ناصر السهلي
اعتبرت صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية، في تقرير موسع نشرته السبت، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيترك لخلفه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حقل ألغام في الشرق الأوسط.
وافتتح كبير مراسلي الصحيفة المختص بالشؤون العربية أندروس جيركو، تقريره بالقول: “ليس كل التهديدات والمخاطر المتروكة هي من أخطاء ترامب فقط، فالمنطقة التي تمزقها الصراعات، من المغرب في الغرب وإلى إيران شرقاً تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية الذاتية لغياب الاستقرار فيها”.
ورأت الصحيفة أن ترامب “كان سعيداً بتعطيل النظام الدولي الذي ساعدت أميركا في إنشائه قبل 70 سنة، وبايدن سيتسلم سلسلة من المشاكل الخطيرة بسبب سياسات ترامب، أو الافتقار إلى السياسة”.
الصحيفة ذكّرت بأن “جميع رؤساء البيت الأبيض واجهوا مصاعب في خلق اتساق في سياستهم الخارجية والأمنية، بيد أن أربع سنوات مع ترامب في الشرق الأوسط لا يمكن وصفها إلا بأنها كانت (غير متماسكة استراتيجياً)، بحسب كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك”.
ورأت الصحيفة أن ترامب خلق تحديات كثيرة أمام الرئيس المنتخب، جو بايدن، “وتتطلب تأمين حقل ألغام متفجر، وأوله، وأسهل الألغام المكتشفة يتعلق بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، الذي ساعد بايدن بنفسه في إبرامه”.
ورأت “بوليتيكن” أن ترامب خلّف فوضى في ما يخص فلسطين، ثم أضافت: “وعد ترامب زعيم اليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يمكنه الحصول على موافقة الولايات المتحدة لضم ثلث الضفة الغربية المحتلة، فيما في المقابل يرى بايدن أن ذلك يتعارض وإقامة دولة فلسطينية”.
من ناحية أخرى، قالت الصحيفة إن هناك “حالة فراغ وشبه انسحاب أميركي” لمصلحة روسيا وإيران في سورية، لافتة إلى أن “ترامب منح لروسيا وإيران زمام المبادرة في الحرب الأهلية السورية، فهما لم يحميا الديكتاتور السوري فحسب، بل سُمح أيضاً للدولتين بتأسيس موطئ قدم عسكري”.
وبخصوص الحرب في اليمن، ترى الصحيفة أن هذه الحرب تشكل تحدياً لبايدن، مشيرة إلى أن “إدارة ترامب أدارت ظهرها لحرب الإمارات والسعودية في اليمن، ويحضر بايدن مع رغبة لوقف الحرب في المجتمع الذي يعاني كارثة فقر”.
وينظر ترامب، بحسب “بوليتيكن”، إلى المسألة بشكل مختلف “فهو يرى أنه حقق إنجازات، لكنه فشل – مثل الرؤساء السابقين – في تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وحسب الصحيفة، فإنه “رغم إخفاقات ترامب، إلا أنه حاول خلق تطبيع تاريخي للعلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية: الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وأنه ساهم في إسقاط تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية والعراق، ونجح في منع إقحام الولايات المتحدة في صراعات عسكرية جديدة، واستعادة الجنود الأميركيين إلى بلدهم، ورغم ذلك يتفاخر بأنه قتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، قبل عام من الآن، باعتباره عملاً لوضع حد للتوسع الإيراني في الدول العربية”.
ماذا عن بايدن؟
وتحت هذا العنوان الفرعي، أكدت الصحيفة أنه “في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يدركون أن جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية والانقسامات الداخلية الأميركية ستتطلب اهتماماً وأولوية عند بايدن”.
واستدركت بأنه “يعرف العرب والإسرائيليون والإيرانيون أيضاً المواقف الراسخة للولايات المتحدة في منطقتهم، بغضّ النظر عن أسماء وأحزاب الرؤساء، وهي: حماية إسرائيل، والضغط على النظام الديني في إيران، وحماية الملكيات الغنية بالنفط في الخليج، وملاحقة الشبكات الإرهابية وإنقاذ حقوق الإنسان”.
ورغم ذلك، رأت أن “الأمور ليست بتلك السهولة لجو بايدن، فإيران تخصب اليورانيوم متجاوزة الاتفاق، وسلطة الملالي في طهران ماضية في طموحها بتطوير صواريخ طويلة المدى، ويتدخل الحرس الثوري أكثر فأكثر في النزاعات العربية، في العراق وسورية ولبنان وغيرها، وبعد خمس سنوات سينتهي كل الاتفاق النووي”.
وفي ما يخص عدم قدرة بايدن على إعادة الاتفاق النووي إلى سكته الصحيحة، ترى الصحيفة أن ذلك “سيؤدي إلى سباق تسلح نووي تشارك فيه السعودية، وإذا كان ترامب قد اتجه مع السعوديين والإسرائيليين نحو سياسة مواجهة مع طهران، فمن المشكوك فيه أن يكون لبايدن قدرة على تغيير ذلك، على الأقل برضى العرب والإسرائيليين في ما خص الاتفاق مع طهران”.
وتعتبر الصحيفة أن إيران في حاجة ماسة للتخلص من العقوبات الاقتصادية، “وهو ما قد يسمح لواشنطن بالعمل على الحد من نفوذ طهران في العراق وفرض اتفاق نووي جديد”.
تحديات مراجعة السياسة تجاه فلسطين
وحول تحديات بايدن في القضية الفلسطينية، رأت “بوليتيكن” أنه لا يمكن أحداً أن يترك الصراع مشتعلاً، مضيفة: “فعلى الأقل، وفقاً للباحثة في معهد بروكينغز للأبحاث، تمارا كوفمان ويتس، فإن الصراع يؤثر في استقرار المجتمعات العربية، وهو بمثابة وقود للجهاديين في المنطقة.
وأصدرت الباحثة مع اثنين آخرين تقريراً بعنوان “استراتيجية أميركية جديدة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي”، وفيه يقترحون أن يعمل بايدن على إصلاح الضرر الذي أحدثه ترامب، والعمل على كبح المستوطنات واستئناف دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة والتراجع عن مقاطعة ترامب لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وإعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة”.
التحديات في سورية
وبشأن سورية، جددت “بوليتيكن” التذكير بفشل سياسة الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه آنذاك جو بايدن في القضية السورية “فرغم تهديد أوباما للديكتاتور بشار الأسد بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، استمر الأسد في عصر ترامب بتلقي مساعدة روسيا وإيران لاستعادة معظم سورية.
وسيتعين على بايدن، الذي كان جزءاً من الفشل في سورية مراجعة هذا المسار، ورغم ذلك يصعب معرفة كيف سيتمكن من ذلك مع سحب ترامب لمعظم القوات الأميركية، وما بقي منها يساعد المليشيات الكردية، وبحسب ستيفن كوك، الأمر يتعلق بحماية النفط”.
ويؤكد ستيفن كوك أن زعيم البيت الأبيض الجديد لديه المنصة الأكثر أهمية في العالم لفرض صوت أخلاقي في السياسة الدولية، بدلاً من وصف ترامب للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بأنه (ديكتاتوره المفضل)”.
أسئلة التحديات
وتختم “بوليتيكن” بهذه الأسئلة بشأن خيارات بايدن: “هل سيواصل (بايدن) دعم الولايات المتحدة للأكراد أم سيتنازل عنها للأسد؟ وهل سيسمح لروسيا وإيران بالحصول على موطئ قدم دائم في سورية؟ وهل يريد استمرار أو تمديد العقوبات الأميركية ضد الأسد أم الإصرار على إحالة الديكتاتور على محكمة جرائم الحرب؟”.
المصدر: العربي الجديد