د_ عبد الناصر سكرية
على الرغم من الظواهر السلبية الكثيرة التي طبعت حياة اللبنانيين وسلوكهم اليومي ..
وعلى الرغم من اتهامات كثيرة متسرعة كانت تتهم اللبنانيين بالسخافة والسطحية والمظهرية والتشبث بالانقسامات الطائفية والمذهبية..
أتت الانتفاضة الحالية لتثبت عكس ذلك تماما وتبين ان في لبنان غالبية وطنية تتجاوز الولاءات الطائفية والمذهبية وتطمح لبناء دولة حقيقية يسودها العدل والقانون..
١ – شكلت الانتفاضة ظاهرة ملفتة وغير مسبوقة في التاريخ اللبناني القديم والحديث..
من حيث الاعداد الغفيرة جدا المشاركة والاهم من حيث انتماء المتظاهرين الى كل الطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية .وهذه اول واهم خطوة في تكسير حلقات النظام الطائفي الفاسد الذي يتحكم بلبنان..
هذا النظام الذي لم يترك وسيلة قانونية او حياتية او تشريعية الا واستخدمها ليعمق الانقسامات ويؤطرها ويفرضها على اللبنانيين فرضا..فإذ بالانتفاضة الراهنةتتحدى قوانينه وانظمته التقسيمية الفاسدة..
٢ – شكل الاجماع الشعبي على المطالبة برحيل الجميع ، جميع اطراف السلطة دون استثناء احد، وعلى تحميلهم جميعا المسؤولية المشتركة عن انهيار الدولة والوضع اللبناني وعن الفساد والنهب والسرقات ؛
الضربة القاصمة الثانية للنظام الفاسد المتداعي..
٣ – انكشاف محاولات بعض اطراف السلطة تجيير الانتفاضة لمصالحها الفئوية والحزبية ، وسقوطها في خضم وعي شبابي وشعبي ملفت ويقظ..
٤ – انكشاف وسقوط محاولات كل طرف من اطراف السلطة الفاسدة بالتبرؤ من مسؤولية المشاركة في الفساد والنهب والسرقات والمحاصصة الطائفية، تحت ادعاء القول : نحن سبق وحذرنا ونبهنا ولم يسمع لنا احد..فكان شعار التحرك الجميل : كلن يعني كلن ، ابلغ تعبير عن هذا السقوط وذلك الوعي الشبابي المتميز..
٥ – تصدع كل مقولات النفوذ الاجنبي ومشاريعه المشبوهة التي كانت تعمل على تكريس الانقسام الطائفي والمذهبي وتقوقع اللبنانيين فئويا وانعزاليا في مواجهة بعضهم البعض..
٦ – تصدع كل محاولات التغريب والتهجين والاستلاب الفكري والثقافي التي تتولاها انظمة التعليم والتثقيف وتشيعها كل وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي الترويجي ، والتي اقتربت من النجاح في بعض المحطات لتاتي الانتفاضة الراهنة لتطيحها بانقلاب شبابي رائع عليها ونزول الشباب الى ساحات المطالب الشعبية والاجماع الوطني والعمل ضد الفساد والانقسام والتبعية..
٧ – تصدع وانهيار ادعاءات مغرضة سبق ووصمت بعض المناطق وبعض الفئات اللبنانية بالتطرف والتكفيرية والارهابية ؛ فكانت الانتفاضة هذه ردا بليغا على كذب تلك الادعاءات لا بل ابانت دوافع مغرضة وخبيثة ومبيتة لمن يقف ورا’ها واطلقها وروج لها..
٨ – فشل محاولات أطراف السلطة الميليشيوية التسلل الى داخل الصفوف الشعبية بغرض التخريب وتشويه صورة الانتفاضة وبالتالي انفضاض الناس عن المشاركة فيها فتنطفئ تدريجيا..
٩ – الغالبية الساحقة من المتظاهرين من الشباب ذكورا واناثا..وهم اجيال لم تتلق اي تثقيف سياسي حزبي او نقابي او تعليمي..
وهذا بحد ذاته يدل على فشل النظام الفاسد في ابعاد الشباب عن الاهتمامات الوطنية والحياتية المطلبية..
١٠ – العلم اللبناني وحده يرفرف فوق رؤوس المتظاهرين محمولا على اكفهم وسواعدهم..دون اية اعلام حزبية او فئوية كما دون اية هتافات حزبية او انقسامية خاصة من اي نوع..وهذا كله يكفي للدلالة على مدى فشل الاحزاب جميعها وانفضاض الشباب والاجيال الجديدة عنها وعن قياداتها المزمنة المتفسخة..سواء الاحزاب ذات الطابع الطائفي او المذهبي او تلك التي تحمل يافطات دينية او وطنية او تقدمية او يسارية..
ما العمل؟؟
١ – ان لبنان ساحة تغص بقوى النفوذ الاجنبي وامتداداتها ذات امكانيات كبيرة ومتشعبة.بعضها خفي وبعضها بين..
هذا النفوذ الاجنبي بما يملك، قد يقدر على استثمار الانتفاضة وتجييرها لمصالحه وخططه المحلية والخارجية.
٢ – النظام الفاسد الذي يطالب المنتفضون باسقاطه ، يملك ايضا من الامكانيات والامتدادات ما هو كثير.ولن يسكت ولن يستسلم بسهولة ولن يخلي الساحة للحركة الشعبية تزيحه وتحاسبه ، إلا مكرها..
٣ – العدو الاسرائيلي المتربص ماذا يريد وماذا يعمل لتبقى الاوضاع في لبنان بعيدة عن الإضرار بمصالحه ؟؟؟
٤ – ان التسوية الرئاسية التي اوصلت العماد عون الى رئاسة الجمهورية ، تمت برعاية عالمية وتحديدا امريكية وكان البند الابرز فيها الحفاظ على اتفاق الهدنة وعدم الحرب وحماية الحدود اللبنانية الفلسطينية الذي تم بعد عدوان تموز ٢٠٠٦ الاسرائيلي على لبنان..وهي التسوية السائدة حاليا والتي اطلقت العنان للفساد والصفقات والنهب بشكل فاضح كاسح ماسح .واتت بوزراء مأجورين مهمتهم الاساسية الاطاحة بما تبقى من مقومات حياتية للمواطنين ومن حطام مؤسسات للدولة..
فالى اي مدى يستطيع ضغط الشارع المنتفض ان يقف بوجه هؤلاء جميعا فيفرض تسوية تطيح بالنظام الفاسد المأجور وتستبدله بآخر وطني يلبي مطالب مواطنيه الحياتية والاجتماعية والسيادية الوطنية ؟؟
الى اي مدى يستطيع وكيف يمكنه تحقيق ذلك في ظل الظروف الراهنة والوقائع الحاضرة ؟؟
ثم كيف يمكن للحركة الشعبية ان تتحول من انتفاضة في الشارع الى مكاسب سياسية وتشريعية وحياتية تمنع المتربصين بالشعب والوطن من تجيير التحرك الشعبي لمصالحهم المشبوهة ، كما حصل في بلاد عربية أخرى ؟؟
تبدو الانتفاضة حتى الآن عفوية ليس لها قيادة ولم تطرح برنامجا وطنيا للتغيير..وهذا موضوعي قياسا للواقع الشعبي القائم..حيث الاحزاب ” الوطنية ” مدجنة ومهجنة من قبل النظام ذاته او من النفوذ الاجنبي الذي يحميه .كذا هي حال النقابات المهنية والعمالية.اما المؤسسات الدينية فيمنعها انتماؤها المذهبي وولاؤها للنظام من التحرك ومساندة الشعب المنتفض..
ان الشباب المتظاهر قد لا يملك الخبرة او المقدرة على تنظيم وضبط انتفاضة شعبية بهذا الحجم والنوع..وقد لا يستطيع صياغة برنامج مطلبي للتغيير يتناسب مع الواقع الموضوعي والظروف المتحكمة فيه..
لذا من الضروري جدا بلورة قيادات ميدانية وطنية مستقلة تنظم وتنسق وتتابع التحرك ومتطلباته وتحميه من الاختراق والتشويه والتحريف ..
كما من الضروري جدا صياغة برنامج مطلبي وطني قابل للتحقيق من شأنه ان يترجم الشعارات الثورية المطروحة إلى وقائع عملانية تفتح ابواب التغيير والتخلص من نظام المحاصصة الفاسد ..
كلن يعني كلن. والشعب يريد اسقاط النظام يجب ان تترجم الى مطالب محددة يصوغها وطنيون مستقلون احرار..
مطلوب ملء الفراغ قبل ان تملأه قوى النفوذ الاقليمي والدولي بما يخدم مصالحها..
كل القوى المشاركة في الحكومة وفي المجلس النيابي وفي عمليات المقايضة والمحاصصة هي شريك وجزء من النظام الطائفي الفاسد المشبوه ؛ مهما رفعت من شعارات مغايرة..
مطلوب من القيادات الوطنية المستقلة المشاركة في الانتفاضة ؛ التقدم لملء الفراغ وتحقيق المطلبين الاساسيين :
1 صياغة برنامج مطلبي موضوعي للتغيير يترجم مطالب الناس وشعارات الانتفاضة..
2 تحمل مسؤولية قيادة الانتفاضة ميدانيا والالتحام مع الشباب الثائر والتعبير عنه وتولي مهمة متابعة المطالب حتى تحقيقها..
وانا ارى ضرورة ان تتقدم مئة شخصية وطنية مستقلة حرة؛ من المشاركين ميدانيا بالانتفاضة ؛ وتتنادى لعقد لقاء وطني ميداني يصوغ مطالب الناس في برنامج مطلبي وطني ، ثم قيادة التحرك الشعبي وتنسيقه مع الشباب الميداني الثائر.
حتى لا يستثمر اطراف النظام ؛ كلهم او احدهم ؛ التحرك لأغراض خبيثة ؛ او امتصاص الغضب الشعبي ببعض التغييرات وإطالة عمر النظام الفاسد وأن تغيرت بعض الوجوه.. مدعوما من قوى النفوذ الاجنبي المتربصة بالشعب والوطن.