بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف قوائم الإرهاب الأميركية الحرس الثوري، فقد سبق أن أدرجت عشرات الشخصيات والجهات التي لها علاقة بالحرس الثوري الإيراني، لكنها المرة الأولى التي يُصنَّف فيها جيش نظامي منظمة إرهابية. وفقًا لبيان البيت الأبيض، هذه هي المرة الأولى التي تحدد فيها الولايات المتحدة وحدة تابعة لحكومة أجنبية كـ”منظمة إرهابية”. وجاء الرد الإيراني سريعًا؛ حيث أدرجت طهران القيادة المركزية الأميركية كمنظمة إرهابية. ونشرت وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري بيانًا لمجلس الأمن القومي جاء فيه: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي إجراء متقابل ردًّا على الخطوة غير القانونية والبعيدة عن الحكمة للإدارة الأميركية اليوم، تعتبر نظام الولايات المتحدة الأميركية دولة راعية للإرهاب والقيادة المركزية الأميركية وجميع القوات التابعة لها جماعة إرهابية، وأشار البيان إلى أن هذه القيادة تتحمل مسؤولية تنفيذ السياسات الإرهابية للإدارة الأميركية ضد منطقة غرب آسيا، وقد عرَّضت الأمن الوطني الإيراني للخطر بهدف تمرير السياسات العدائية للولايات المتحدة”.
ووصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القرار بأنه “خطوة غير مسبوقة لتعزيز حقيقة أن إيران ليست دولة راعية للإرهاب فحسب، بل إن الحرس الثوري الإيراني يشارك بشكل كبير ويمول ويشجع الإرهاب كأداة للحكم”. ووفقًا لتصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، فإن القرار يدخل حيز التنفيذ خلال أسبوع.
وأرسلت تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية رسائل بأن هذا التصنيف يوضِّح بشكل قاطع مخاطر التعامل ماليًّا أو تقديم الدعم بأية صورة للحرس الثوري الإيراني، وأن ذلك سيضع الحكومات والأفراد في معرض الاتهام بدعم الإرهاب، وهو ما من شأنه أن يقوض الجهود الأوروبية للحفاظ على الاتفاق النووي وإيجاد آلية لتطبيق بنوده فيما يتعلق برفع العقوبات.
خامنئي: يريدوننا أن ندخل الحلبة لنُهزم
عقب تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية بثت المواقع الإخبارية الإيرانية تسجيلًا يعود إلى العام 2017 تحدث فيه مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، عن وجود مطالب وشروط ترفضها إيران، وتتعلق بشكل مباشر بنشاط الحرس الثوري وحضوره الإقليمي، وقال خامنئي في لقاء حضره عدد من قادة الحرس الثوري ومسؤولون كبار:
“من المعلوم أن أميركا مستاءة من الحرس، هل تتوقعون أن تكون راضية عن فيلق القدس وعن قادة الحرس الفعَّالين في الميدان؟ بالتأكيد سيثير ذلك استياءهم وسيضعون شروطًا هنا وهناك للحد من عوامل اقتدارنا. إنه تمامًا كمن يدعو فريق المصارعة لدينا للمشاركة في بطولة العالم بشرط استثناء لاعبين بعينهم من المسابقة، وهذا في حقيقته دعوة إلى الهزيمة. إن فرض شروط مثل ألا يتدخل الحرس في القضايا الإقليمية يشبه تلك الدعوة وذلك يعني منع مصادر القوة والاقتدار من أن تكون حاضرة في الساحة، نحن علينا أن نجيب بالعكس وعلينا أن نعلي من أهمية اقتدارنا على الصعيد الأمني والعسكري”.
وربما يعطي حديث مرشد الثورة مؤشرات على فشل محادثات تضمنت شروطًا تتعلق بدور وموقع الحرس الثوري، وهو ما يشير إلى أن هذه الخطوة الأميركية جاءت عقب أخذ وردٍّ مع الطرف الإيراني لم يأت بنتيجة فيما يتعلق بنفوذ إيران الإقليمي.
إجماع إيراني على دعم الحرس
وما بين هذا التسجيل وتصريحات حسن روحاني المهدِّدة للطرف الأميركي “لدينا صواريخ لا يمكن للذهن الأميركي أن يتخيلها”، تتجه الساحة السياسية الإيرانية إلى تغليب المواجهة على التفاوض، الذي سبق وجربته، ويغادر روحاني مساحة الدبلوماسية ملتحقًا بالمعسكر المتشدد بشأن العلاقة مع واشنطن، مردِّدًا خطابًا يكاد يشبه بشكل كامل خطاب قادة الحرس الثوري الذين سبق وتلاسن معهم بشأن نشاطهم الاقتصادي. وجاء رد فعل مجلس الشورى الإيراني منسجمًا مع الاتجاه العام، بل حضر نوابه جلسة البرلمان وهم يرتدون زي الحرس الثوري.
وعكست صحف إيران على اختلاف توجهاتها حالة إجماع فيما يتعلق بالخطوة الأميركية واعتبرت أن الولايات المتحدة الأميركية تلعب بذيل الأسد ووضعت القيادة الوسطى الأميركية مقابل الحرس الثوري.
وخصصت صحيفة اعتماد الإصلاحية صفحتها الأولى لصورة استعراض للحرس الثوري مع عنوان: أنا كذلك عضو في الحرس الثوري. وأيضًا عنونت صحيفة شرق الإصلاحية على غلاف حمل صورة الرئيس الأميركي: ترامب يطلق رصاصته الأخيرة، والمجلس الأعلى للأمن القومي يرد على القرار الأميركي، القيادة الأميركية الوسطى مقابل الحرس الثوري. ورأت صحيفة ابتكار الإصلاحية إن أميركا تلعب بـ”ذيل الأسد”. واعتبرت صحيفة جوان الأصولية القرار حماقة أميركية من الدرجة الأولى فيما ذهبت كيهان الأصولية إلى أن ترامب بحماقته يجيز قتل الجنود الأميركيين، وتحدثت صحيفة خراسان الأصولية عن المعاملة بالمثل بشكل قاطع.
نشأة الحرس وتغلغله في النسيج الإيراني
ولعل العودة إلى الظروف التي تأسس فيها الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، بقرار من الإمام الخميني، وكيف تحول بفعل التحديات الداخلية والخارجية من مجموعات ثورية إلى مؤسسة من أقوى مؤسسات إيران مع نفوذ اقتصادي وتأثير سياسي فضلًا عن الدور العسكري في الداخل والخارج. ويمكن العودة إلى مذكرات جواد منصوري، وهو أول قائد للحرس الثوري، لفهم الظروف السياسية والاجتماعية التي رافقت هذه النشأة. وعند العودة إلى حديثه عن الأرضية التي نشأ فيها الحرس نجد أن حالة من الجدل السياسي رافقت هذه النشأة، وبدأت من الاسم حيث اقترح البعض اسم الحرس الوطني ليتم رفض ذلك مع ترجيح اسم “حرس الثورة”.
ومع ما فرضته الحرب العراقية-الإيرانية من تحديات، كان الحرس -ومع انطلاق مرحلة إعادة البناء في عهد رفسنجاني- يضطلع بأدوار جديدة مكنته من الدخول إلى الساحتين الاقتصادية والسياسية. ومن الملاحظ أن المقدرة الاقتصادية للحرس بدأت بالتبلور بعد تأسيس “مجمع خاتم الأنبياء” بأمر من آية الله خامنئي بداية تسعينات القرن الماضي.
ويتحرك الحرس الثوري في المجال السياسي مستغلًّا نصًّا دستوريًّا أعطى له وظيفة الدفاع عن الثورة الإسلامية ومنجزاتها، وهو ما نجده في المادة 150 والتي تنص: تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية، التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. ويحدد القانون وظائف هذه القوات ونطاق مسؤوليتها بالمقارنة مع وظائف ومسؤوليات القوات المسلحة الأخرى مع التأكيد على التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها.
وبالعودة إلى النظام الأساسي للحرس الثوري، يمكن قراءة ملامح الدور السياسي بصورة واضحة من خلال المهام التي وردت في الفصل الثاني، ومن أهمها:
– مواجهة الجهات والتيارات التي تسعى إلى التخريب والإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، أو القيام بأعمال ضد الثورة الإسلامية في إيران.
– المواجهة القانونية للقوى التي تستخدم العنف بهدف نفي حاكمية قوانين الجمهورية الإسلامية.
– التعاون مع قوات إنفاذ القانون، عند الضرورة، من أجل الحفاظ على النظام والأمن وحكم القانون في البلاد.
– تربية وتعليم أعضاء مؤسسة الحرس الثوري وفقًا للتعاليم والمبادئ الإسلامية والتبعية لمبادئ ولاية الفقيه في المجالات العقائدية والسياسة والعسكرية، وإكسابهم القدرات اللازمة للقيام بهذه المهام.
ومع الوقت، كان الحرس الثوري يقوم بدوره في حفظ النظام، ويستمر في تعزيز حضوره وقوته وهو اليوم يمتلك على الصعيد العسكري قوات برية وبحرية وجوية، وعلى الصعيد الاقتصادي أصبح قوة اقتصادية كبيرة، تمتلك مشاريع ضخمة في حقول النفط والغاز، ويعد مجمع خاتم الأنبياء واحدًا من المؤسسات الدالة على نفوذ الحرس اقتصاديًّا، كما أن الحرس هو المشغِّل الثاني بعد الحكومة الإيرانية ويسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني. وتقدر المواقع العسكرية عدد أفراد الحرس الثوري بنحو 125 ألف عنصر، فضلًا عن قوات التعبئة “بسيج” التي تتبع للحرس وقد يصل تعدادها إلى 90 ألف متطوع.
واليوم، فإن الحرس حاضر في مجلس الشورى ومجلس الأمن القومي، والسفارات في الخارج، فضلًا عن الجامعات والقطاع الاقتصادي.
من الواضح أن نفوذ إيران الإقليمي، الذي أخذ منحنى تصاعديًّا عقب احتلال العراق في 2003، هو واحد من أسباب القرار الأميركي فالحرس الثوري ومن خلال فيلق القدس هو من هندس هذا الحضور بصورة مؤثرة، وتجلى ذلك في الساحة السورية، كما أن الساحة اللبنانية والفلسطينية فضلًا عن اليمن ليست بعيدة عن أسباب وتأثيرات القرار الأميركي.
الآثار المتوقعة
في الداخل الإيراني:
– سيعزز القرار من قوة الكتلة السياسة المعادية للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية.
– سيجعل من وفاء إيران بمتطلبات مجموعة العمل المالي والمتعلقة بالإرهاب وغسيل الأموال أمرًا في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا، فالجهات المعارضة للاتفاقية التي تدافع عنها الحكومة ستجد من القرار دافعًا إضافيًّا لرفض ما تطلبه مجموعة العمل المالي كشرط لرفع اسم إيران من القائمة السوداء.
– على الرغم من الإجماع بشأن دعم الحرس بين مختلف التوجهات السياسية الإيرانية، إلا أن هذا القرار سيرفع من حدة النقاش بشأن الدور الخارجي للحرس الثوري وخاصة فيلق القدس، وهو ما قد يعيد طرح مقترح إدماج الحرس الثوري ضمن مؤسسات الدولة العسكرية، من خلال إدماج الحرس في الجيش كمؤسسة كاملة ليخضع لقوانينها الناظمة، وهو المقترح الذي يعود في تاريخه إلى فترة رئاسة ، هاشمي رفسنجاني، الذي كان يؤيد إدماج بعض قوات الحرس في الجيش لضمان تشكيل العقيدة القتالية بما ينسجم وخط الثورة ولتجاوز الولاء للشاه، لكنه مقترح يجد معارضة كبيرة خاصة مع تعظيم دور الحرس في الجيش الإيراني وليس العكس.
– سيكون للقرار تبعات سلبية على آلاف المواطنين الإيرانيين العاملين في مؤسسات الحرس خاصة الاقتصادية منها.
– قد يرفع هذا التحدي من مستوى حضور الحرس سياسيًّا؛ مما قد يضاعف نفوذه.
– سيجعل من مهمة الخارجية الإيرانية فيما يتعلق بمتابعة تنفيذ الاتفاق النووي في غاية الصعوبة.
– سيكون للقرار أثره في تشديد العقوبات.
دوليًّا وإقليميًّا
– يرفع القرار من حدة التصعيد بين الجانبين، الأميركي والإيراني، وهو ما قد يجد صداه في سوريا على وجه الخصوص، وفي أفغانستان التي تحاول واشنطن الوصول إلى صيغة آمنة لسحب جنودها من هناك.
– تقف منطقة الخليج في معرض خطر هذا التصعيد خاصة مع أزمة العلاقات السعودية-الإيرانية ومع القرار الإيراني باعتبار القوات الأميركية في المنطقة “إرهابية تعرِّض الأمن الإيراني للخطر”.
– سيجد الاتحاد الأوروبي عقبات كبيرة أمام سعيه لإيجاد آلية اقتصادية جديدة لإزالة عقبات التعامل البنكي مع إيران.
– يجعل القرار مستقبل الاتفاق النووي في مهب الريح.
– سيحول القرار دون قدرة الكثير من الشركات على التعامل اقتصاديا مع إيران
– سيضيق القرار من الخناق على حزب الله وموقعه في لبنان الذي أُدرج أيضًا على قائمة الإرهاب، وكذلك حركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي اللتان ترتبطان بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري، خاصة وأن القرار جاء مع تصاعد الحديث عن “صفقة القرن” وتسوية القضية الفلسطينية وارتفاع وتيرة التهديد الإسرائيلي بعمل عسكري ضد غزة.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات