د- عبد الناصر سكرية
هل أصبح الشعار ” الأسدي” : “الأسد أو نحرق البلد” هو شعار السلطة اللبنانية ؟؟ أي كلام يقال في سفالة أطراف السلطة اللبنانية لا يفيها حقها. ربما ليس في اللغة العربية ما يعبر عن مستوى ما وصلت إليه من سفالة.
مع ذلك ما يزال السياسيون يلتقون ويصرحون ويتقابلون ويردون على بعضهم ويتناقشون وكأن الأمور عادية أو تكاد أن تكون كذلك..ليس جديدا ما يقومون به وما يمارسونه من عهر وفساد وصفاقة..الملفت أنهم لا يخشون أحدا أو شيئا ..يبدون وكأنهم مطمئنون إلى بقائهم في السلطة إلى الأبد..وإلى ديمومة مصالحهم..لا بل يظهرون أن بقاءهم في السلطة واستمرار مصالحهم محمية مصانة مضمونة ؛ مرهون بإستمرار الإنهيار الشامل في لبنان برمته..ليس في دولته ومؤسساتها الرسمية وأجهزتها بل في بنية المجتمع اللبناني ذاته بكل ما فيه من طاقات بشرية ومقدرة على الصمود والتحمل كما في استعداده للتضحية ورغبته في البقاء..
يتجلى كل هذا واضحا في نهج واضح ثابت متناغم لأطراف السلطة يستهدف تحقيق ذلك الإنهيار الشامل ..
ومن ضمن تقنيات ذلك النهج السلطوي افتعال مشاكسات كلامية بين هذا الطرف وذاك إمعانا في التضليل وإستحمار الناس وتمرير الوقت ريثما يتحقق الإنهيار الكامل الشامل المطلوب..
يتضح جليا أن هذا الهدف هو مطلب تلك السلطة وليست الأمور مجرد فشل أو عجز أو عدم توافق أو اختلافات على الحصص والمنافع..لقد تجاوزوا هذه المرحلة وبات مطلوبا منهم وعبرهم ومن خلال ألاعيبهم إيصال لبنان الى انهيار عام شامل يجعل الحياة فيه غير قادرة على البقاء مما يجبرها على الرحيل..رحيل البشر ومعهم الحياة ذاتها..
من العبث محاولة فهم ما يجري في لبنان هذا البلد الصغير المتاخم لفلسطين المحتلة ؛ بمعزل عما يجري في المنطقة العربية كلها لا سيما ما يتمحور حول أنشطة ومتطلبات العصر الصهيوني وسيادته العامة على الجميع..
ليس لبنان إلا جزءا متمما لبلاد الشام المشرقية العربية المحيطة بفلسطين ..يعني هذا أنه يدخل في نطاق دولة ” إسرائيل ” الكبرى التي يعمل النظام العالمي الصهيو – أمريكي على بلورتها رسميا وعلنيا..
انطلاقا من مجريات الأحداث في المنطقة العربية منذ بداية هذا القرن الواحد والعشرين؛ يمكن استنتاج ما هو مطلوب للبنان ومنه وفيه..
وهو ما تؤكده اتجاهات الحوادث في لبنان منذ عدة عقود وليس فقط العقدين الأخيرين..
ثمة وقائع كثيرة متعددة الجوانب تبين منهج النظام الدولي إياه في توجيه الأحداث وفق ما يرسمه للمنطقة ويريده منها..
لا بد من التأكيد على المؤكد الذي لم يعد يحتاج مناقشة او بيانات اكثر…المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة السلطة العليا في ترسيم وتوجيه ما يجري من أحداث في بلادنا..وهي التي تتحكم بمعظم الأدوات المحلية التي تبدو كلاعبين فاعلين فيما هم مجرد منفذين لتعليمات وتوجيهات وسياسات مرسومة من قبل الأسياد الكبار..
يمكن إجمال سمات الإستراتيجية الأميركية للمنطقة في بضعة بنود لعل أهمها ما يلي :
١ – إلغاء الدولة الإقليمية المسماة الدولة الوطنية واستبدالها بسلطة هجينة غريبة هي خليط من نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية المطبقة في لبنان منذ مئة سنة..مع تعديلات عليها تتضمن استلحاق عصبيات فئوية تحركها أحقاد شعوبية مدمرة ؛ لتشكل تحالفا من عنصريات متعددة المذاهب والمناصب والتوجهات والدوافع..وهي الصيغة التي تحمل في جوهرها وفي طياتها أسس صراعات محلية من كل نوع مقدر لها ان تستمر مئة عام مقبلة تضمن إبادة العنصر العربي وخصائصه وقدرته على الظهور والفعل مجددا..
وهو ما حصل في العراق ويجري إعداد ساحات سورية ولبنان وفلسطين لوضع مشابه..
٢ – تفكيك البنية المجتمعية إلى مكونات صغيرة هزيلة لا يجمعها رابط ولا توحدها هوية بل تتصارع في مصالحها الوجودية أو ولاءاتها الخارجية المتضاربة ..
يتضمن هذا تفكيك منظومة القيم الأخلاقية الحضارية التي تميز علاقات أبناء المنطقة وتجعل لهم سمات تضامنية حضارية تلم شملهم وتجمع قواهم في مواجهة تقلبات الظروف وغدر الأزمنة الحديثة..
٣ – إفقاد الحياة معناها الجوهري ومضمونها الإنساني وإلحاق الإنسان الفرد بتبعية ذاتية فردانية لا تستطيع التكامل مع الجماعة في إطارات عمل مشترك أو فعالية مجتمعية قادرة على صيانة المجتمع وقيمه الأخلاقية من السقوط..
يعني هذا إغراق الانسان الفرد – برغبته أو رغما عنه – في أتون البحث عن خلاص فردي على مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان..حتى لو لم يكن بدوافع عدوانية بل أقله بدوافع غريزية وجودية بحكم انهيار نظم الجماعة والتكيف المجتمعي المفروض فرضا على الجميع..بحيث لا يبقى امام الانسان إلا البحث عن خلاص فردي والنجاة بذاته ولو هلك الآخرون حيث لم يعد يملك اية امكانية لمساعدتهم أو الإنخراط في عمل جماعي توحيدي مشترك..
٤ – تهجير أكبر عدد ممكن من السكان من هذه البلاد المحيطة بفلسطين والقريبة منها..
إن عجز دولة الإسرائيلي المستعمر عن إستيعاب عدة ملايين من أبناء فلسطين العرب بعد مرور سبعة عقود يجعلها تخشى التوسع خوفا من فشل أكبر في استيعاب عشرات الملايين الآخرين في بلاد الطوق المرشحة للتسيد الصهيوني..
لذلك اشتركت جميع الأحداث في المنطقة بهذه الظاهرة والتي هي تهجير السكان وهذا يتطلب تدمير مدنهم وقراهم وإرغامهم على المغادرة خارج البلاد نهائيا …
وهو ما يفسر تدمير المدن التاريخية العربية في العراق وسورية وتهجير أهلها ويجري التحضير لما يشبه ذلك في طرابلس لبنان..
خلال العقدين المنصرمين تم تهجير ما يزيد على خمسة وعشرين مليون مواطن عربي من دول المشرق العربي..
وليس من قبيل المصادفة ان الغالبية الساحقة من المهجرين قسرًا هم من ” السنة ” العرب ثم من المسيحيين العرب..
وهناك من يقول أن هذا ما هو إلا ترجمة لتحالف صهيوني – فارسي يتبنى قاعدة دينية يختبىء خلف قناعها لتمرير أهدافه السياسية من خلالها…والمقصود العلاقات اليهودية – الصهيونية مع العصبية المذهبية ” الشيعية ” الصفوية..
٥ – تحويل الإنسان – المواطن إلى مجرد منفعل عاجز عن أي فعل يشبه عابر السبيل الذي ينتظر الإعاشة الشهرية أو التبرعات الخيرية..وهو ما يعني إفقاده كل سمات المواطن في وطن له من الحقوق ما يستوجب على دولته واجبات ويعطيه الحق في المطالبة والاعتراض والعمل للتغيير عند الضرورة ..
٦ – تفشيل أية رموز او شخصيات او قوى حرة شريفة وتشويهها وطمسها وإزاحتها من الصورة وصناعة شخصيات وأسماء تابعة مأجورة وتصعيدها إلى ذروة الأحداث وقلب الصورة لتكون نموذجا كريها عن هدف التغيير منفرا بالدعوة إليه طاردا للآمال بإمكانيات التغيير محرضا على اليأس والإنفكاك من اي عمل وطني حر بدافع اليأس على أقل تقدير أو عدم القناعة بجدواه وفعاليته..
لعل ذاك النظام الدولي يملك من الامكانيات ما يجعله قادرا على التحكم بأسماء كبيرة ونخب كثيرة تمكنه من التلاعب وإصطناع معارك هامشية أو وهمية وإدخال الجميع في متاهات صراعات موهومة ومصالح متضاربة ومناكفات عقيمة تضيع بها ومعها كل قضية جوهرية وطنية ..
جميع هذه السمات اصبحت واضحة ومشتركة في كل ما يجري في المنطقة العربية برعاية امريكية اساسية..
ابتداء من العراق ثم سورية ثم لبنان وعلى الطريق فلسطين..ومما لا يحتاج الى جدال ان كل هذا ما كان ممكنا أن يتحقق دون مشاركة فاعلة للسلطات المحلية في هذه البلدان فيما هو مرسوم ومطلوب..وطواعيتها التامة للتأقلم مع متطلبات تلك البنود – الثوابت الإستراتيجية..
وعلى الرغم من خصوصية شديدة للوضع الفلسطيني بسبب الإحتلال الصهيوني ؛ إلا أن تحضيرات مشابهة تجري وبدأت تأخذ منحى متسارعا يهدد بعواقب وخيمة..ولكن هذا لا يلغي أن السلطات الحالية في كل من العراق وسورية ولبنان وفلسطين هي محميات دولية ؛ أميركية تحديدا ..وبالتالي فإن تغييرها يحتاج إلى قوى شعبية منظمة متكاتفة ذات بعد ثقافي اجتماعي عميق واضح الرؤية موحد الاهداف..وبرنامجا للعمل موضوعيا يأخذ بالإعتبار الإمكانيات وما يمكن تحقيقه وما لا يمكن..
وطالما أن هذا غير متوفر – حتى الآن – ستبقى قوى وأدوات النفوذ الأجنبية التابعة للنظام العالمي إياه أو النابعة منه ؛ قادرة على استغلال اية تحركات شعبية وتجييرها او حرفها عن مطالبها الوطنية التغييرية المشروعة..
بالعودة إلى أوضاع لبنان والمرحلة الأخيرة من الإنهيار التي بلغها ؛ فإن ما يجري من تدهور لا يمكن لجمه وإن جزئيا أو مرحليا إلا بعمل عربي مشترك يجمع الأطراف العربية المتضررة من إنهيار لبنان ..وهي أطراف كثيرة وتملك إمكانيات مساعدته وحمايته..
وتبقى المهمة الاساسية برسم كل القوى والحركات الشعبية في كل تلك البلاد ؛ أن تتكامل وتتكاتف في جبهة واحدة وبرنامج عمل وطني موحد للدفاع عن الذات والوجود..فلينطلق أوسع حوار جدي تفاعلي تكاملي بين كل الوطنيين الشرفاء في كل المشرق العربي..
فهل يستطيع اللبنانيون بجهودهم الذاتية الخروج من هذه المحنة – المأساة سيما وأن أحزابهم التي كانت تسمى وطنية قد أصبحت جزءا من المشكلة وعبئا على العمل الوطني والمطالب الشعبية بسبب شخصانية قاتلة لدى رموزها وتبعية مصلحية لسياساتها ومواقفها..بعد أن صار واضحا أن شعار السلطة الحاكمة في لبنان لا سيما قوى العهد الحالي : العهد لنا وسنحرق بكم البلد. وما تزال الأحزاب ” الوطنية ” غائبة إن لم تكن متواطئة.