ساطع نور الدين
أخيراً، إعتذر الرئيس سعد الحريري، بلغة تراجيدية مفتعلة تختزلها عبارة “كان الله في عون لبنان”، وبأسلوب درامي مصطنع يختصرها تشكيل حكومي عرضه على الرئيس ميشال عون، وهو يعرف سلفاً أنه يرفضه.
تأخر الاعتذار ثلاثة أشهر. هو يبدو الآن وكأنه ثأر بمفعول رجعي. لو كان سعد مسيساً لكان أقدم على هذه الخطوة عندما سلمه الرئيس ميشال عون لائحة تشكيل وزاري مقترح، طالباً منه سد الفراغات بالاسماء اللازمة. عندها كان يمكن ان يقنع الرأي العام بأن المشكلة هي حصراً في القصر الرئاسي، الذي يخرق الدستور والعرف..والتقليد السابق حتى لإتفاق الطائف نفسه.
وعليه، يرجح أن يصبح الحريري شهيداً سياسياً حياً، لثلاثة أيام لا أكثر، تشهد تحركات شعبية معزولة في الشارع، وتكون بمثابة الوداع للرجل الذي لم يوفق في أي عمل سياسي قام به طوال السنوات ال16 الماضية.. بما في ذلك الاعتذار نفسه الذي ظل لأسابيع يلوح به حتى أفرغه من مضمونه، وحرمه ربما من فرصة تسمية خليفته.
يعرف الحريري جيدا أن البحث عن البديل، بدأ منذ أن شهر سيف الاعتذار. وقد حاول أن يشارك في الاختيار، أو يحتفظ لنفسه بهذا “الحق الميثاقي”. لكنه أدرك أن التوافق المستحيل بين الرئيسين عون وبري، سيظل مستحيلاً، حتى نهاية العهد.. إذا صمد البلد حتى ذلك الحين.
البحث عن بديل لن يقتصر على إسم جديد يسد فراغاً سهلاً، وينهي خللاً في تقاسم الحكم مع الرئيس عون، الذي يمكن ان يفرح بنصره السياسي على الحريري، لأيام معدودة أيضاً، لكنه سيجد نفسه مطالباً بنفي تهمة خرق الدستور والعرف..قبل ان يوقع على تشكيلة حكومية جديدة ترأسها شخصية سنية تحتاج منذ اللحظة الاولى الى ما يثبت شرعيتها ومصداقيتها ويبرر نيلها الثقة الشعبية والبرلمانية.
لن تكون أيام الغضب الشعبي على إعتذار الحريري، وأيام الفرح العوني بالتخلص منه، سوى هامش بسيط، وعابر، أمام الأزمة المعيشية المستعصية التي تحيل البلد الى خراب متراكم، لن ينتهي هذه المرة إلا بالقوة..بعد ان يصبح توفير مقومات الحياة اليومية للمواطنين متعذراً تماماً، وهو أمر مرجح عندما تتحول مافيات السلع والخدمات الأولية من حكومة ظل الى سلطة فعلية حاكمة.
من الآن فصاعداً ، يدخل لبنان واللبنانيون الباقون على أرضه في طور جديد من الأزمة ومن مسار البحث الشاق عن حلول مبتكرة لها، بعدما قدم إعتذار الحريري الدليل الاخير على أن كل ما جُرب حتى الآن لم يعد مجدياً. الانهيار تجاوز جميع الوسطاء العرب والاجانب، وأحبط مختلف المبادرات والافكار التي طرحت للتقريب بين المسؤولين اللبنانيين. لم يبق سوى الخيار بين التدخل الخارجي المستبعد، وبين الانقلاب العسكري المعقد.. برغم أن الشروط غير متوافرة، حتى الآن، لكلا الاحتمالين.
لن يتمكن مجلس الأمن الدولي من إتخاذ قرار بفرض الوصاية أو الانتداب على لبنان. حق النقض جاهز من أكثر من دولتين عضويين. فضلا عن أن بقية الاعضاء لن يكونوا متحمسين لمثل هذا الاجراء الاستثنائي، المستوحى من حقبة ما قبل تأسيس عصبة الامم. ولن يتمكن الجيش اللبناني من تسلم السلطة من دون إجماع في مجلس الأمن، يجسد تفاهماً إقليمياً وينعكس توافقاً داخلياً على إدارة البلد لفترة انتقالية مؤقتة.
لكن شريعة الغاب التي سترخي بالمزيد من ظلالها على لبنان، في المرحلة المقبلة، قد تكون كفيلة بدفع الضحايا اللبنانيين الذين يزداد عددهم يوماً بعد يوم، الى المساهمة بشكل أو بآخر في البحث عن مخرج، من خلال الاقدام على خطوات جماعية جريئة ينتظرها العالم أجمع بفارغ الصبر منذ ثورة 17 تشرين العام 2019 المهيضة.
المصدر: المدن