فوزي السهلي
مما لا شك فيه أن المشروع الصهيوني في المنطقة قد دخل في دهاليز عاصفة نتيجة لتوجه رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو الاندفاعي الأحمق لتحقيق أكبر مكاسب عملية على الأرض تمكنه من الانتصار على خصومه السياسيين في حكومة الكيان الصهيوني خاصة بعد أن دفع الحكومة الأمريكية لنقل سفارتها إلى القدس الغربية والإعلان عن القدس كاملة عاصمة للكيان ودفع العديد من الدول العربية والإسلامية للدخول في عملية التطبيع مع هذا الكيان وإخضاع المنطقة لما سمي سياسياً بـ “صفقة القرن”. لكن سقوط الرئيس دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري في مواجهة الرئيس جون بايدن عن الحزب الديمقراطي وارتكابه لمجموعة من المخالفات الدستورية والقانونية قد أسس لهزيمته ووضع حليفه الكيان الصهيوني الذي عمل على استعجال مجمل الأحداث في المنطقة وتسريعها قبل نفاذ الوقت الرئاسي لحليفه التقليدي دونالد ترامب ظناً منه في مقدرته على امتصاص وهضم المكونات السياسية الناتجة التي عمل على بلورتها بأسرع فترة زمنية ممكنة من أجل احتواء العديد من المواقف في حقيبته بحيث يسهل عليه استخدام هذه المنتجات وتكريسها خدمة لمشروعه الشخصي في أي صيغة عمل سياسي في المنطقة تعمل على إبراز دوره ونفوذه داخل الكيان الصهيوني. فلقد فشلت العديد من المشاريع التي تم طرحها ولعل أهمها صفقة القرن التي سقطت سقوطاً مدوياً جعلت العديد من الدول العربية والإسلامية يبطئون التوجه في الدخول إلى مفرمة التطبيع وهكذا انكشف المشروع الصهيوني على حقيقته أمام المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي وباتت ملامح الفكر العنصري النازي الذي كان من المقرر فرضه على عموم المنطقة. حيث بدأ العمل على تنفيذ هذه البرامج العدوانية الاستفزازية الخبيثة لكنها لم تجد لها موضعاً على الأرض في فلسطين. فالكيان الصهيوني الذي يعيش حالة من التخبط السياسي ولعلها ليست المرة الأولى التي تبرز فيها هذه الحالة ولكنها الأبرز في مسيرة هذه الدولة التي نشأت طيلة سنوات وجوده ككيان عنصري فاشي بحيث كانت مقومات وجوده مقلوبة رأساً على عقب وتحمل في كيانه العديد من الأوجه القابلة للاختلاف على أساسها. فالمجتمعات الصهيونية غير متجانسة بحيث أنها مزيج غير متجانس من اللقطاء من شتى أصقاع العالم لا يجمعهم فكر أو ثقافة وعادات وقيم واحدة سوى أنهم يخضعون لدين واحد وهذا أيضاً مشكوك في مصداقيته. فالخريطة السياسية التي يقوم عليها هذا الكيان لها أكثر من بعد ولها أكثر من رؤية ولها أكثر من توجه، اعتماداً على النظرية الدينية التي يخضعون جميع مرتزقتهم لها فمنها، اليميني واليميني المتطرف والديني واليساري والعلماني والليبرالي ولعل حل الكنيست قد لعب دوراً بارزاً ومميزاً في تصاعد المشاكل الداخلية للكيان وظهورها على السطح بحيث أصبحت مرثية للقاصي والداني حيث حدثت العديد من التغييرات في التركيبات التنظيمية للأحزاب الصهيونية وذلك بسبب الانتخابات القسرية الأربعة التي حدثت خلال السنتين الأخيرتين وهذا تعبير واضح يعبر أن هناك أزمة حقيقية في قيادة الحكومة الصهيونية. ولعل التغييرات والتعديلات والانزياحات التي شهدتها الأحزاب الصهيونية هي تعبير يجسد هذه الأزمة التي يعيش على مفرداتها. وهذا يذكر بمصطلحين سياسيين كان قد تم تداولهما فيما سبق في سياق معادلة الصراع الفلسطيني – الصهيوني وهما معسكر الصقور ومعسكر الحمائم وذلك للتصنيف بين المعسكرين في طروحاتهما تجاه تسوية أي حرب قد تنشأ في المنطقة وفقاً لمناظيرهم. فغلاة المتطرف الصهيوني ودعاة التوسع العدواني السافر على الحقوق الفلسطينية والعربية كانوا هم معسكر الصقور في حين أن الذين يتماهون في توجهاتهم ويوحون بأنهم الأقل تطرفاً في نزعاتهم العدوانية فهم معسكر الحمائم وبما لا يدع مجالاً للشك فإن كلا المعسكرين لا تختلف توجهاتهما من حيث الجوهر. فالتقسيم بين الأحزاب الصهيونية إلى حمائم وصقور هو تقسيم نسبي، كان ولايزال، يخضع لسياسة التوسع والعدوان على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية من قبل هذا الكيان العنصري وليس هناك فروق جوهرية من حيث عدوانيتهما للمشروع الفلسطيني البديل عنهما ولا يتعدى هذا الاختلاف التكتيكي لتنفيذ سياسة هذا الكيان العنصري الغاصب في التوسع والعدوان فالصقور يدعون الى التعنت والتصلب ويعدونه ضمانة لأمن الكيان الصهيوني واستقراره واستراتيجيته.. في حين يعدُّ الحمائم ان موقفهم أكثر تأثيراً، ويخدم مصلحة الكيان دعائياُ وإعلامياً. فأحزاب الكيان الصهيوني مقسمة كما يلي:
1- حزب الليكود: (36) مقعداً ويرأسه بنيامين نتنياهو.
2- حزب العمال: (6) مقاعد ويرأسه أفي جباي.
3- حزب هناك مستقبل: (15) مقعداً ويرأسه يائير لبيد.
4 – حزب الصمود لإسرائيل: (14) مقعداً ويرأسه بيني جانتس.
5 – حزب تلم (5) مقاعد ويرأسه موشيه يعلون.
6- حزب شاس: (8) مقاعد ويرأسه أرييه درعي.
7- حزب يهودية التوراة المتحدة: (5) مقاعد ويرأسه يعكوف ليبتزمان.
8- حزب راية التوراة المضاءة: (3) مقاعد يرأسه موشيه غافني.
9- حزب حداش: (6) مقاعد ويرأسه أحمد الطيبي/أيمن عودة).
10- حزب إسرائيل بيتنا: (5) مقاعد ويرأسه: أفيغادور ليبرمان.
11- حزب ميرتس: (4) مقاعد ويرأسه تمار زاندنبرغ.
12- حزب كولانو: (4) مقاعد ويرأسه موشيه كحلون.
13- حزب القائمة العربية الموحدة: 4 مقاعد ويرأسه أسعد غانم/جمال زحالقة.
14- حزب الاتحاد اليميني: 5 مقاعد ويرأسه رافي بيرتس/بتسلايل سموتريش.
وواضح تماماً لأي مراقب خارجي أن الكيان الصهيوني يعاني أزمة حكومية لم يشهدها من قبل بحكم سيطرة بنيامين نتنياهو على مفاصل هذه الحكومة وسيطرته على رئيس الكنيست بولي أدلشتاين المنحل في وقت سابق من الآن حيث أعلن رئيسها استقالته. وهي أول مرة يحصل فيها هذا منذ تشكل الكيان الصهيوني، ولعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي يواجه ائتلافاً حكومياً في مواجهته خاصة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة بحيث لا يستطيع فك هذا الائتلاف في مواجهته وليس أمامه سوى الهروب نحو انتخابات برلمانية خامسة في عملية تجري لأول مرة في تاريخ إنشاء الكيان. فقد كان مقرراً توسيع المقدرة الاستيعابية للمستوطنات في القدس القديمة على حساب سكانها الأصليين وذلك عن طريق الإجلاء القسري للعديد من العائلات الفلسطينية التي تسكن هناك عنوة وبالقوة في العديد من الأحياء ومنها حي الشيخ جراح وبلدة سلوان وحي بطن الهوى في محاولات يائسة من قبل الكيان الصهيوني لانتزاعهم من أرضهم والذي يسعى دوماً على تنفيذ سياسة التطهير العرقي العنصرية الفاشية لصالح قطعان المستوطنين الذين يحاولون أن يحلوا مكان السكان الأصليين على أرض فلسطين وأن ما يجري في حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى وبلدة سلوان يظهر مخططات الكيان الصهيوني العدوانية في التهجير القسري للسكان من محيط القدس القديمة حيث أنه مخطط وفقاً لذلك تهجير نحو (135) عائلة من الأحياء السابقة وتشريد نحو (7000) فلسطيني كانوا يعيشون في منازلهم آمنيين.
من جهة أخرى واستكمالاً التطور الموقف الأمريكي فواضح تماماً بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك تمدداً للحزب الديمقراطي في أمريكا خاصة بعد ظهور اليسار الديمقراطي فيه وكشفه للعديد من القضايا الزائفة التي كانت تعتري العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني وعدم إنصاف الشعب الفلسطيني في سياق ذلك وهذا ما يؤكده خروج عشرات الآلاف في العديد من المدن الأمريكية للإعلان عن وقوفهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني ناهيك بالنفقات الخيالية التي تقدم مجاناً للكيان الصهيوني الذي يتضخم وينمو بشكل طفيلي على حساب المجتمع الأمريكي ولكن علينا ألا نضخم هذا التحسن في الموقف الأمريكي، فالأدوار التي يقوم فيها هذا الكيان ويفرضها كأمر واقع وفقاً لمصلحة مشروعه العنصري النازي على الحكومات الأمريكية المتعاقبة تظهر أهمية دوره كلاعب رئيس في المنطقة لا بل في العالم لصالح الحكومات الأمريكية. فحملة الاعتقالات غير المسبوقة على الشباب الفلسطيني داخل أراضي 1948 وداخل الضفة والقطاع التي طالت نحو(2000) شاب فلسطيني أتت في سياق حملة انتقامية من موقف الشعب الفلسطيني بعد الحرب مع غزة وانتصار الإرادة الفلسطينية في كل مكان وتوحد الشعب الفلسطيني في كل بقاع الارض لأول مرة في تاريخه، والأحداث التي حصلت في غزة وحي الشيخ جراح وسلوان وحيفا وعكا ويافا والناصرة والجليل واللد والرملة وبيت لحم وجنين ونابلس تشير الى ذلك بشكل قطعي غير مسبوق.
إن وحدة الشعب الفلسطيني أساس موضوعي في انتصاره على الرغم من الآلام والضحايا الجسام هنا أو هناك وعلينا أن نبقي الحروب مستعرة مع هذا الكيان الغاصب في حرب استنزاف طويلة الأجل حتى زواله السياسي.
المصدر: نينار برس