عبد التركي
من مهازل القدر أن ترامب بعد أن اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعود مجدداً ليطرح حلاً للقضية الفلسطينية بما يسميه صفقة القرن وممنناً الشعب الفلسطيني بها وذلك بقوله:( إن الفلسطينيين سيحصلون على دولة مستقلة وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة لهم).
مضيفاً بأنه على العرب والمسلمين القبول بهذه الصفقة وعدم الخطأ برفضها ومحاربة إسرائيل كما فعلوا سابقاً وأضاف:(على العالم الإسلامي أن يصحح خطأ مهاجمة إسرائيل سنة 1948 م)
هذه الصفقة التي لا تراعي أدنى الحقوق للفلسطينيين وتعطي كثيراً من الإضافات لإسرائيل فهي تعطيها جميع المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية ناهيك عن اعترافها الأبدي بكون القدس عاصمة لها وتحاول إعطاء الدولة الفلسطينية التي يدّعي ترامب أنه يريد أن تقوم بعض الفُتات من أحياء القدس الشرقية لتكون عاصمة لها وهي خارج القدس كأبو ديس ولا يوجد لهذه الدولة أي سلطة على المقدسات التي ستكون إدارتها مشتركة بين إسرائيل والأردن كما أن هناك أشياء خطيرة على وجود العرب وهي قضية الترانسفير التي هي جزء من هذه الصفقة حيث تتخلى إسرائيل عن بعض المناطق ذات الغالبية العربية والتي يعتبر سكانها كمواطنين إسرائيليين لكي تصبح إسرائيل دولة يهودية خالصة وعلى الجميع القبول بهذا كما تتخلى إسرائيل عن بعض المناطق الهامشية والتي لا قيمة لها في صحراء النقب لتكون مع ما تبقى من الضفة وقطاع غزة دولة بمساحة لا تتجاوز العشرة بالمائة من مساحة فلسطين وبدون القدس دولة لا تملك حدوداً نهائية مقطعة الأوصال لم يعرف التاريخ والجغرافيا نموذجاً لها بالإضافة إلى أن هذه الدولة شكلية حيث لا تملك ما تدافع به عن نفسها وهي تحت حماية إسرائيل المحتلة. أي دولة هذه وأي مسخ يريده ترامب الذي يحاول تعويم نفسه وصديقه نتنياهو في دعاية سمجة للانتخابات في ظل ضعف عربي لم يعرفه التاريخ فبعض العرب معجبين بهذه الصفقة والبعض الآخر لايزال صامتاً ولكنه من تحت الطاولة يراعي شعور الأمريكان فقد حضر إطلاق هذه الصفقة سفراء الإمارات والبحرين وعمان وكانت الإمارات من أولى الدول المتحمسة لها عندما اعتبرتها خطوة جادة ورحبت بها كما صدر عنها (أن خطة السلام التي كشف عنها الرئيس الأميركي “نقطة انطلاق مهمة للعودة إلى طاولة المفاوضات” مؤكدة ترحيبها بهذه “المبادرة الجادة) في حين رفضتها الأردن وبوضوح على لسان ملكها بقوله 🙁 كلا واضحةً للجميع ) هكذا قال في العقبة دون مواربة وأكد وزير خارجية الأردن ،أيمن الصفدي الكلام قائلا:( إن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية هو مسار السلام الوحيد).
فيما بدا الموقف المصري غير واضح ومبهما في بيان وزارة الخارجية:( أعلنت الخارجية المصرية، عن تقديرها لجهود الإدارة الأميركية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، داعية الفلسطينيين والإسرائيليين إلى دراسة “صفقة القرن” التي أعلنتها واشنطن مساء الثلاثاء).
كذلك كان الموقف السعودي غير واضح ويُرى فيه الكثير من الغموض ففي الوقت الذي يتصل الملك السعودي برئيس السلطة محمود عباس مؤكداً وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء ودعمها لحقوقهم نرى بيان وزارة الخارجية متحفظاً (قالت المملكة، في بيان لوزارة الخارجية السعودية، إنها تقدر الجهود التي تقوم بها إدارة ترامب لتطوير خطة شاملة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، داعية إلى مفاوضات مباشرة للسلام بينهما برعاية أمريكية، ومعالجة أي خلافات حول أي من جوانب الخطة المطروحة من خلال المفاوضات).
أما الموقف التركي فكان صريحاً برفضه للصفقة في تصريح للرئيس التركي حيث يقول عن الصفقة:( بأنها “لن تخدم السلام ولن تجلب الحل). ثم يضيف (إنها لإضفاء الشرعية على إسرائيل وإنهاء حقوق الفلسطينيين).
وكانت مواقف الدول الأوربية وروسيا تدعو الجانبين إلى دراسة المبادرة والتعليق عليها ومحاولة الوصول إلى حل يضمن حقوق الشعبين.
فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لوكالات الأنباء الروسية “يجب الشروع بمفاوضات مباشرة للتوصل إلى تسوية مقبولة للطرفين. لا نعرف ما إذا كان المقترح الأميركي مقبولاً للطرفين أو لا. علينا أن ننتظر ردود فعل الأطراف المعنية”.
كما صرح وزير خارجية ألمانيا عن المبادرة (إن الحل “المقبول من الطرفين” هو وحده يمكن أن “يؤدي إلى سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين).
وأكد بيان الاتحاد الأوربي على حقوق الشعبين (إن الاتحاد الأوروبي يشدد على موقفه الثابت والموحد بشأن مقترح حل الدولتين والذي يأخذ بعين الاعتبار التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين).
وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة (أنه يتعهد بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين على التوصل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية والقانون الدولي والاتفاقات الثنائية ورؤية الدولتين بناء على حدود ما قبل عام 1967م).
أمام هذا الضعف الملموس في موقف الدول العربية الظاهر والوقوف على مسافة واحدة من الطرفين من قبل أغلب دول العالم وموقف الفلسطينيين الرافض للصفقة على لسان الرئيس محمود عباس :(إن الخطة “لن تمر وستذهب إلى مزبلة التاريخ كما ذهبت مشاريع التآمر في هذه المنطقة”) وأضاف عباس (“إن مخططات تصفية القضية الفلسطينية إلى فشل وزوال ولن تسقط حقاً ولن تنشئ التزاماً… سنعيد هذه الصفعة صفعات في المستقبل”) وأكمل (“أن القدس ليست للبيع، وكل حقوقنا ليست للبيع والمساومة”)، في رفض واضح لمقترح ترامب بأن القدس ستظل “عاصمة غير مقسمة لإسرائيل”.
كما هدد الرئيس الفلسطيني باتخاذ إجراءات لإنهاء دور السلطة معتبراً الخطة الأمريكية في مجملها تخدم إسرائيل. فيما أعلنت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة رفض الخطة مؤكدة (أنها ستسقط “هذه الصفقة).
أمام هذا الرفض وما يحاك في هذه الصفقة لفلسطين والمنطقة والوعود المعسولة التي يسوقها ترامب وقد سبقه بتسويقها مؤتمر البحرين وما يجري في المنطقة من تحولات في ظل هذا التدمير الممنهج الذي تتعرض له بعض الدول العربية في محاولة لإنهاء كل أحلام شعوبها بتواطؤ عربي ودولي تأتي هذه المحاولة لتصفية القضية الفلسطينية لتكرس سيطرة إسرائيل في أكبر عملية ترانسفير بادعاءات كاذبة للحل وتلاعب واضح على الحقوق الكاملة وإنهاء قضية اللاجئين وحقهم في العودة والتعويض بحجة تهجير بعض اليهود من الدول العربية ولذلك على هذه الدول قبول اللاجئين الفلسطينيين كمواطنين ونسيان حقوقهم كل هذا لم يكن ليتم لو أن الدول العربية ليست ضعيفة ولو أن مواقفها في السر والعلن واضحة أمام هذا لابد للفلسطينيين من اتخاذ قرارهم الذاتي والذي لا يعولون فيه على أحد من العرب وأقل ما يمكن اتخاذه هو ما تكلم عنه رئيسهم بإنهاء الدور الوظيفي للسلطة الوهمية التي لم يستفد منها الشعب الفلسطيني بل كانت وخلال الأعوام التي مرت فائدتها لإسرائيل حيث خلصتها من كل الأعباء المترتبة على دولة الاحتلال ومن كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والحقوقية فهل يقدم الفلسطينيون على حلها ويحملوا الاحتلال مسؤولياته وينهوا وهم ما يسمى بالسلطة لأن ما يجري الحديث عنه في الصفقة لا يمنحهم أي ميزة بل على العكس إن البقاء في دولة واحدة بشعبين هو ما تخشاه إسرائيل ومن وراءها لأنه يعيد إلى الواجهة ما يسمى بالسيطرة الديموغرافية في ظل التكاثر غير المتوازن بين الشعبين وخصوصاً بعد أن دق في إسرائيل ناقوس الخطر من العرب بعد حلول كتلتهم في المركز الثالث في الكنيست عندما توحدوا وخاضوا الانتخابات بقائمة واحدة فهل يفعلها الفلسطينيون ويعيدوا الكرة إلى الملعب الإسرائيلي والأمريكي بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل أوسلو لعلهم يرهقوا إسرائيل بانتفاضة حجارة جديدة.