علي أبو مريحيل
قبل ساعات من دخول الصاروخ الصيني “لونغ مارش 5 بي” الغلاف الجوي للأرض، كانت التكهنات تزداد بشأن المكان الذي قد يسقط فيه، والآثار المترتبة على ذلك، خصوصاً إذا ما كانت المنطقة مأهولة بالسكان، ما قد ينذر بكارثة حقيقية. وإضافة إلى التخوّف من كارثة، فإنّ هذه الحادثة أعادت الحديث عن عسكرة الفضاء، وتحويله إلى ميدان جديد للصراع بين بكين وواشنطن، في ظلّ اعتبار وسائل إعلام صينية أنّ التهويل الذي رافق الحديث عن مصير حطام الصاروخ يأتي في إطار المناكفة السياسية، وأنّ الولايات المتحدة تستخدم الحادثة ذريعة لتسجيل النقاط. وكان مسؤولون أميركيون قد حذروا في وقت سابق من برامج وخطط الصين في الفضاء، بينما أكدت بكين أنّ برامجها الفضائية سلمية، وأنّ المحطة الفضائية التي تسعى إلى إنشائها بحلول عام 2022 ستكون مجالاً للتعاون الدولي على غرار محطة الفضاء الدولية.
وأطلقت الصين في 29 إبريل/ نيسان الماضي أول مكونات محطتها الفضائية “سي إس إس”، بواسطة صاروخ “لونغ مارش 5 بي”، وذلك في إطار خطّة حكومية طموحة تسعى إلى إنشاء محطة فضاء مأهولة بحلول عام 2022. لكن، بعد انفصال الوحدة الفضائية، حدث ما لم يكن متوقعاً، إذ بدأ الصاروخ الحامل بالدوران بصورة غير منتظمة، قبل أن يخرج تماماً عن نطاق السيطرة، مع انخفاضه تدريجياً، ما جعل من الصعب التنبؤ بالمكان الذي سيسقط فيه.
وتوقعت قيادة الفضاء الأميركية التي تتعقب مسار الصاروخ أن يدخل الغلاف الجوي للأرض نهاية الأسبوع الحالي، بينما وجّه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن انتقاداً مبطّناً إلى الصين، مشيراً إلى أنّه كان يجب على من يعمل في الفضاء أن يلتزم بالتخطيط المسبق والطرق الآمنة والمدروسة قبل تنفيذ العمليات.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، أول من أمس الجمعة، أنّ بلاده تتابع عن كثب عودة الصاروخ إلى الغلاف الجوي، مشيراً إلى أنّ معظم مكوناته ستحترق عند عودته، وأنّ احتمال أن تتسبّب هذه العملية بأضرار على الأرض ضعيف جداً. وأضاف وين بين، في تصريحات صحافية، أنّ مخلفات الصواريخ شائعة في مجال الفضاء، وأنّه لا داعي لكلّ هذا الذعر.
وحول خصائص الصاروخ الصيني ومدى قابليته للاحتراق قبل دخول الغلاف الجوي، أوضح الخبير الصيني في مجال الأقمار الصناعية، جيانغ وو، أنّ إدارة الفضاء الوطنية الصينية تأخذ بعين الاعتبار أثناء تصنيع الصواريخ إمكانية تحطمها، ويتم النظر بعناية إلى هذا الأمر نظراً للخطورة التي قد تترتب على أي خلل وارد. وأكد جيانغ وو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ صاروخ “لونغ مارش 5 بي” مصنوع من مواد خفيفة الوزن، ما يجعلها سهلة الاحتراق في الهواء بمجرد الانفصال عن الوحدة الفضائية. كما لفت إلى أنّ الوقود المستخدم في عملية الإطلاق صديق للبيئة، وبالتالي لن يتسبّب في أيّ تلوث في حال سقوط حطام الصاروخ في المياه الدولية.
وعن الضجة التي أثيرت حول خروج الصاروخ عن نطاق السيطرة، واحتمال أن يتسبب في أضرار بالغة، رأى الخبير الصيني في مجال الأقمار الصناعية أنّ “الغرب غالباً ما يركز على ما تفعله الصين وما لا تفعله، ومنه واشنطن التي تعتقد أنّ بكين تهدد تقدم تكنولوجيا الفضاء”. وفي هذا السياق، أشار إلى “بروز ما يسمى بالتهديد الصيني للفضاء أخيراً، وهو مصطلح ترعاه الولايات المتحدة وتتبناه قوى غربية يستفزها تطور الصين ونجاحاتها في مجال التكنولوجيا والفضاء” لافتاً إلى أنّ “مثل هذه الروايات مصيرها الفشل ولن تشكل عائقاً أمام التقدّم والتطور الصيني”. وشدّد جيانغ وو، على أنّ بلاده ملتزمة دائماً بالاستخدام السلمي للفضاء، وأنّها منفتحة على التعاون الدولي والتنسيق مع جميع الأطراف المعنية لبذل جهود مشتركة من أجل حماية أمن الفضاء واستخدامه بصورة سلمية لا تحمل تهديداً لأحد.
وعلى الرغم من تأكيد بكين الدائم سلمية برامجها الفضائية، فإنّ مسؤولين أميركيين حذروا مراراً من نوايا القيادة الصينية ورغبتها الجامحة في أن تصبح قوة فضائية عظمى خلال العقد المقبل قادرة على مضاهاة القوى العالمية. وأعادت الضجة التي أثيرت حول الصاروخ الصيني أخيراً الحديث عن عسكرة الفضاء إلى الواجهة، واعتباره ميداناً جديداً للصراع بين بكين وواشنطن، انطلاقاً من مقولة إنّ “من يملك الفضاء، يملك الأرض”. وكانت الإدارة الأميركية قد أنشأت قبل عامين وحدة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع تختص بحماية الأمن القومي الأميركي في الفضاء، وقد صرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في حينه أنّ قيادة الفضاء هي الحرب الأحدث من نوعها، وأنّ الوحدة الجديدة ستتولى مهمة الدفاع عن المصلحة الحيوية للولايات المتحدة، والتصدي للتهديد الذي تمثله الصين وروسيا.
وحول الاتهامات الأميركية، قال وانغ خه، الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية، إنّ واشنطن لا تتصرف بحسن نيّة عندما يتعلق الأمر بأمن الفضاء واستقراره، وعادة ما تلقي التهم جزافاً على الآخرين. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أنّ الصين تمتلك القدرة على المنافسة، وترى في الفضاء مجالاً لتعزيز قوتها الوطنية، لكنّ ذلك لا يعني أنّها تسعى إلى الهيمنة بعقلية الحرب الباردة المسيطرة على الولايات المتحدة. وعن كثافة الأنشطة الفضائية الصينية خلال العامين الماضيين، واعتبار الصين الدولة الأكثر إرسالاً للأقمار الصناعية خلال الفترة الحالية (نفذ برنامج الفضاء الصيني 39 رحلة فضائية في عام 2020)، رأى وانغ، أنّ ذلك “ليس مقياساً أو معياراً للقوة الفضائية” مشيراً إلى أنّ الصين ما زالت في المرتبة الثانية من ناحية الإنفاق على برامج الفضاء بميزانية تقدر بـ8.9 مليار دولار، بينما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بميزانية تقدر بـ48 مليار دولار.
وحول المخاوف الأميركية بشأن اعتزام بكين وموسكو إنشاء محطة فضائية مشتركة على سطح القمر، قال وانغ خه إنّه لا يرى أيّ مبرر للقلق، لأنّ الهدف من المشروع الثنائي تعزيز التعاون الدولي بين جميع البلدان المهتمة في مجال البحث العلمي، مؤكداً أنّ المشروع معدّ للأغراض السلمية، ولا علاقة له بأوهام واشنطن.
أياً كانت المبررات بشأن سلمية البرامج الفضائية، يبقى التحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة للدول الكبرى المتنافسة في الفضاء، مدى الوقوف على قدرات الخصوم السيبرانية، مثل أجهزة التشويش والتجسس والتكنولوجيا القادرة على تعطيل أنظمة الاتصالات، وهي تقنيات محاطة بسرية كبيرة بطبيعة الحال، ولا تتوفر عنها معلومات كافية، لكنّها موجودة وتشير بصورة أو بأخرى إلى أنّ سلسلة “حرب النجوم” ربما لن تعود في القريب العاجل محض خيال علمي، بل هي أقرب إلى الواقع من شاشة عرض جديد.
المصدر: العربي الجديد