أحمد ماهر
كعادة عصابات المافيا عندما تنتهي مهمة العملاء فإنّهم يتخلصون منهم بتصفيتهم جسدياً، نعم لقد أنهى مهمته وحان دوره بالتصفية هو ورفاقه، فلقد نفّذهاعلى أكمل وجه، وذلك بزرعه للبذور الضارة في كلًّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن، فها هو العراق بات منقسماً على نفسه، ودخلت سورية في صراع دموي لاتلوح له نهاية في الأفق، وأصبح لبنان على مشارف إفلاس سياسي واجتماعي قبل الافلاس الاقتصادي والمالي، وتحوّل اليمن السعيد إلى يمنين حزينين.
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة لماذا الآن في هذ التوقيت؟ وبهذه الطريقة والأسلوب؟ ولماذا يعلن المنفذ عن نفسه وبكل صراحة دون وجل أو خوف؟ لقد شهد العراق ولبنان حراكاً شعبياً غير مسبوق توحدت فيه جميع الطوائف ضد الطبقات السياسيّة المتحكّمة بهم، وبالأخص العراقيون الشرفاء ومن الطائفة الشيعيّة بالتحديد الذين خرجوا من تحت العباءة الإيرانيّة، وباتت الطبقة السياسيّة الحاكمة التي زرعها الأمريكان بعد سقوط نظام صدام حسين على يدهم آن ذاك عام 2003 بتواطأ وتحريض من نظام الملالي في طهران بخطر شديد، فلا بد من اعادة البوصلة إلى الجهة التي يريدونها، فترامب المأزوم سياسياً في الداخل الأمريكي، وملالي طهران الذي بات مشروعهم في المنطقة بخطر حقيقي بعد أن بدأ رفقاء دعوتهم الخبيثة بالانفضاض من حولهم، فتلاقت بذلك مصالح الطرفين من جديد، ولابد من كبش فداء حتى لا يذهب ما قاموا على بنائه من عقودٍ مضت هباءً منثوراً، فكان رأس سليماني ورفاقه هو الثمن، لتنفذ الإدارة الأمريكيّة المهمة ولكي يظهر ترمب أمام معارضيه في الداخل الأمريكي قبل مؤيديه على أنّه المخلّص والبطل، ولكي يعاود ملالي طهران العزف من جديد على وتر المظلوميّة التي تبنوها من يوم مقتل سيدنا الحسين بن علي (رضي الله عنه)، ويعيدوا من حاول من أبناء الطائفة أن يغرّد خارج السرب إلى صفهم ضد ما يسمونه الاستكبار الأمريكي، وأما الروس الذين يريدون أن تكون لهم الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا، وأن لايكون لهم منازع فيها، فهم أيضاً ممّن استفادوا من هذا الحدث بشكل غير مباشر، فلطالما كان سليماني يشكل لهم العائق أمام هيمنتهم بشكل كامل على القرار في النظام السوري، فهو المتحكّم الأوّل بالمليشيات الطائفيّة على الأرض السوريّة التي باتت تشكّل منافساً لاتباعهم، فكان رأس سليماني ورفاقه هدية من ترامب لبوتين بداية السنة الميلاديّة الجديدة، وخاصةً أن هناك معلومات تتحدث عن وجود تعاون استخباراتي بين الروس والأمريكان ليلة تنفيذ العملية بعد خروج سليماني ورفاقه من مطار دمشق إلى مطار بغداد، أما أكبر المستفيدين من كل ما جرى وقد يجري فهي إسرائيل ونتنياهو المأزوم داخلياً هو الآخر، لقد قضى صديقه ترامب على قائد فيلق القدس وداعم المقاومة في جنوب لبنان وغزة المهددة لأمن إسرائيل، وأراح الشعب اليهودي من ذلك الإرهابي الذي أراد أن يمرّ على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وعلى جثث الأحرار فيها حتى يصل إلى تل أبيب ويحرّر القدس منهم، كما يدعي نظام الملالي في طهران.