سمير خراط
مازال فيروس الكورونا نشطًا في أغلب دول العالم مما أجبر المعنيين بالإنسان وحريته حتى مكانته بالمجتمعات بالبدء في إعادة التفكير بكل ما يصدر من قرارات وبروتوكولات قد تهدد تلك المكتسبات للإنسان، ولا يخفى على أحد كيف تصارع كبار مفكري وفلاسفة القرن التاسع عشر حتى تمكنوا من تثبيت حرية الانسان واستصدار قوانين تحمي تلك الحرية، منها الغاء العبودية واعطاء المرأة حق التصويت والمشاركة بقرارات مصيرية عبر جمعيات المجتمع المدني والحد من التهجم على مكانة الانسان بالمجتمعات.
واليوم فإن فيروس الكورونا يقود بعض القائمين على القرار ببعض الدول على اتخاذ قرارات فردية تحمي مواطنيها ومصالحها دون الأخذ بعين الاعتبار باقي الشعوب ودون التشارك مع دول الجوار , علما أنه هناك منظمة الصحة العالمية التي تعمل جاهدة في الوقت الحاضر للتنسيق بين الدول للوصول للدواء المناسب واللقاح المستقبلي , اليوم نحن بحاجة لمنظومة أو ميثاق كميثاق الامم المتحدة تلتزم به الدول وبقراراته لتكن تشاركية وليس فردية , دولة تمنع ودولة تسمح وهكذا , هذا الموضوع سيقود الى انهيارات اقتصادية لا محال ناهيك عن توقف العربة بحد ذاتها بسبب الحجر , نضيف الى ذلك احتكارات وعمليات قرصنه بامتياز للمستلزمات الوقائية او (الإنعاشية) مما أظهر أنانية لم يرها العالم خلال الأزمات العابرة عبر العقود السابقة وسقطت من جرائها الأقنعة عن البعض من الدول ضاربين عرض الحائط بروتوكولات ومفاهيم العلاقات الدولية .
سؤال يطرح بشدة اليوم , هل للاقتصاد أولوية على حياة الإنسان أم مازال الإنسان يتربع عرش الأولوية , لاحظنا القرارات التي تصدر كل يوم بهذا الشأن والتصرفات برفع الاسعار لسلع ومستلزمات صحية غير مبالين بحياة الانسان , الولايات المتحدة تدرس الغاء الحجر تحاشيا الانهيار الاقتصادي , ولكن ما هي النتائج حينها , تضاعف بعدد الاصابات وارتفاع بعدد الوفيات ولن يتوقف الموضوع عند هذا الحد لأن الانتشار بطريقة أو أخرى سيصل الى دول الجوار وتبدأ حينها نظرية الانتشار التضاعفي دون المقدرة على الوقوف بوجهها، هل هذا التفكير ينتمي الى ما سعى اليه مفكرو القرون السابقة بحماية الانسان وهل هذا التفكير هو على مستوى المسؤولية الدولية أم تفكير لا يخلو من الطمع المادي بامتياز , علما أن الاتحاد الأوربي يسير باتجاه اغلاق حدوده حتى ايلول القادم ( دخولاً وخروجاً ) وهو أيضا تقييد للحرية الفردية مقابل المصلحة العامة بلا شك وله نتائج اقتصادية وضعها الاتحاد مقابل حماية الفرد، ودول تقيم الامور بإنسانية ودول تقيمه كعنصر منتج لا أكثر وتحاول جاهدة تفسير ذلك كي لا يتم اعتباره تعدي على الحرية الفردية .
التطور العلمي والعالم الرقمي الذي بدأ يخيف الانسان من فقدانه الحرية الشخصية والخصوصية، صحيح هو علم وصحيح هو تطور وفيه فوائد عدة بمجالات عدة شريطة أن لا يستغل لمراقبة الفرد وتتبع تحركاته كما هو بنظام الهواتف الذكية والسماح باستعماله دون رقابة او منظومة تدير ذلك، وهل نسينا قرارات الولايات المتحدة في أحداث 11 ايلول واستخدامها قانون الطوارئ الذي تعمل به لليوم حتى بعد مرور عشرين عاما. هل سنرى قوانين بحجة الكورونا تهيمن على خصوصياتنا بحجة قمع الوباء وتتبع انتشاره، هل سنفقد الحرية الشخصية أمام المصلحة الاقتصادية، اسئلة عديدة باتت تطرح من قبل العديد من عامة الناس وما نخشاه هو المبالغة بالمسببات لتلك القوانين واستغلالها وبشكل خاص بالدول التي تتميز حكوماتها بالقمعية.
كلنا يتمنى الحياة السليمة والخالية من الامراض وكلنا يعتمد على العلم والعلماء بذلك وأغلبنا سلم أمره لحكومته باستصدار القرارات الحكيمة من أجل المصلحة العامة , اليوم نعيش مرحلة حاسمة بين الواقع الاقتصادي والواقع الصحي المستقبلي والفوري للمواطن وحريته الفردية , أين تكمن العقلانية بالقرارات , هل تترك لكل فرد اختصاصه أم يتوجب انشاء لجان تشاركية بالقرار على المستوى الوطني لتنتقل الى المستوى الدولي آخذين بعين الاعتبار الانسان وحريته الفردية الذي هو اساس التطور الذي نعيشه والدافع للعربة الاقتصادية ككل , الايام القادمة ستكشف الكثير من الحقائق وسنجد صدى المبادئ التي مازالت الكثير من الدول تنادي بها وتسير بعكس ما ترفعه كراية لها.