أمين العاصي
تبذل شخصيات سورية معارضة مساعي لـ”تنشيط” ما يُسمّى بـ”منصة القاهرة”، والتي يُنظر إليها من قبل الشارع السوري المعارض على أنها من المنصات “المهادنة” التي تدور في فلك الرؤية الروسية للحلّ في سورية. إلا أن هناك معطيات تشير إلى أن انقسامات تعصف بهذه المنصة، التي تنخرط ضمن مكونات الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة.
وأعلنت “لجنة مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية”، في بيان، أن 25 شخصية، كانت قد شاركت في هذا المؤتمر الذي عقد منتصف العام 2015، عقدت اجتماعاً مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، بهدف “تنشيط حضور مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، وتعزيز جهود ممثلي المؤتمر الذين يشار إليهم باسم منصة القاهرة، في الهيئة العليا للمفاوضات وفي اللجنة الدستورية، وسط التحديات المحيطة بالسعي لتطبيق الحلّ السياسي في سورية”. كما هدف الاجتماع، وفق البيان، إلى “إعادة التواصل مع عدد من القوى السياسية والشخصيات التي انفكت عن المؤتمر”، مشيرة إلى أنها انتخبت “ثمانية أعضاء للقيام بهذه المهمة”، كما جرت “مراجعة وتقييم ما قام به ممثلون عن مؤتمر القاهرة من مهمات وجهود في الهيئة العليا للمفاوضات وفي اللجنة الدستورية”. وأكدت اللجنة “استقلالية القرار الوطني ووحدة سورية والشعب السوري”، و”استحالة الحلول العسكرية في سورية”، وتمسكها بـ”إشراف الأمم المتحدة على العملية التفاوضية وفق بيان جنيف لعام 2012 والقرار 2254 لعام 2015، وإدانة كل محاولات هيمنة قوى خارجية من أجل فرض أجندات تخدم مصالح هذه القوى لا مصالح سورية وشعبها”.
وشارك في الاجتماع عدد من الشخصيات السورية المعارضة، والتي يتصدر بعضها الواجهة السياسية والإعلامية، أبرزها: جمال سليمان، عارف دليلة، هيثم منّاع، فايز سارة، مروان حبش، محمد حبش، وخالد محاميد.
وفي معطى يؤكد انقسام هذه المنصة إلى تيارين، قال فراس الخالدي، منسق منصة القاهرة في هيئة التفاوض، وأحمد شبيب، عضو المنصة في الهيئة، في بيان تلقت “العربي الجديد” نسخة منه، أمس الأحد، إن الاجتماع الذي عقد منذ أيام “لا يمثل مؤتمر القاهرة، ولم تتم مناقشته على مستوى منصة القاهرة”، مشيرين إلى أنه “دُبّر في ليل والهدف منه ربما تجاوز بعض الاستحقاقات التنظيمية، ولحماية بعض الأشخاص ومآرب شخصية بحتة”. وجاء في البيان، أن “مؤتمر القاهرة يضم تيارات وأحزابا أساسية لا يمكن تجاهلها، ولا يستقيم أي اجتماع ولا يتخذ أي قرار من دونها”، متضمناً رفضاً لـ”حرف مسار منصة القاهرة عن المسار الوطني الواضح والشفاف والمستند إلى وثائق مؤتمر القاهرة”. كما أكد تمسك المنصة بـ”الموقف الوطني الذي يعبّر عن تطلعات الشعب السوري والانخراط مع شركائنا في هيئة التفاوض وجميع التيارات الوطنية السورية من أجل توحيد الجهود حتى تحقيق الحلّ السياسي المأمول”.
وتعد “منصة القاهرة” التي تتخذ من العاصمة المصرية مقراً ومركز نشاط سياسي لها، من المنصات السورية المعارضة التي دار عنها وحولها الكثير من الجدل، ويُنظر إليها باعتبارها من المنصات “المهادنة” التي من الممكن أن تقبل “الحلول الوسط” في تسوية سياسية ترعاها الأمم المتحدة. وكانت المنصة قد انضمت إلى الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة في العام 2017، بهدف تشكيل وفد تفاوضي واحد يمثل كلّ المنصات السياسية المعارضة للنظام.
ولا يمكن عزل محاولة “إعادة الروح” لـ”منصة القاهرة”، عن مجمل التطورات في المشهد السوري، ولا سيما لجهة الشروع في كتابة دستور جديد تدفع روسيا باتجاه إنجازه لإقامة انتخابات يكون رئيس النظام بشار الأسد جزءاً منها. وتشير معطيات سياسية إلى أن جهات إقليمية ودولية تحاول إعادة “هندسة” المعارضة السورية، من أجل تقليص الدور السياسي لـ”الائتلاف الوطني السوري”، الذي لا يزال يرفض أي حلول يكون الأسد وأركان حكمه جزءاً منها. ومن المتوقع أن تسعى هذه الجهات لعقد اجتماع موسع للمعارضة السورية خلال العام المقبل، إما في الرياض أو القاهرة، للخروج بجسم سياسي منافس لـ”الائتلاف”، في سياق محاولات تشتيت تمثيل المعارضة لإضعافها ودفعها للقبول بتسوية لن تحقق مطالب الثورة السورية، وأبرزها خروج الأسد من السلطة. ومن المرجح ضمّ “مجلس سورية الديمقراطي” والمعروف بـ”مسد”، وهو الجناح السياسي لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على جلّ شمال شرقي سورية، إلى الجسم الجديد.
وأكد الكاتب فايز سارة، وهو أحد المشاركين في جهود تنشيط “منصة القاهرة”، أن “هدف مؤتمر القاهرة عام 2015 لم يكن تشكيل جسم بديل لأي تشكيل سواء للائتلاف أو غيره”، مضيفاً: “هذا لم يتغير أو يتبدل، وليس لدى لجنة تعمل في سياق المؤتمر أن تبدله”. وأوضح سارة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “مؤتمر القاهرة 2015 ركّز على أمرين، أولهما الثوابت الأساسية في القضية السورية، وهذا ما تناولته وثيقة العهد الوطني التي هي تطوير لوثيقة أقرتها المعارضة السورية عام 2012، والأمر الثاني ما تضمنته وثيقة الحل السياسي، التي شرحت نظرة المشاركين في المؤتمر للموضوع، ورسمت طريق الحل استناداً لبيان جنيف 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة”. وتابع بالقول: “وثائق القاهرة وموضوعاته، لم تتعرض لتشكيل جسم سياسي، لذا لا أعلم على أي شيء تستند المزاعم والادعاءات حول أهداف مؤتمر القاهرة الذي كان المشاركون فيه قادة في أغلب تنظيمات المعارضة وتحالفاتها، من الائتلاف الوطني إلى هيئة التنسيق، إلى المجلس الوطني الكردي وتيار بناء الدولة وغيرهم، إضافة إلى عشرات الشخصيات الوطنية المستقلة من الاتجاهات المختلفة، وكلهم اجتمعوا تحت شعار المؤتمر، نحو خارطة طريق للحل السياسي التفاوضي من أجل سورية ديمقراطية”.
من جهته، أشار المحامي محمد صبرا الذي كان كبير المفاوضين في الهيئة العليا للمفاوضات، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “يجري الخلط بين هذه المنصة وبين مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية الذي عقد في العام 2012″، مضيفاً أن المنصة “ليست منبثقة من هذا المؤتمر الذي شاركت به أغلب التيارات السياسية في ذلك الوقت”. ومضى بالقول إن “منصة القاهرة متحركة، بمعنى أنها مجموعة أشخاص أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين اجتمعوا في عام 2015، ولولا مشاركة هيئة التنسيق الوطنية (مكون رئيسي من مكونات المعارضة) في هذا الاجتماع، لما كان له أي صدى”. وأشار إلى أنه “من حق هؤلاء الأفراد الاجتماع وطرح آرائهم، لكن ليس من حقهم الادعاء بتمثيل شرائح مجتمعية أو تيارات سياسية”، مضيفا: “حتى اللحظة لا نعرف من هم أعضاء منصة القاهرة بالضبط”. وتابع بالقول: “لو دققنا بالأسماء التي اجتمعت، منذ أيام، لوجدنا أنها جميعاً كانت في مكونات وتيارات أخرى، وبالتالي من المشروع جداً السؤال عن ماهية منصة القاهرة ومن يقف وراءها، ومدى ارتباطها بالأجندة الروسية في سورية”. وعن مآخذه على هذه المنصة، قال صبرا: “عدم الوضوح، وعدم معرفة من هم أفرادها، وارتباطهم الشديد بالأجندة الروسية وتنفيذهم لسياسات موسكو في الملف السوري”.
ووضع صبرا محاولات تنشيط هذه المنصة في “إطار محاولات روسية لتغيير قواعد الحل في سورية ونقل الحل إلى موضوع الانتخابات فقط”. وأضاف أن منصة القاهرة “نشأت قبيل صدور القرار 2254 ولم تجتمع منذ ذلك الحين، لذلك إن تنشيطها قد يكون مرتبطاً بتحرك روسي سنشهده في الأسابيع المقبلة، بعد تسلم إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمقاليد الأمور في واشنطن”. ورأى أن روسيا “تحتاج في تحركها في الملف السوري دوماً لأدوات سورية لتمرر رؤيتها، ولتقنع الأميركيين بأن ما تطرحه يحظى بقبول جزء من المعارضة”.
المصدر: العربي الجديد