لم يكن يدور في خلد السوريين الذين صنعوا الجلاء، جلاء المحتل الفرنسي عن تراب سورية، أنهم سيعودون مرة أخرى إلى العمل على إنجاز استقلال حقيقي، غيبه ولفترة طويلة ذاك المحتل الأسدي بعد أن خطف الوطن وشعبه وبما فيه، إلى حيث لا وطنية سورية، ولا انتماء واضح إلى العروبة، ولا بناء حقيقي للوطن السوري الممتد.
وإذا كان الشعب السوري مازال يحتفي كل سنة وفي مثل هذا اليوم 17 نيسان/ ابريل بعيد الجلاء، ويقدر ويرفع من مكانة صانعي الجلاء الحقيقيين الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استقلال جدي وحقيقي، فإن هذا الشعب أيضًا مازال يناضل ويكافح ويقدم أرواح أبنائه الميامين على مذبح الحرية والتحرر والكرامة المفقودة كلية على يد جلاد ونازي العصر بشار الأسد ومن لف لفه، ممن آثروا مصالحهم الشخصية الأنانية على بناء الأوطان، حتى قال الكثير عنهم إن هذه العصابات لا يمكن أن تكون من الوطن السوري مطلقًا، وإلا لو كانوا كذلك لما طاوعتهم أنفسهم على قتل السوريين بالبراميل والصواريخ والكيماوي، ولما استمروا بالمقتلة ضد السوريين، التي فاقت بحجمها كل ما فعله المستعمر الفرنسي وسواه من المستعمرين بما لا يقاس أبدًا. حتى تجاوز عدد شهداء سورية على يد الطاغية الأسدي المليون شهيد، وفاقت أعداد المهجرين قسرًا ال 14 مليونًا، وفاقت نسبة تدمير البنية التحتية ال 65 بالمئة من مجمل العمارة السورية، وتجاوزت أعداد المعتقلين خلال عشر سنوات خلت ال 900 ألف معتقل ونيف. وأصبح أكثر من 90 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، جراء ما اقترفت أيدي النظام المجرم من أعمال يندى لها جبين الإنسانية، وبمعاونة المحتلين الآخرين الاتحاد الروسي، ودولة الملالي الإيرانية الفارسية.
ولقد سجلت ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر مؤخرًا أن النظام السوري ألقى في غضون تسع سنوات قرابة 82 ألف برميل متفجر تسببت في مقتل 11087 مدنيًا بينهم 1821 طفلًا، و1780 سيدة (أنثى بالغة) جراء استخدام هذا النظام لسلاح البراميل المتفجرة منذ تموز/يوليو 2012 حتى نيسان/ابريل 2021، وتشكل حصيلة الضحايا من الأطفال والسيدات قرابة 33 % من حصيلة الضحايا المدنيين مشيرة إلى أنه لا بدَّ من تطبيق قرار مجلس الأمن 2139 ومحاسبة مرتكبي عمليات القصف العشوائي والتدمير والتشريد القسري.
ولعل هذا التوثيق كان غيض من فيض مما قام به نظام الإجرام الأسدي خلال عشر سنوات مضت من ثورة السوريين على نظامه الفاجر، فأي استقلال وأي جلاء يحتفي به هذا النظام وهو من باع موانئ سورية للروس والإيرانيين، وقام بتجيير أهم ثروات سورية من الفوسفات، تارة للروس وأخرى للإيرانيين، ولسنوات طويلة قادمة، كما سمح بطوع إرادته برهن القرار السيادي السوري للدول المحتلة، حتى باتت روسيا وإيران هما من يتحكم في تنقلات ضباط الجيش والأمن التابعين افتراضًا للحكومة السورية، وتم نهب ثروات الوطن بقضها وقضيضها لصالح هذه الدول المحتلة، وكذلك شبيحة النظام الذين قاتلوا إلى جانب عصابة الأسد ومن والاه.
لم يعد الوطن السوري مع الأسد يمثل أي دولة استقلالية، ولم يعد هناك أي معنى لأية احتفالات بالاستقلال الوطني السوري، بعد أن ذهب الوطن بما فيه رهينة بالمجان للناهبين وقطاع الطرق ومن استقدمهم من كل بقاع الدنيا لحماية نظامه من الانهيار الكلي عام 2013، عندما وجه رسالة استجداء وتوسل للكرملين للتدخل وحماية نظامه الآيل للسقوط في حينها، وسارعت دولة الاتحاد الروسي إلى اقتناص الفرصة والعودة إلى المياه الدافئة أواخر أيلول / سبتمبر 2015، وقبلها جاءت إيران ذات المشروع الفارسي الطائفي لتحقق ما حلمت به طوال عقود خلت لبناء هلالها الامبراطوري الفارسي الطائفي الذي بات يهدد المنطقة العربية برمتها، إن لم يدرك ذلك العرب، ويسارعوا إلى بناء مشروعهم المواجه والقادر على لجم التمدد الفارسي وأطماعه وأخطاره على العرب قاطبة.
الاستقلال الحقيقي الذي ينشده السوريون اليوم هو كنس آل الأسد ومن والاهم، ومن جاء معهم، من روس وفرس ومليشيات طائفية لا علاقة لها بالوطن السوري، بل وكل الاحتلالات التي لا يريدها السوريون، وهم من عملوا يومًا بكل ما استطاعوا لامتلاك وطن حر مستقل بلا احتلالات أجنبية ولا طائفية، وبلا نهب لخيرات الوطن، وهم ما برحوا على أتم الاستعداد لتقديم التضحيات وصولًا إلى يوم الاستقلال الجدي والحقيقي الذي يحلم به السوري وما يزال. ومن ثم بناء الدولة الوطنية السورية المنتمية إلى أمتها العربية، وبعقد اجتماعي جمعي جديد يبني ولا يبدد، يقوم على دستور يتوافق عليه كل السوريون، ويساهم في إعادة اللحمة الوطنية إلى كل مفاصل وأنساق المجتمع السوري، بعد أن دمر بنيانه إجرام العصابة الطائفي، عبر خمسة عقود مضت من عمر الاحتلال الأسدي لسورية.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين