عاصم عبد الرحمن
بعد تأكيد ونفي حصول جلسة حوار بين الرياض وطهران، ها هي جلسات الحوار السعودي – الإيراني تستمر فصولاً في رعاية عراقية وتحت إدارة الزعيم العراقي مصطفى الكاظمي الذي نجح بصياغة علاقات شخصية مع السعوديين والإيرانيين واستثمارها، راسماً بحنكته السياسية وخبرته الإستخباراتية توازناً مكتمل المعايير المصلحية القائمة على استعادة العراق دوره الريادي العربي بين أشقائه العرب والمسلمين. وأن يتولى رئيس الوزراء الشيعي العروبي إدارة دفة الحوار السني – الشيعي فتلك حكاية نجاح سيحصد ثمارها الزعاماتية في المقبل من أيام العراق السياسية.
فما الذي يريده الجاران اللدودان من هكذا حوار؟ وأين لبنان من أجندته التفاوضية؟
لا شكَّ في أنَّ هناك مصالح متبادلة دفعت كل من الرياض وطهران إلى وضع خلافاتهما واختلافاتهما جانباً والدخول في مشروع حوار تفاوضي قائم على جملة أهداف يريدها أحدهما من الآخر وبالتالي ترطيب سنوات العجاف السياسي بماء التواصل الدبلوماسي علَّ ذلك يزهر سلاماً سياسياً في الشرق الأوسط ويطفئ أي شعلة احتقان ديني فتنوي لطالما سعى إليه الكيان الصهيوني لتبرير وجوده العنصري في المنطقة.
إنَّ ما تريده السعودية من هذا الحوار هو:
1- في الدرجة القصوى إنهاء حرب اليمن التي استنزفت مليارات الدولارات مع ما خلفته من خسائر بشرية نتيجة الدمار والجوع، وهذا الحال المتردي وإن كان الحوثيون أحد أطرافه إلا أنَّ تداعياته السياسية تلقي بأوزارها على السعوديين الذين تولوا حل الأزمة اليمنية منذ بداياتها. هذا عدا عن تغيُّر الإدارة الأميركية التي أنهت دعمها للمملكة في هذه الحرب ما سيحتم قلب الموازين العسكرية لصالح الحوثيين الذين يتمتعون بكامل الدعم الإيراني.
2- عدم قبول السعودية في شكلٍ قاطع وجود ميليشيا مسلحة على حدودها بحجم جماعة الحوثي وما تتمتع به من قدرات عسكرية تغطيها السلطات الإيرانية.
3- الجلوس على مقاعد غنائم التسويات المقبلة نتيجة المفاوضات الأميركية – الإيرانية النووية، فعِوَضَ بقائك في موقع المتفرج لا بدَّ لك أن تكون شريكاً فاعلاً في واقع قيد التنفيذ، كذلك إرسال إشارة واضحة حيال استعداد السعودية للتعاون مع إدارة بايدن الباردة في التعامل مع الرياض.
أما ما تريده إيران من هذا الحوار فهو:
1-تعظيم الدور الشيعي ضمن المعادلات السياسية في بعض الدول العربية خصوصاً في اليمن والبحرين ولبنان، وهي تدرك تماماً أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا عبر بوابة التفاهم السعودي – الإيراني.
2- تشريع أبواب الحوار بين البلدين وما يمكن أن يعكسه من انفتاح على الصعد كافة بين الشعبين وتعزيز التقارب السني – الشيعي والذي تُترجم أولى فصوله في زيارات مكة المكرمة.
3- رغبة إيرانية واضحة في تخفيف القيود ورفع العقوبات ضمن تفاهم شبه شامل في الشرق الأوسط، ذلك أنها تعاني ترهلاً إقتصادياً قاتلاً على العكس من الرياض التي تتمتع بامتيازات إقتصادية متقدمة يجعلها قادرة على الصمود والمواجهة أمام طهران.
إذاً انطلقت سفينة التفاهم – التهدوي بين السعودية وإيران عبر المياه العراقية ولربما بوتيرة أسرع على الرغم من أنَّ الدبلوماسية السعودية تتسم بعدم الرغبة بالحلول الوسطى مقابل دبلوماسية إيرانية تقارب سياسة الذبح بالقطن، إلَّا أنَّ رياح المصالح الاستراتيجية الكبرى لِكِلَا البلدين ستعود لتبحر بما لا تشتهيه سفن التفاهمات الظرفية، فالأول لن ينسى عداء الثورة الإسلامية الإيرانية للأنظمة الملكية ما يعني حكماً بقاء نار التوسع تحت جليد الحوار، أما الثاني فله مشروعه الديني السياسي التوسعي والسعي لقيادة العالم الإسلامي من خلال تصدير الثورة عبر أذرعه المنتشرة في المنطقة العربية ولن ينسى العائق الذي تشكله رمزية الزعامة السعودية للعالم الإسلامي نظراً لوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة على أراضيها.
وبما أنَّ التفاهمات عادةً ما تكون تكتيكية لتمرير المشاريع الاستراتيجية في زمن الحروب الباردة ريثما تُعقد التسويات الكبرى، يبقى “حزب الله” الملف الأقوى بيد إيران، التي لن تأتي على ذكره في جلسات الحوار إلَّا من باب الذكرى التي لن تنفع المؤمنين اللبنانيين بضرورة تقدُّم سلاحه قائمة النقاشات التفاهمية، ذلك أنَّه يشكل حجراً أساسياً ستسعى طهران من خلاله إلى تضخيم شروط التفاوض على مستقبل المنطقة السياسي.
فهل يؤسس هذا الحوار – التفاهم لتسوية كبرى تنهي الحرب الباردة بين الرياض وطهران؟ أم أنَّه سيبقى في إطاره المصلحي الظرفي لتعود مياه الخلافات والإختلافات العَكِرة إلى مجاريها إثر انتفاء المصلحة الآنية ومعها تتجدد الأزمات السياسية في المنطقة؟
المصدر: النهار العربي