أحمد مظهر سعدو
في حياة الشعوب وضمن مسارات الواقع السوري الآني وحيواته المنبثقة من معاناة العسف والاستبداد الأسدي، وعبر خمسين سنة من القهر والطغيان، ثمة شخصيات وطنية سورية كانت ذات سمات قيمية ووطنية تتبدى في العمل الوطني. تتمايز وتختلف عن سواها ممن ارتضى لنفسه الذل والمهانة، وراح يبحث عن مصالحه الأنانية دون النظر إلى الناس ومستقبل الأوطان.
لعل الراحل الأستاذ منصور الأتاسي/ أبو مطيع كان من القلائل الذين آثروا هذا الطريق الصعب. طريق مقارعة الطاغية الأب ثم الابن/ الوريث، فانحاز إلى جموع الشعب السوري العظيم عندما تحرك بثورته أواسط آذار / مارس 2011. فكان سباقًا إلى التعبير عن مكنونات نفسه وانتمائه لحالة الانتفاض الكبرى التي تجاوزت كل الأحزاب وتخطتها، وتجاوزت جمودها ولا جدوى عملها السياسي. تلك الأحزاب التي عجزت أو تعاجزت عن إحداث أي تغيير في الواقع السوري، ومنها من استكان إلى حيثيات ذلك الواقع الاستبدادي، راضية لنفسها الصمت، غير آبهة بمصائر الوطن على يد الجلاد ودوره الوظيفي الذي باركته (أولبرايت) وزيرة خارجة الولايات المتحدة للوريث بشار الأسد، يوم نبت الفطر في الظلام. فكان فطرًا سامًا، كما شهدنا وما زلنا نشهد تبعاته ونتائجه الكارثية على مدى عشر سنوات خلت، من الكيماوي والبراميلي.
منصور الأتاسي رحمه الله انحاز إلى الفقراء، وانتمى للثورة، ثورة الحرية والكرامة، منذ اللحظات الأولى لانطلاقة هذه الثورة الشعبية. لم تثنه عن ذلك كل المغريات، ولا حالت دونه ودون الثورة الالتحاق بالثورة كل أنواع الاعتقالات والقمع الممنهج، ولا كل أنواع القهر والموت النازل فوق رؤوس البلاد والعباد، التي استخدمها نظام العصابة الأسدية، أمام صمت مطبق من العالم أجمع.
فكان ذاك الرجل الرجل الذي خرج من سورية، كي يعود إليها، بلا آل الأسد، وبدون هيمنة أفرع الأمن وممارسات الدولة الأمنية. وهو ممن كان يعمل بجد ومثابرة، ويُمنِّي النفس بعودة حقيقية، إلى الوطن السوري المخطوف من آل الأسد، بعد كنس هذه الطغمة الحاكمة، التي باعت الوطن والسيادة الوطنية للإيرانيين تارة، ولبوتين والروس تارة أخرى. ولم يكن ذلك بغريب عنه ونظامه الطائفي المجرم، وهو من ضمن أمن إسرائيل بعد حربه التحريكية. وبعد توقيع اتفاق فض الاشتباك عام 1974 حيث لم تشهد حدود (إسرائيل) فلسطين المحتلة، أي إطلاق نار منذ ذاك التاريخ وهو ما جعل إسرائيل تصر على بقائه رغم كل شيء.
لقد عَرفتُ منصور الأتاسي رجلًا وطنيًا نقيًا طيبًا وصادقًا قل مثيله، وكانت السياسة لديه لا تفترق ولا تبتعد عن جرها الأخلاقي، ولا تنسجم مع المراوغة أو المصالح الشخصية. عاش فقيرًا ورحل عن عالمنا كذلك. كان دمث الأخلاق يحمل سفوديه على عاتقه، والهدف أمامه واضحًا وضوح الشمس، لا مهادنة فيه، وهو إسقاط النظام الفاجر بكل رموزه ومرتكزاته.
لم يكن يتردد (أبو مطيع) عن دعم أي مبادرة تجمع ولا تفرق، تبني ولا تبدد. كما أنه كان يلبي أي صحفي سوري، بالمشاركة بأي استطلاع رأي، أو تحقيق صحفي، أو حوار معه. وصولًا إلى الحقيقة، وما يخدم الوطن والوطنية السورية. دون مواربة أو تحايل أو تردد. كان ذاك السياسي المعطاء اليقظ والمتابع، والمندمج في أتون ثورة الشعب السوري. بعيدًا عن التحجر والجمود والتقوقع الأيديولوجي.
ولعل مثل هؤلاء الرجال ما تحتاجهم سورية الحرة وثورتها المظفرة. لكن شاءت الأقدار أن يغادرنا منصور الأتاسي سريعًا وعلى عجل، لتبقى روحه بيننا، وقيمه ومبادئه يحملها رفاقه وأصدقاؤه. وكل من عرفه. وهو الشخصية الوطنية الجامعة التي لم تهن يومًا ولم تنحن، وهي التي عملت في مسارات وإدراك عقل جمعي وجامع، من أجل وطن حر وكريم، ضمن دولة المواطنة المبتغاة، وسيادة القانون والدستور، بلا استبداد، وبدون دكتاتوريات أو فاسدين، وفي أتون عمل وطني لوطن بمستقبل أفضل وأكثر إشراقًا.
المصدر: جريدة الرافد