د- عبد الناصر سكرية
١ – أن تكون صحافيًا في زمن العولمة الرأسمالية الطاغية الغازية، وتحتفظ بإستقلاليتك الحركية وعقلك الحر وتفكيرك الأصيل، فأنت بلا شك متميز بأصالة باتت غير شائعة..أصالة باتت تعاني من ضغوط الإغراءات والسقوط في عتمة التضليل أو في غياهب التفكيك والغزو العقلي والفكري والثقافي..
ذلكم محمد خليفة وتلك بعض من أصالته التي تضيء جانبا من شخصيته واخلاقه من جهة كما من خطه الفكري وإنتمائه الوطني والقومي من جهة أخرى.
يكفي لإدراك معنى أصالة محمد خليفة وعمق مستواها كما شدة إنضباطه بما تقتضيه من مواقف ومسالك ، النظر إلى واقع الإعلام وأدواته ومؤسساته وما فيها من تجارة وإرتزاق وإنتهازية ونفاق ومن إرتهان لأصحاب الامر والنهي وسلاطين النفوذ والمال من كل جهة عربا وغير عرب..
وإذا عرفنا أن قوى الهيمنة الرأسمالية ذات الإمكانيات المرعبة صاحبة النظام العالمي الفاسد المتوحش : تعتمد الإعلام سلاحا نافذا فعالا لتحقيق أهدافها جملة وتفصيلا وفي كل مجال وتعمل في سبيل ذلك لعمل المستحيل لشراء الإعلاميين أو تسخيرهم أو قمع وتهميش وملاحقة المستقلين منهم الذين لا يستجيبون لضغوطها وإغراءاتها ؛ وإذا عرفنا أن قلة قليلة من الإعلاميين على مستوى العالم وليس فقط على المستوى العربي ، صمدت وظلت تحتفظ بإستقلالية رؤيتها وتفكيرها ومسارها …
وإذا عرفنا أن محمد خليفة واحد من تلك النخبة الطليعية المميزة الموهوبة التي تمسكت بإصرار على نهجها المستقل وعقلها السليم فكرها الملتزم المتوازن ؛
إذا عرفنا كل هذا ، لأدركنا أحد جوانب تميز محمد خليفة بل وعظمته كإعلامي بارز طليعي يحمل قضية الإنسان والشعب والأمة..
٢ – وحينما نتحدث عن محمد خليفة الإعلامي الحر الملتزم فإننا سنصل بسلاسة ويسر إلى محمد خليفة المثقف السياسي الوطني الملتزم..ليس ابو خالد إعلاميا حرا وكفى ؛ لكنه ذلك السوري الذي ما إنفك يقارع الإستبداد والقهر والظلم الذي يتحكم بسورية وحياتها منذ مطلع شبابه ..وعى ابو خالد مبكرا جدا حقيقة ذلك النظام الذي يهيمن على سورية ويمنع عنها كرامتها وسيادتها الوطنية ؛ فلم يتردد في سلوك الموقف الوطني الحر الذي يقتضيه واجب الوطن على الأحرار من أبنائه..سلك محمد خليفة مبكرا طريق العمل الوطني الملتزم دون اية حسابات شخصية او مصلحية كما دون اي تردد او وجل او خوف..وهكذا وجد نفسه في خضم النضال الوطني رغم المخاطر الأمنية الشديدة التي كانت تحيط به وتهدده في كل وقت..وهو الإنخراط الذي جعله يدفع ثمنا غاليا في سبيل القضية الوطنية فكان أن عاش منفيا بالقسر مغيبا عن وطنه وأهله وأرضه طيلة أربعين سنة ثم أن يدفن حتى في بلاد الغربة والمنفى…فأي نظام ساقط ذلك الذي لا يسمح حتى للأموات بالعودة إلى تربتهم يدفنون فيها..
٣ – وبعفوية الحس الوطني السليم القائم في أعماق الوعي بالتاريخ وحقائق الجغرافيا والإنتماء، إنخرط ابو خالد في صلب حركة قومية للتحرر العربي فكان عفويا وتلقائيا ينتمي إلى تيار ومدرسة جمال عبدالناصر ..مات جمال عبدالناصر وابو خالد شاب مقبل على الحياة فإذ به يكرس حياته ذهابا وإيابا للقضية القومية في سياق معارك عبدالناصر دفاعا عنها وفي سبيلها …وهكذا إنخرط منضلا صلبا في سياق الحركة القومية التحررية فيما هو يخوض معركة القضية الوطنية السورية ..
وإلى ان توفاه الله بقي أبو خالد ملتزما ذلك التكامل الإنصهاري بين قضية الوطنية وكل معارك الدفاع عن الوجود القومي وتحرر الأمة العربية وشعبها في كل أرجاء بلاده الواسعة…
فكان عربيا مناضلا عنيدا في كل ساحة عربية وكل ميدان ..عرفه أخوة له مناضلون وطنيون وقوميون وعرفوا عمق إلتزامه وإخلاصه وصدق إنتمائه إلى القضية ليس إلا…
٤ – وبوعي من إلتزامه الوطني – القومي المتكامل الأبعاد ؛ أدرك محمد خليفة معاني قضية فلسطين وأبعادها التحررية والأخلاقية والإنسانية أيضا..فكان فلسطينيا ملتزم وهو يكافح الإستبداد والقهر في سورية …
وكان فلسطينيا ملتزما وهو يخوض معارك الدفاع عن عروبة الجزائر وتونس واليمن والمغرب وموريتانيا..
لم يناضل بالقلم والكلمة فقط ؛ بل بالمواجهة والعمل الميداني في أكثر من مجال أو موقع..
كانت له قضية فلسطين ، كما لكل عربي حر قضية العرب الأولى وعنوان كل معاركهم التحررية فما إبتعد عنها وما بخل عنها بشيء من إمكانيات النضال والعطاء التي يملكها..
إستشهد ابو خالد ، وهو الكاتب المثقف الشاعر الملتزم ؛ فيما كان يعد لمهرجان عربي لشعر الثورة والمقاومة ليكون محركا يستنهض همما عربية دفاعا عن فلسطين وسورية والعراق ولبنان الذي أحبه واليمن وصولا حتى الصومال وأرتيريا والأحواز العربية..
٥ – تميز محمد خليفة الناصري بقيم ترسخت في وجدانه وفي سلوكه أيضا…مواقف أصيلة صادقة تمايز بها عن كثيرين من أقرانه ونظرائه الإعلاميين والسياسيين والحزبيين المنتمين أصلا إلى ذات مدرسته الفكرية والسياسية..
فلم يتخل يوما عن حرية فكره وإلتزامه فيما فعلها غيره من أتباع ذات مدرسته..فكان من الناصريين المتمتعين بوعي أصيل من جهة وسلوك أكثر اصالة من جهة ثانية فتفوق على كثيرين ممن أضعفتهم صعوبة المواجهة أو أؤلئك الذين أغرتهم المكاسب والمناصب فإنساقوا وراءها متخلين عن أصالة الموقف وصدق الإلتزام وإن بقيت شعاراتهم رنانة وعواطفهم جياشة وكلامهم منمقا..
لم يضعف محمد خليفة ولم يهن ولم يهادن ولم يترجل عن صهوة جواده كفارس عربي حر شجاع حتى آخر عمره…وفي هذا تفوق على كثيرين ممن عاصروه أو عايشوه….
٦ – تميز محمد خليفة القومي فلسطينا فأدرك بوعيه وأصالته معنى أن تكون فلسطين قضية العرب المركزية الأولى وكيف أن الصراع ضد العدوان الصهيوني هو دفاع عن ذات الأمة ووجودها وهويتها التاريخية الحضارية…فكان أن أدرك زيف كثير من الأدعياء الذين يتغطون بشعارات القضية دون اي مضمون ملتزم بمتطلباتها ، كما أؤلئك الذين يتاجرون بها فيما ينتهكون عرض هويتها العربية ويفتكون بوحدة مجتمعاتها العربية باسم الدين او المذهبية…ولهذا أدرك مبكرا خطر المشروع الإيراني – الفارسي على المجتمعات العربية وراح يكشف خطره وزيف إدعاءاته بخصوص فلسطين لا بل مساندته لأنظمة الإجرام المأجورة في سورية والعراق وغيرها..فكان إنتماؤه وعمله في المؤتمر الشعبي العربي مثال حي على إلتزامه ذاك..
فتمايز عن بعض أؤلئك القوميين الذين إلتبست الأمور على أذهانهم بفعل البلاهة أو التبعية أو التكسب..
٧ – تميز محمد خليفة بكونه يجمع صفة الكاتب الذي يمارس دور التوعية وبيان الحقيقة ، إلى صفة الإعلامي الذي يسخر قلمه ومعارفه جميعا للدفاع عن قضيته الوطنية – القومية وبيان الحق وتوضيحه ؛ ثم إلى صفة السياسي الذي يمارس دورا وطنيا واضحا متجاوزا كل أبعاد الشخصانية والذاتية الإنفرادية ليتفاعل مع الجماعة متعاونا دائما مع الجميع في سبيل هدف يخدم القضية..وكل عمله في سبيل قضية الشعب السوري يكرس نهجه التعاوني المبدع الخلاق..وما مشاركته الاساسية الفعالة في تأسيس ملتقى العروبيين السوريين وموقعه الإعلامي ثم الجبهة السورية للإنقاذ إلا دلائل حية على ذلك..وإذا أضفت إليه صفة المناضل الميداني الذي لا يمل ولا يهدأ ولا يتعب ولا يمل ، تجد نفسك أما قائد جماهيري متعدد الأبعاد لا يليق بنهجه إلا أن يكون مدرسة لتعليم قيم النضال الأصيل والعمل السياسي الحر ..
٨ – تميز محمد خليفة السبعيني عمرا والشباب همة وطموحا بذلك المحيا الباسم الجميل الذي يفرض عليك محبته بصدق مهما اختلفت معه في موقف سياسي أو أمر حركي…ستدرك منذ أول لقاء عبر موجات الأثير صوتا وصورة أنك تتحاور مع نفس بريئة صافية صادقة لا تعرف الخبث ولا النفاق ولا التزلف ..تثور إنفعالات عواطفه فترتسم ملامحها فورا على وجهه بشكل طفولي بريء لا يترك لك مجالا لتتردد في التودد اليه ومحبته..
كان هذا محمد خليفة الذي عرفته عبر ” الأون لاين ” مرارا وتكرارا بعد أن كنت تعرفت إليه بالسماع المروي و القراءة المحكية..
٩ – تميز محمد خليفة برفض الخضوع ومنافحة الإغراءات والترهيب والحصار بتلك الخاصية التي لا يتقن فنها إلا كبار الهمة عظماء النفس ..تلك الهجرة من بلد إلى آخر إمعانا في مجابهة التحديات ورفض الرضوخ أو المهادنة أو التراجع أو التوقف ..فما نال منه تعب ولا فت في عزيمته النضالية ترحال..فكان مهاجرا دائما في سبيل القضية وكدها وسلاحه كفاح حر ملتزم أينما يكون وفي كل موقع..ولكم تراخى كثيرون أمام مثل ظروف ” ابو خالد ” أو إنتباهم الهوان فوقعوا أسرى المصالح والضغط والإغراءات..
١٠ – أن يتحمل ابو خالد كل هذا القهر مستمسكا بقضية شعبه ووطنه وأمته فذاك من صنف القادة الذين يرسمون طريق المستقبل ويفتحون مناهج العزة والكرامة الوطنية ليكونوا مثلا عليا يقتديها من كان حرا من أبناء الوطن واجياله الصاعدة المتجددة…
ذلك محمد خليفة الذي ما قابلته وجها لوجه يوما..لكنني ألتقيته فكرا لفكر وعقلا لعقل ونهجا لنهج ؛ كل يوم وفي كل قضية وكل ميدان..
الف رحمة ونور على روحه الطيبة المكافحة..
وما على الوطنيين المخلصين لقضيتهم المتجاوزين لذاتياتهم وتحسساتهم الشخصية أو السياسية أو الشخصانية ؛ إلا الإرتقاء إلى مستوى جعل محمد خليفة مدرسة كفاحية نتعلم منها وتستفيد الأجيال وكل وطني حر …
استشهد محمد خليفة وحرقة التشتت الوطني تكويه فما ادخر جهدًا لتشكيل جسم وطني متماسك من كل المشارب…فليكن هذا هدفنا جميعًا وفاء للوطن اولاً وللقضية الوطنية ثم وفاءً لمحمد خليفة الذي مات ولكنه سيبقى روحًا نبراسا قضية وقيمًا.