دأبت السياسة الإيرانية عبر سنوات متوالية، من عمر ما سمي بثورة الشعوب في ايران، على متابعة فكرة ( تصدير الثورة ) التي اخترعها الخميني، والتي كانت منهجًا سياسيًا يراد عبره ومن خلال معطياته، الوصول إلى المبتغى الذي سبق وحلم به الإيرانيون منذ ذاك اليوم الذي انتصف فيه العرب من العجم، حيث بقيت مسألة الاعتداء على الجوار العربي، وتحطيم أحلامهم، وإعادة السطوة إلى الإمبراطورية الفارسية المزعومة سيدة الموقف في مخيال الفرس عامة، مهما تلونت أو تعددت أنواع السلطات الحاكمة، من صفويين، أو شاهنشاهيين، أو حكم الملالي الذي يتربع اليوم على عرش الدولة الفارسية في طهران وقم، ولقد استطاعت الدولة الإيرانية الحاكمة هذه الأيام، وبعد انهيار الدولة العراقية، إبان حرب الخليج، والاحتلال الأميركي البريطاني للعراق وبالتعاون مع حكم الملالي، وعبر اتفاقات من تحت الطاولة مع البريطانيين، وبموافقة أميركية. استطاعت التغلغل في العراق، وامتطاء المسألة الطائفية، وصولًا إلى نهب ثروات العراق، والهيمنة على السياسة العراقية، لأمد طويل.
ويبدو أن الاستراتيجيا الإيرانية لدولة الفقيه، كانت وعلى الدوام تنظر إلى سورية وبلاد الشام، كجغرافيا مهمة لطموحات الفرس عبر التاريخ، فجاءت الفرصة السانحة، بعد انطلاق الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، حيث وقفت ايران بكل ثقلها إلى جانب نظام الإجرام الأسدي، داعمة إياه بالمال والسلاح والعتاد، وكذلك بالجيش، والحرس الثوري الإيراني، وتشجيع حزب الله تارة، والميليشيا الطائفية العراقية، والباكستانية، والأفغانية، تارة أخرى، على الانخراط في الواقع السوري، انقاذًا للنظام السوري من الانهيار، والذي راح يترنح قبل السقوط ، لولا كل هذا الانهماك الدعموي الإيراني ومن ثم الروسي. ولقد دخلت الدولة الملالية في الوحل السورين، وكل ظنها أن المسألة لبضعة أيام وتنتهي القضية، ويعاد تأهيل بشار الأسد، على قدها ومقاسها، بعد أن أصبح دميةً بين أيدي الإيرانيين، لكنها لم تدرك بعد، أن ما قام به الشعب السوري، هو ثورة حقيقية كانت تعتمل في جوانية الواقع السوري، منذ حكم الأسد/ الأب، وجاءت ظروف الربيع العربي، لتساعد في انضاجها، ووضعها في نصابها، وإن المشروع الفارسي الطائفي الذي تعمل عليه إيران لن يتمكن من النجاح في سورية، حتى لو تخلت دول العالم قاطبة عن الوقوف إلى جانب الشعب السورية ضد الطغاة. وايران اليوم تعمل بكل ما تستطيع من قوة وإمكانات سياسية وعسكرية، من أجل التمكن والبقاء في سورية ولتحقيق الحلم الفارسي ذاك، وهي تفعل ما تفعله، على حساب الشعوب الإيرانية، وتستهلك من الخزينة الإيرانية المليارات، من أجل إنجاز هذا الانتصار الموهوم، لكن المسألة السورية أعقد من ذلك بكثير، وسوف تعاني إيران الكثير الكثير، قبل أن تخرج مدحورة من الجغرافيا السورية، وهي قد تتمكن لفترة ما( لن تكون طويلة) من الإمساك بالسياسة السورية مع وجود سلطة غاشمة سورية، مع بشار الأسد ومن معه، إلا أن المشروع الفارسي، سيكون مرفوضًا شعبيًا ، وإقليميًا، ولن يكون الأميركان في حالة رضى عنه، وعن التواجد الإيراني في سورية، ولا حتى الروس، الذين هم أيضًا، ومنذ فترة، لا يتفقون مع العديد من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية الإيرانية في سورية، وايران بالضرورة لا تتساوق مع البراغماتية الروسية، المصلحية التي تم توقيع اتفاقاتها مع النظام السوري لخمسين سنة قادمة، لذلك فإننا سوف نشهد في قادم الأيام، صراعات كبيرة بين السياسة الروسية والإيرانية، قد تتعداها إلى العسكرية في فترات مقبلة، كما أن التحالف الدولي يتابع ويراقب ما يجري من تحركات إيرانية داخل الأراضي السورية، وهو غير مرتاح لها، ويقابلها بين الفينة والأخرى، بضربة هنا، وضربة هناك، ولسوف تستمر هذه الضربات التي تأتي بمثابة تقليم الأظافر الإيرانية، بل كعمليات جراحية، تمنع أو تحد من انتشار المرض السرطاني الإيراني في سورية، خاصة عندما تتخطى إيران حدودها، أو تتجاوز الخطوط المسموحة، وسماء سورية مستباحة من قبل الأميركان وسواهم ، وكل التحركات الإيرانية تجري متابعتها، وبشكل حثيث، والطائرات الأميركية على أهبة الاستعداد لضرب أي حركة إيرانية، أو لحزب الله الإرهابي، تتخطى الحدود.
كذلك فإن الدولة التركية تنظر بحذر وتوجس إلى كل ما تفعله إيران في سورية، وهي لن تترك لها الساحة مفتوحة لتستفرد بها كما تريد أو تشاء، ولعل عملية غصن الزيتون التي تقودها تركيا، مع الحيش السوري الحر، تأتي في هذا السياق، و ايران تدرك ذلك، فهي لا تتحرك قيد أنملة، تجاه عمليات غصن الزيتون، بل هي من أقنع النظام السوري، بالجلوس في المقاعد الخلفية ليس إلا، وما إرسال النظام السوري بعض المليشيات التي سماها (شعبية)، إلا حفاظًا على بعض ماء الوجه، الذي لم يبق فيه ماء، وهو لن يحول دون استمرار عملية غصن الزيتون، التي تتحرك بسرعة واضحة نحو تحقيق غاياتها.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع الإيراني الفارسي للمنطقة ومنها سورية، قد أضحى مكشوفًا للجميع، ويدرك كل الإقليم، والدول الكبرى، مدى خطورته على الجميع، ومن ثم فان تقويضه بات ضرورة استراتيجية ملحة، ومن مصلحة الكل، متفقين أو مختلفين، ولن يكون بمقدور الإيرانيين الاستمرار أو البقاء طويلًا في سورية، أو اليمن أو لبنان، ولا حتى العراق، وخرجهم من الساحة السورية مسألة وقت، وتخضع للتفاعلات الدراماتيكية في المنطقة برمتها.