حسن مدن
أثار فضول العالم، خاصة في البلدان العربية والإسلامية، الاسم الذي اختارته كوبا للقاحها المضاد لفيروس «كوفيد – 19». «عبدالله» هو اسم اللقاح، ومع أن كل البشر عباد الله، لكن ذلك لم يمنع السؤال الذي ينم عن الكثير من الدهشة: من أخذ اسم عبدالله بالذات إلى كوبا؟ لماذا لم يكن اسم اللقاح خوسيه أو فيدل أو جيفارا مثلاً، أو أي اسم آخر حين يذكر تتجه الأنظار نحو كوبا لا نحو غيرها؟
الروس مثلاً كانوا موفقين جداً في اختيار اسم للقاحهم. اسم ليس بوسع أحد أن ينازعهم فيه، أو يتساءل ما هو البلد الذي أنتجه. «سبوتنيك» اسم ارتبط بالعصر الذهبي للحقبة السوفييتية، يوم نجح السوفييت في إطلاق رائد الفضاء يوري جاجارين في أول رحلة في العالم إلى الفضاء الخارجي بالمركبة التي حملت اسم «سبوتنيك».
لكن بشيء من التمحيص سنجد أن كوبا باختيارها اسم عبدالله حذت الحذو نفسه. استلت صفحة مضيئة لا من تاريخها الثقافي والأدبي فحسب، وإنما من تاريخها الوطني أيضاً، وجعلت من عنوان هذه الصفحة اسماً للقاحها.
الاسم مستوحى من مسرحية «عبدالله» للأديب والمناضل السياسي الكوبي خوسيه مارتي، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وهو شخصية يمجّدها الكوبيون، وما أكثر ما ورد اسمه في خطب فيدل كاسترو، ويجري تدريس نصوصه في المدارس، ويربى التلاميذ على القيم التي كافح من أجلها.
عُرف خوسيه مارتي بولعه الكبير بالثقافة العربية، وله عدة نصوص تظهر ما يكنّه من إعجاب لها، وعبدالله بطل المسرحية المقصودة هو اسم لشاب مصري من النوبة، ويلفت انتباهنا باسل أبو حمدة في مقالٍ له إلى كتاب «الشعوب العربية في حدقة خوسيه مارتي»، لمؤلف كوبي يعدّ، كما يقول أبو حمدة «أهم وثيقة تلقي الضوء على تعلق خوسيه مارتي بالعرب وحضارتهم وسعيه الدؤوب لمراكمة مزيد من المعارف حولهم».
لم يعش خوسيه مارتي طويلاً، فهو ولد في عام 1853 وتوفي في 1895، أي أنه مات عن اثنين وأربعين عاماً فقط، ولكنه خلّف تراثاً أدبياً ثرياً، ويمكن أن نفهم السر في ولع الرجل بالثقافة العربية حين نعلم أنه أقام لسنوات في إسبانيا ولفترتين، في واحدة منهما كان منفياً عن وطنه كوبا، وتقول سيرته إنه دأب، وهو في إسبانيا، على تعقب الآثار التي خلّفها العرب هناك.
تستحق كوبا الثناء ليس فقط لأنها اختارت عبدالله اسماً للقاحها، وإنما لأنها، وهي البلد المحاصر والممنوع من استيراد التقنيات المتطوّرة، نجحت في تطوير لقاح لا تقلّ فعاليته عن بقية اللقاحات، معتمدة على نفسها.
المصدر: الخليج