آمال شحادة
في ذروة النقاش الإسرائيلي لمسارين متوازيين بشأن الملف الإيراني، وهما مدى قدرة إسرائيل على خوض حرب مع إيران واستهداف منشآتها النووية بالطرق الاستخبارية أو الحربية، والنقاش بشأن صحة الموقف الإسرائيلي من اقتراب طهران من صناعة القنبلة النووية، صادقت الحكومة الإسرائيلية، في جلسة خاصة للمجلس الوزاري الأمني المصغر على تخصيص ميزانية بقيمة خمسة مليارات شيكل يتم تحويلها خلال ميزانية العامين 2021 و2022 (مليار ونصف المليار دولار) لتجهيز الجيش وبناء قدرة عسكرية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
وستخصص إسرائيل في المرحلة الأولى من صرف الميزانية مبلغاً غير قليل لضمان تزويد سلاح الجو بالمعدات الضرورية وتدريبه على أخطر سيناريوهات مواجهة المنشآت النووية. وسيتم تخصيص ميزانية للاستخبارات العسكرية لضمان أدق وأحدث المعلومات قبل توجيه العملية وضمان قاعدة بيانات استخباراتية واسعة وبنك أهداف.
وبمصادقتها على هذه الميزانية تتبنى الحكومة، عملياً، موقف رئيس الأركان أفيف كوخافي، الذي حذر من التأخير في الرد على الجهود الإيرانية، بل تحدث عن ثلاث خطط عسكرية من أجل إحباط مشروع إيران النووي.
وفي أعقاب المصادقة على الميزانية، عقدت أجهزة الأمن اجتماعات عدة شارك في بعضها رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ليعد تقريراً عن الوضع تجاه إيران لعرضه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى لقائهما المتوقع نهاية الأسبوع.
وبحسب ما تناقل المراسلون العسكريون في العديد من وسائل الإعلام العبرية، هناك قلق لدى ممثلي المؤسسة الأمنية الذين شاركوا بينيت في إعداد التقرير من أن إيران تماطل، وتستغل الوقت لتراكم الصعوبات أمام استئناف المحادثات حول الاتفاق النووي في فيينا، ما أدى إلى وصول عملية التفاوض إلى مأزق، بل إن الجهود الدبلوماسية المبذولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي تراوح مكانها.
المنشآت النووية والتموضع الحدودي
لقد دمج بينيت بين ما تسميه إسرائيل الجهود الإيرانية لبناء قنبلة نووية والهيمنة في المنطقة عبر اتساع تموضعها في سوريا وحق إسرائيل في الرد في أي مكان وزمان على أي تهديد لأمنها، وما تعده إسرائيل لبناء القدرة العسكرية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وثمة تحذيرات إسرائيلية من أن أي هجوم على المنشآت الإيرانية سينقل الصراع إلى المنطقة الحدودية مع سوريا، عبر رد إيران على أي عملية من أقرب نقطة حدودية لإسرائيل، وفي هذه الحالة سوريا أو لبنان.
ففي جلسة المجلس الوزاري الأمني المصغر، التي تمت فيها المصادقة على ميزانية الاستعداد على سيناريو حرب على إيران، اعتبر بينيت إيران أكثر الجهات خطراً على إسرائيل، معلناً أنه سيحرص خلال لقائه مع بوتين على الحفاظ على حرية إسرائيل في العمل في سوريا، وذلك في أعقاب تحذيرات من استخدام هذه المنطقة قاعدة لإيران في ردها على أي هجوم على منشآتها النووية.
الميزانية الجديدة تستكمل مخطط نتنياهو
ما تناوله وزراء الحكومة الإسرائيلية لدى بحثهم الملف النووي كان استمراراً لمناقشة ما سبق وأقره الرئيس السابق، بنيامين نتنياهو، واستعرضه أفيف كوخافي خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
فقد سبق أن صادقت حكومة نتنياهو على ميزانية للخطط التي أُعدت لمواجهة المشروع النووي الإيراني، وتعهدت الحكومة الحالية برئاسة بينيت بإضافة مبالغ كبيرة من أجل سد فجوات تتعلق بالجهوزية في أقرب وقت.
وجاءت المصادقة على الميزانية العسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية في أعقاب زيارات لبينيت ووزير الخارجية يائير لبيد ومسؤولين إسرائيليين إلى واشنطن وعودتهم بخيبة أمل في ضوء “السياسة السلبية لواشنطن”، كما سماها الإسرائيليون في مسألة النووي، وترقب أن تتخذ واشنطن خطوات أكثر حدة تجاه إيران.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن إيران تبذل جهوداً كبيرة منذ انتخاب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، ليس في التسارع للوصول إلى قنبلة نووية فحسب، إنما في إقامة العلاقات مع عدد من الدول في الشرق الأوسط، وهذا بحد ذاته يشكل قلقاً لإسرائيل.
وبحسب أحد التقارير الإسرائيلية تحظى إيران بثقة متزايدة في الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يقلق الإسرائيليين، وقد طُرح في سبتمبر (أيلول) الماضي بين جهات إسرائيلية وأميركية، وأوضح الإسرائيليون أن هناك حاجة إلى دعم أميركي وضمان نفوذ للولايات المتحدة للتوازن مع الجهود الإيرانية لجذب قسم من الدول. والتقدير هو أن واشنطن ستحاول مساعدة إسرائيل وحلفاء آخرين لها في المنطقة، ولكنها ستطلب ربط ذلك بتقدم ما في كل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.
فجوة بين تل أبيب وواشنطن
ويخلص تقرير إسرائيلي آخر إلى أن إيران سرعت أعمال تخصيب اليورانيوم، و”إن كان التقدير السائد في إسرائيل والغرب هو أن الأمر لا يتم من أجل التقدم نحو السلاح النووي، بل لتحقيق ذخائر أخرى يمكنها أن تتاجر بها كي تتوصل إلى اتفاق محسن مع الأميركيين”. ويشير التقرير الإسرائيلي إلى أن الفجوة بين تل أبيب وواشنطن بقيت واسعة في ما يتعلق بالاستنتاجات والخطوات التي تنشأ عن ذلك، مضيفاً “في إسرائيل كانوا معنيين بأن تحدد الولايات المتحدة موعداً نهائياً للإيرانيين كي توقف التسويف في الاتصالات وفي نهايته تهديد واضح: عقوبات شديدة بل حتى تهديد بعمل عسكري. لكن الأميركيين أوضحوا أن الإمكانية الثانية ليست على جدول الأعمال في المرحلة الحالية، وحتى الأيام الماضية كان يبدو أن حتى الإمكانية الأولى لن تتخذ إلا مخرجاً أخيراً”.
وكنتيجة لذلك، جاء في التقرير، سادت في إسرائيل خيبة أمل شديدة وأعرب أمنيون عن قلقهم من أن “السياسة السلبية” لواشنطن، وفق تعبيرهم، تستغلها إيران حتى النهاية لتحقيق تقدم كبير في مشروعها النووي.
مع ذلك، نقلت إلى إسرائيل في الآونة الأخيرة رسائل جديدة يمكن أن يُفهم منها أن الصبر في واشنطن تجاه التسويف الإيراني يوشك على النفاد، وأنه إذا لم يكن تقدم سريع سيتخذ الأميركيون سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية الجديدة ضد إيران.
في هذه الأثناء، ووفق مسؤول أمني إسرائيلي، تبذل الجهود الإسرائيلية لضمان أقصى تنسيق مع الولايات المتحدة في أعقاب حقيقة أن إسرائيل بقيت مع خيارات عمل قليلة جداً في اليد. والواضح لدى متخذي القرار في تل أبيب، من سياسيين وأمنيين، أن العودة إلى الاتفاق النووي “ستمنح إسرائيل الزمن لتستغله لبذل جهود دبلوماسية وتسريع الاستعدادات العسكرية كي تبعد إيران عن القنبلة في المستقبل”.
وإزاء هذا الوضع، وعلى خلفية الأبحاث الإسرائيلية والتقديرات لوضع إيران في مقابل “السياسة السلبية” الأميركية، أسرعت حكومة بينيت في المصادقة على ميزانية عسكرية للجهوزية والاستعداد لتنفيذ عملية ضد المشروع النووي الإيراني.
المصدر: اندبندنت عربية