شربل أنطون
لماذا اكتسبت قمّة البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي والعاهل الأردني كل هذه الأهمّية مع أن الملك عبدالله الثاني كان دائماً أول زائر عربي للرؤساء الأميركيين؟
مناظرة قناة الحرّة عبر برنامج “عاصمة القرار” بحثت في تفاصيل ودلالات الزيارة الملكية لواشنطن مع بِن فيشمان، المسؤول السابق في البيت الأبيض خلال رئاسة باراك أوباما، والذي يشغل حالياً منصب كبير الباحثين في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”. ومع ماثيو برودسكي، كبير الباحثين في “معهد غولد للاستراتيجية الدولية”.
كما تضمنت الحلقة مداخلات من جيسن غرينبلات، مبعوث البيت الأبيض السابق للشرق الأوسط خلال رئاسة دونالد ترامب. وعُريب الرنتاوي، رئيس “مركز القدس للدراسات الاستراتيجية والسياسية” في عمّان، العاصمة الأردنية.
العاهل الأردني يستعيد مكانته في واشنطن
بتعابير مميزة، رحّبَ الرئيس الأميركي، جو بايدن، بملك الأردن”صديقنا الوفي والمحترم”، شاكراً الملك على “العلاقة الطويلة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة”. مضيفاً أمام الملك وولي عهده الشاب، الحسين بن عبد الله الثاني: “لقد كنت دائماً حاضراً من أجلنا، وسنكون دائماً حاضرين من أجل الأردن”.
وبرمزية كبيرة، رحبت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بالملك الأردني: “أميركا ممتنة للعلاقة مع الأردن. أشعر بفخر خاص لأنني عرفت والدك الملك حسين، وأعرفك شخصياً منذ ما قبل اعتلائك العرش”.
من جهته، يعتبر بِن فيشمان أن الملك عبدالله الثاني عاد إلى واشنطن بـ”الكثير من المجد في الإدارة والكونغرس بحزبيه”. مضيفاً أن هذه الزيارة ستثمر الكثير من المساعدات الأميركية للأردن، علماً أن الولايات المتحدة هي المساهم الأول في الاقتصاد الأردني.
فيما يلفت ماثيو برودسكي الانتباه إلى أن “دعم الأردن مستمر بشكل عابر للحزبية، رغم الاستقطاب السياسي الكبير بين الحزبين الأميركيين الديمقراطي والجمهوري”. وجيسن غرينبلات يعتبر أن الزيارة كانت ناجحة لأن الملك الأردني “حليف أساسي لواشنطن في المنطقة”. أما عريب الرنتاوي فقد وصف الزيارة بـ”الاستثنائية، من الاستقبال العابر للحزبين إلى النتائج”.
عودة الدفء بعد ترامب ونتانياهو
لماذا تعمد البيت الأبيض استقبال الملك عبدالله الثاني كأول زعيم عربي؟ وهل يعني ذلك أن الأردن هو الحليف العربي الأول لأميركا بعدما كانت الإمارات والسعودية بالنسبة لإدارة ترامب؟ يقول برودسكي إن أوباما ركّز على مصر، وبايدن يركز على الأردن، فيما كان لإدارة ترامب مقاربة مختلفة للشرق الأوسط، و”طريقة خاصة لصنع السلام عبر عدم تكرار أخطاء الماضي وفشله، ومن هنا برزت الخلافات في مقاربة الأمور” بين ترامب والأردن؛ لأنه “لو عمل ترامب حسب قواعد الأردن، كنّا سنعود إلى نفس عملية السلام التي فشلت في الماضي، ولن نتقدم إلى الأمام”.
وأضاف برودسكي أن ما نراه اليوم مع بايدن “مؤسف للغاية لأنه يضع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في صلب قضايا المنطقة ويربطه بها”. يقر غرينبلات بوجود “مواقف مختلفة تماماً بين إدارة ترامب والملك الأردني فيما يخص النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لكن ترامب لم يُهمّش الملك عبدالله الثاني، ولم يضغط عليه لتأييد اتفاقات إبراهيم، بل عملت إدارة ترامب مع الأردن، رغم عدم الاتفاق مع الملك على عدة نقاط، وهو خلاف طبيعي بين الحلفاء”، على حد تعبير مبعوث البيت الأبيض السابق للشرق الأوسط خلال رئاسة ترامب.
لكن فيشمان لا يؤيد توصيف غرينبلات، لا سيما لناحية التقليل من أهمية الخلافات بين ترامب والملك الأردني حول القدس حيث أن “الهوّية الهاشمية مرتبطة بالقدس؛ وهذه مشكلة وجودية بالنسبة للأردن”. وأضاف أنه كانت هناك أيضاً خلافات حول “عمليات ضمّ الأراضي الذي كان يريد بنيامين نتنياهو الاستمرار بها”.
من جهته، يقول الرنتاوي إن زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن جاءت كـ”استفتاء أميركي على مكانة الأردن كشريك أساسي للولايات المتحدة ، ولاعب أساسي في المنطقة، بعد أربع سنوات عجاف من العلاقات خلال رئاسة ترامب، الذيّ اعتمد نموذجاً يقوم على محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وعلى إدماج الخليج على حساب الدورين الأردني والمصري في المسألة الفلسطينية”.
ولا بدّ من التوقف هنا عند رأي مبعوث أميركي سابق للسلام في الشرق الأوسط، هو السفير مارتن إنديك، الذي يقول إن الملك عبدالله الثاني قد “نجا من الضغط الذي مارسه عليه ترامب ومحمد بن سلمان ونتانياهو”.
فيما يضيف ديفيد إغناتيوس في الـ “واشنطن بوست” أن ملك الأردن عبد الله الثاني أصبح مجددا الزعيم العربي المفضل في واشنطن؛ ويقول إن عبدالله الثاني “استعاد مكانته كأكثر الزعماء العرب قربا إلى واشنطن، بعد أن كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد أزاحه من موقعه” خلال فترة الرئيس ترامب. فهل بدأ بايدن تركيز سياسته الاقليمية بالاعتماد أولاً على محور الأردن – إسرائيل بعد أن أهمل ترامب الأردن لصالح بناء محور بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربية؟.
ماذا تريد واشنطن من الملك عبدالله الأردني؟
يؤكد فيشمان إن ما تشهده العلاقات الأميركية الأردنية حالياً، هو العودة إلى التقليد الأميركي المدعوم من الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي)، التقليد الذي يقضي باعتبار “الأردن الحليف الأوّل للولايات المتحدة في المنطقة”، وبالتالي إعطاء المملكة الأردنية الهاشمية “دوراً مركزياً” في السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.
فالأردن “شريك قوي من أجل السلام والاستقرار في المنطقة” على حدّ تعبير وزير الخارجيية الأميركي، أنتوني بلينكن، أثناء استقباله للملك عبدالله الثاني. فيما أكد جوي هود، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية، أن لدى الولايات المتحدة “مصالح مشتركة عديدة مع الأردن؛ ليس فقط في محاربة الإرهاب، والعناية بملايين اللاجئين من سوريا وغيرها، وتهدئة الوضع في العراق، ولكن أيضا تهيئة الظروف لحلّ حقيقي للدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
إلى ذلك، رحّبت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بالشراكة مع الأردن في “مكافحة تمويل الإرهاب في المنطقة”. فيما شدد السيناتور الجمهوري البارز جيم ريش على “الالتزام المشترك بدعم الاستقرار الإقليمي، ومواجهة أسباب اندلاع الصراعات، وضمان هزيمة دائمة لتنظيم داعش والجماعات المشابهة له”، لا سيما في ظل الصراع الدائر في سوريا والتصعيد الأخير بين إسرائيل وغزة. أما قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكنزي فقد وصف الأردن بأنه “ركيزة مهمة في الحفاظ على السلام وتعزيز الأمن في كل أنحاء المنطقة”.
القدس و”حلّ الدولتين” والعلاقات الأردنية الإسرائيلية
جدد بايدن أمام الملك الأردني “دعمه القوي لحل الدولتين كتسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، واحترامه لدور الأردن الخاص في الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
وعبر الرئيس الأميركي عن دعمه للحوار بين الأردن والحكومة الإسرائيلية الجديدة”. هذا ما يريده الأردن أيضاً . لكن بعض خبراء واشنطن البارزين يشككون في أن يقدّم بايدن”دعماً أكبر للفلسطينيين ومسار السلام؛ لأن ذلك ليس أولوية لدى واشنطن”، كما يقول بروس ريدل. ويوافقه آرون ديفيد ميلر الرأي، قائلاً: إن “أكثر ما يحتاجه الملك عبد الله هو ما لا يستطيع بايدن توفيره له، أي وجود سياسة جادة بشأن السلام الإسرائيلي الفلسطيني”.
لكن تجديد التزام واشنطن بحلّ الدولتين “سيطمئن قادة الأردن ويخفف العبء عن عمّان التي عارضت خطة ترامب للسلام مخافة أن تجعل من الأردن وطناً بديلا للفلسطينيين”، حسب تعبير نيكولاس هيراس ورشا العقيدي في موقع “معهد نيولاينز” في واشنطن.
من جهته، يقول غرينبلات إن موضوع “الأردن كوطن بديل ً للفلسطينيين لم يكن مطروحاً على طاولة البحث” أثناء عمله في إدارة ترامب.
ماذا عن الإصلاحات؟
هل يجب أن تكون المساعدات الأميركية للأردن مشروطة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية؟. هذا ما يراه برودسكي الذي يطالب إدارة بايدن بأن تضع “الاصلاحات كشرط عام” على الأردن للحصول على المساعدات الأميركية.
لكن فيشمان يُعارض هذه الفكرة، لأن واشنطن “تقف إلى جانب الأردن وتشجع الإصلاحات الداخلية فيه، لكن إدارة بايدن لن تضع شروطاً على مساعداتها لعمّان”.
في هذه المسألة، يؤكد الرنتاوي أن للأردن “مصلحة في القيام بإصلاحات وبترشيق اقتصاده والاعتماد على نفسه لا على المساعدات” الخارجية. فيما يعتقد هيراس والعقيدي أن “استقرار الأردن رهن بالقيام بإصلاحات داخلية”. ويشدد السفير مارتن إنديك على أن مساعدة بايدن للملك عبدالله الثاني “تسهِّل عليه التعامل مع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية” في الأردن.
أما مدير تحرير الـ “واشنطن بوست”، غلين كيسلر، فقد شدد على أن قمّة البيت الأبيض “أغفلت بشكل ملحوظ أي نقاش حول الديمقراطية، أو حول الاستبداد المتزايد للملك الأردني”.
فمن زيارة الملك الأردني إلى زيارة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى واشنطن، وزيارات غيرهم من القادة مستقبلاً؛ يسود هذا الاعتقاد لدى معظم خبراء السياسة الخارجية الأميركية: أن قيادة أميركية مدعومة باستراتيجية شاملة وتحالفات إقليمية، ستساهم في استقرار تلك “المنطقة الصعبة”؛ الشرق الأوسط.
المصدر: الحرة. نت