عبد الباسط حمودة
يراهن المسؤولون الإيرانيون على حاجة الولايات المتحدة للعودة سريعاً إلى الإتفاق باعتبارها أدركت أن إيران اقتربت من التوصل لإنتاج السلاح النووي، لذا يتشدد الجانب الإيراني في فرض الشروط ويطالب برفع كل العقوبات مع طلب ضمانات بأن أي تغيير مستقبلي في الإدارة الأميركية لن يؤدي للإنسحاب من الإتفاق، علماً أن شروط إيران على إدارة بايدن تعجيزية، ومن الصعب أن توافق عليها الولايات المتحدة ولو أنها ترى ضرورة للتوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني، وإن تسلم “رئيسي” منصبه في إيران أوائل هذا الشهر لم يشكل ضمانة لتقدم المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا حول الملف النووي، لأن النظام الإيراني يعتبر نفسه الأقوى في المفاوضات.
لقد سقطت صدقيّة الإدارات جميعاً في واشنطن وباريس ولندن وجنيف وبرلين ولاهاي لأنهم رعاة صفقات مُرعِبة تطيح بأدنى متطلبات العدالة الدولية للإفلات من العقاب وتصادق على استمرارية حكم استبدادي إجرامي فاسد تساعده ميليشيات طائفية في كلٍ من العراق وسورية ولبنان، لأنهم مهرولون لصفقة تحيي الإتفاق النووي مع طهران وقد قرّروا أن تكون بلداننا العربية مجرد ملاحق في حساباتهم الضائعة والخائبة، وتركوا بلداننا بين مخالب ما يسمى “الحرس الثوري” الإيراني والاستبداد المدعّم إسرائيلياً.
فضلاً عن سطحية روسيا والصين بعلاقاتهما مع إيران التوسعية والتغطية عليها وعلى سلوكياتها، علماً أنهما مُطالَبتين بالكف عن السطحية؛ فقد حان الوقت كي تنضج علاقاتهما مع شعوبنا وبلداننا العربية دون المصالح الآنية لأنظمة متواطئة معهم، فإن علاقاتهما مع إيران تسمح بالتأثير في السياسات الإيرانية التي تهدد المنطقة العربية وتدمّر سيادة أوطاننا وتقوّض امكاناتنا وتتحوّل كلٌ من روسيا والصين إلى شركاء في الجريمة ضد شعوبنا ودولنا، وإدارة بايدن عليها مسؤولية مميّزة، فهي القادرة أكثر من غيرها على التأثير في السلوك الإيراني الإقليمي.
لا مؤشر إلى أي نيّة لدى قيادات طهران بتغيير استراتيجيتها الإقليمية، فهي واضحة في ذلك، وإن الذين يرفضون قراءة السطور في الاستراتيجية الإيرانية- وليس بين السطور- هم الذين يورّطون العراق في مأزق، ولربما في مأساة لن تتوقف عند قضم سيادة العراق بعد قضم سيادة لبنان وسورية واليمن، لكن قد تمتد لتورّط دول آسيا الوسطى كلها وليس أفغانستان فقط، فمقابل كل ميليشيا طائفية إيرانية تولد معها ميليشيات “القاعدة” و”داعش” وأمثالها، فحذار يا صنّاع القرار في الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أن تتظاهروا بأنكم لا تسمعون ولا تقرأون ما تقوله لكم إيران.
ضمن هذه الأجواء السياسية الدولية كان طلب ملك الأردن من الرئيس الأميركي بايدن خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض السماح بتسهيلات وامتيازات خاصة على هامش قوانين وتعليمات (الحصار الأميركي) على النظام السوري تحت تلك البنود التي تسمح بها الشرعية الدولية وفي إطار جبر الضرر- كما أسماها- عن القطاعات الاقتصادية والتجارية الأردنية، وتمهيداً لخطوات إقليمية أخرى على الأرجح، مما يعني أن الأردن حصل على تفويض غربي وأميركي دولي يسمح له بالمضي قدماً في تطبيع علاقته التجارية والاقتصادية مع النظام السوري بعيداً عن قانون قيصر، الذي يحاصره، وبعيداً عن بقية تعليمات الإدارة الأميركية بخصوص الحصار وتضييق الخناق الاقتصادي عليه، فقبل الزيارة شدد ملك الأردن على أن الفرصة يجب أن تكون متاحة أمام الأشقاء! في سورية للعودة إلى الجامعة العربية، وقبل ذلك أشار إلى أن الاتصالات فعالة ونشطة بين القصر الملكي والقصر الجمهوري، وأنه على اتصال مباشر مع بشار أسد، وتلك الإشارات الأردنية تتم ترجمتها بعد ضوء أخضر أميركي وأوروبي سمح بإعادة فتح حدود “معبر جابر” الكبيرة والضخمة بين البلدين، والتي بقيت مغلقة بترتيبات مع الدول الكبرى ذاتها طوال الأعوام الماضية.
هذه الخطوة تقود في كل الأحوال إلى سياسة تطبيع تدريجية بين الأردن والنظام السوري، وقد بدأت من البوابة الأمنية والحدودية بشكل خاص، مما يفتح المجال أمام تكهنات بقطع مسافة إضافية في البعد السياسي مستقبلاً، خصوصاً أن ملك الأردن أعلن قبل زيارته إلى واشنطن بشكل غير رسمي بأنه سيتحدث مع الرئيس بايدن وأركان الإدارة في البيت الأبيض باسم زعماء المنطقة!، فيبدو أنه مفوض منهم “زعماء عرب وغير عرب”.
على وقع هذا الضوء الأخضر كان حصار درعا لأكثر من شهر- ومازال- من ميليشيا الأسد وجيشه الطائفي وميلشيا “الحرس الثوري” الإيراني الطائفية أيضاً، مما أدى إلى أن تشهد مدينة درعا وعدة مدن وقرى في المحافظة أحداث انتفاضة ثورية مدوية في وجه قوات نظام الشبيحة، ولتستعيد “مهد الثورة” تأكيدها من جديد على هشاشة النظام السوري وقواته الميليشياوية العسكرية والأمنية، وتدحض أكذوبة “النصر” التي يحاول النظام تسويقها داخلياً وخارجياً، علماً أن الشعب السوري يعيش تحت احتلالات أخطرها على الإطلاق هو الإحتلال الأسدي؛ إن ذلك يعتبر أساس الموقف لرؤية مستقبل سورية.
المصدر: إشراق