عمر كوش
برزت، في الآونة الأخيرة، معطيات سياسية وعسكرية جديدة في الملف السوري، طاولت مواقف المتدخلين الدوليين، وخصوصاً مواقف كل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل الحملة الروسية على نظام الأسد، والخلاف المتصاعد بين أجندة النظامين، الروسي والإيراني، في سورية، والتفاؤل الحذر الذي أبداه مسؤولون أميركيون عن وجود “مرونة روسية” باتجاه الحل السياسي، وكشفهم عن وجود تفاهمات معينة مع الروس، الأمر الذي يشي بسعي دولي إلى إبرام اتفاقات وصفقات حول البحث عن مخرج سياسي، في إطار توافقاتٍ على إحداث تغييرات في بنية النظام السوري، وخصوصاً مع ازدياد الضغط الأميركي والإسرائيلي على النظام الإيراني، لإنهاء وجوده العسكري المليشياوي في سورية، الذي يشكل عقبة كبرى أمام أي مخرج سياسي.
وإذا كان نظام الأسد يشكل العقبة الأساسية أمام أي حل سياسي، إلا أن الدور الإيراني في سورية يشكل السند الأساسي لهذا النظام باتجاه رفض الحلول السياسية، والسعي إلى التصعيد والحسم العسكري. لذلك تركز الإدارة الأميركية على ممارسة ضغط متزايد على النظام الإيراني، بغية تغيير مخططاته في سورية، وتقليص وجوده العسكري فيها، وثنيه عن فرض وقائع في الساحة السورية، يمكنها عرقلة أي تسويةٍ سياسية مقبلة. ويدخل في هذا الإطار تكرار وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مطالبة إيران بمغادرة سورية، وتنبيهه “جميع المتعاملين مع إيران على الحرص على ألّا يصبّ عملهم في مصلحة الحرس الثوري”. أما المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، فقد اعتبر أن “انسحاب إيران هدف أساسي” للإدارة الأميركية التي تضغط على “جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف”.
ويكتسي كلام جيفري أهمية، لكونه يلتقي مع ما قاله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال زيارته إسرائيل في 13 مايو/ أيار الجاري، حول التصدي لإيران وكيفية مواجهة سياساتها في المنطقة، إلا أن ذلك يتطلب إحداث تغييرات في سبل وآليات مواجهة الوجود الإيراني في سورية والمنطقة، ليس فقط من خلال دعم الإدارة الأميركية العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران في سورية، بل من خلال تشكيل تحالف بين قوى محلية قادرة على مواجهة المليشيات الإيرانية بدعم من القوى الدولية التي تريد إخراج إيران من سورية. وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا، بعد قناعة الساسة الأميركيين بضحالة الاستراتيجية الهجومية التي تنتهجها إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
قد يكون من المبالغ فيه الحديث عن تشكيل تحالف مباشر بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا من أجل مجابهة النفوذ الإيراني في سورية، وقطع الطريق الواصل بين طهران وبيروت في قسمه السوري، إلا أن تقارير عديدة رصدت اجتماعات ترعاها الولايات المتحدة، وجرت أخيراً بين قيادات من فصائل سورية معارضة في البادية السورية وقادة من “قوات سوريا الديمقراطية”، هدفها كيفية مواجهة القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها، وذلك بعد فشل الروس في إقناع الإيرانيين بسحب قواتهم من البادية السورية، وإحلال مليشيات موالية لروسيا محلها، مكونة من مسلحي العشائر و”المصالحات والتسويات” التي رعتها روسيا.
ويبدو أن مواصلة إسرائيل استهداف المواقع الإيرانية في سورية يكشف أن النظام الإيراني لا يريد الانسحاب، بل يقوم بمحاولات تمويه على عمليات إعادة انتشار قواته ومليشياته، من خلال القيام بانسحابات محدودة أو تبديل عناصر المليشيات بآخرين عبر العراق، ولا يرضى بأن تتولى روسيا ترويج انسحاب إيراني في البادية السورية تحت إشرافها.
وبعكس ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، عن نجاعة الهجمات الإسرائيلية، وأنهم انتقلوا من استهداف إيران إلى مرحلة إخراجها من سورية، وأن إيران قد بدأت بالفعل الانسحاب منها، فإن من الواضح أن الدور الأميركي في إسناد إسرائيل في مواجهة إيران لم يُفضِ إلى حصول تغير في صعيد موازين القوى داخل سورية، ولذلك تسعى كل من واشنطن وتل أبيب إلى إحداث تحوّل في استراتيجية مواجهة إيران في سورية من خلال محاولة دفع روسيا إلى أداء دور في هذه الاستراتيجية، الأمر الذي يفسّر الاتصال الذي أجراه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبيل سفر بومبيو إلى إسرائيل.
السؤال الذي يبرز في هذا السياق: هل يمكن إنهاء الوجود الإيراني في سورية؟ تتطلب الإجابة الإحاطة بمختلف خيوط هذا الوجود الذي لا يقتصر على المستويين العسكري والمليشياوي فقط، بل يمتد إلى التغلغل الإيراني في مختلف تفاصيل المجتمع السوري، بما فيها عمليات التغيير الديمغرافي ونسج شبكات علاقات اقتصادية ومذهبية، عمل نظام الملالي الإيراني على نسجها طوال سنوات عديدة.
وفي الجانب العسكري، لإيران قواعد عدة في سورية، موزعة ما بين البوكمال في الشرق، وصولاً إلى الوسط في قاعدة التي فور (T4)، إلى أقصى شرقها حيث تقيم قواعد عسكرية في البوكمال وحولها، وتضم مليشيات من حزب الله العراقي وحزب الله اللبناني، إضافة إلى قوات من الحرس الثوري الإيراني. كذلك تنتشر قوات إيرانية، وأخرى موالية لها، في محيط العاصمة دمشق بالقرب من بلدتي الكسوة والسيدة زينب، وفي مواقع عديدة، بدءاً من القلمون وصولاً إلى حلب، فضلاً عن وجود مليشياوي إيراني في مواقع مهمة في جنوب سورية.
وتراهن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على إمكانية إشراك روسيا في سعيهما إلى الضغط على إيران لإنهاء وجودها في سورية، انطلاقاً من فرضية وجود خلافات وتباينات بين مصالح وأهداف كل من روسيا وطهران، حيث يريد الساسة الروس استثمار ما صرفوه عسكرياً على المستوى السياسي، ويعتبرون التغلغل الإيراني في سورية عائقاً أمام مراهنتهم على تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، وبالتالي فإنهم معنيون بإنهاء الوجود الإيراني في سورية، كي لا يشكل منافساً لهم. ويدعم ذلك الصمت الروسي عن الغارات والهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على المواقع الإيرانية في سورية، إضافة إلى الحملة الروسية على نظام الأسد وردود أبواق النظام السوري عليها، ومهاجمتهم روسيا، الأمر الذي يرسل مؤشرات على حدوث تبدّل في موقف ساسة موسكو من النظام وحليفه الإيراني. لكن ساسة موسكو يريدون ثمناً أكبر لقاء ذلك، وبالتالي هل الإدارة الأميركية مستعدة لمقايضة ذلك؟ الأهم هو هل يمكن الرهان على دور روسي يلتقي مع المساعي الأميركية الهادفة إلى إنهاء أو تحجيم الوجود الإيراني في سورية؟
المصدر: العربي الجديد