معقل زهور عدي
ليست مشكلة اللاجئين والمغتربين السوريين بالبساطة التي تنظر إليها دوائر النظام ، بل وبعض المحسوبين على المعارضة أيضا .
فالبعض يعتقد أن من خرج من سورية سيذوب في البلاد التي هاجر إليها ويصبح مع الزمن جزءا منها ونقطة أول السطر .
أي أنه في الطريق ليفقد سوريته مهما كانت الأسباب التي دفعته للهجرة .
بالتالي فالأزمة السورية اليوم تخص من بقي في سورية سواء في معيشتهم أو في علاقتهم مع النظام , أما ما يقال عن معارضة في الخارج فهو حديث عن ” عملة بدون رصيد ” .
يقول السيد لؤي حسين : ” لم يعد يوجد أي أزمة سياسية في سوريا تحتاج حل. فلا وجود لأطراف مختلفة حتى ينشأ بينهم صراع، فجميع المناطق التي تحكمها السلطة السورية هي مناطق خالية من أي مظاهر تعارض بشار الأسد ونظام حكمه، والأزمات الموجودة في تلك المناطق في أغلبها أزمات معيشية.
أقول ذلك جواباً لأسئلة البعض عن ما هو الحل، ومتى يكون الحل، وهل يمكن أن يوجد حل. فأصحاب هذه الأسئلة والتساؤلات لا ينتبهون إلى أنه لم يعد يوجد صراع بين النظام وبين معارضيه، أو على الأقل لم تعد توجد ميادين صراع. فالفيسبوك ليس ميداناً للصراع، والاجتماعات والندوات في وسائل التواصل الاجتماعي ليست ميدان صراع. ميدان الصراع الوحيد هو اللجنة الدستورية، وهذا ميدان غير طبيعي، بل هو ميدان مصطنع. فما لم تدعي روسيا إلى اجتماعات اللجنة في جنيف فلا أهمية لكل ما يقال بهذا الخصوص “
من الواضح أن السيد لؤي حسين قد أسقط تماما مشكلة اللاجئين والمغتربين اغترابا قسريا . فهم بكل بساطة أصبحوا خارج المعادلة .
ويؤكد السيد حسين لاحقا رؤيته المبتورة للمشكلة : ” الآن لدينا أربع مناطق سورية (منطقة النظام والنصرة والأكراد والمنطقة الشمالية الواقعة تحت الإدارة التركية المباشرة) تختلف حاجياتها ومشاكلها وأزماتها عن بعض. وحتى إذا وجدت في جميع هذه المناطق أزمة ما مثل الأزمة المعيشية فهي ليست أزمة مشتركة، ولا حلولها مشتركة.
وهذه المناطق يمكن أن تبقى على حالها عشرات السنين لأنها ليس بحاجة لبعضها البعض طالما أنها ترتبط براعٍ دولي”
مثل تلك الرؤية في تشخيص الحالة السورية سوف تصطدم لاحقا بحقيقة أن مشكلة اللاجئين والمغتربين كبيرة وعميقة إلى حد يصبح معه إهمالها نوعا من العمى وليس قصر النظر فقط .
فلدينا سوريين لاجئين ومغتربين خارج سورية ربما يقارب عددهم عدد السوريين الباقين في سورية , ففي تركيا هناك 3.5 مليون لاجىء مسجل في سجلات الأمم المتحدة , وعدد يقارب المليون من السوريين غير المسجلين الذين نزحوا من سورية مع أموالهم طلبا للأمن والسلامة , وهناك مايقرب من 750000 لاجىء مسجل في سجلات الأمم المتحدة في الأردن وعدد لايقل عن 250000 لاجىء غير مسجل في سجلات الأمم المتحدة يعمل في مختلف المهن .
وفي لبنان لايقل العدد عن مليون لاجىء , وفي مصر يقترب من 350000 لاجىء وفي أوربة حوالي مليون وربع المليون , وفي الخليج هناك مايزيد عن مليون سوري , وفي باقي دول العالم ما لايقل عن نصف مليون .
ومجموع ماسبق حوالي 9.6 مليون يضاف اليهم اللاجئون الذين تركوا بيوتهم ومزارعهم وأرزاقهم في سورية ولجؤوا إلى ادلب وغيرها وعددهم حوالي 3 ملايين لاجىء .
بالاجمال نحن نتحدث عن مجموع يقارب 12.6 مليون لاجىء ومغترب مصيرهم يرتبط بالحل في سورية .
ومن البديهي أن من عانى ويلات القصف والتدمير وقتل أقرباءه أو جيرانه بل ومن يخاف من عودة غير آمنة لن يعود سوى مع حل سياسي واضح المعالم والضمانات .
ليست تلك مسألة حق لهؤلاء بالعودة لوطنهم فقط ولكنها مرتبطة أوثق الارتباط بمعالجة الجرح السوري واستعادة الوطن للجميع ونهوض سورية ولا يهمل تلك المسألة أي عاقل .
ومن الغباء بمكان الظن أن الزمن كفيل بحل تلك المشكلة , فهؤلاء اللاجئين والمغتربين لن ينسوا وطنهم لفترة طويلة جدا , ولكل فرد منهم العديد من الأهل والأقارب الباقين في سورية , وتتكفل وسائل الاتصالات الحديثة في الابقاء على صلاتهم حية , وهم يشكلون في مجتمعات النزوح مجموعات تعمل على ترسيخ علاقتهم ببعضهم وعلاقتهم بالوطن .
وأوضح مثال على ذلك مجموعات السوريين في الولايات المتحدة التي وصلت لدرجة عالية من التنظيم والفعالية .
وتتكفل النزعات العنصرية في كثير من المهاجر بابقاء تطلع السوري للعودة , بل إن بعض الدول الأوربية بدأت بالفعل باعادة النظر بمنح السوريين المقيمين مزيدا من الوقت والتمهيد لاعادتهم لسورية أو إخراجهم من البلاد .
وينطبق ذلك على وضع السوريين في لبنان أيضا .
فعلى من يبني حساباته على شطب مشكلة اللاجئين أن يفكر ألف مرة .
بل إن أي حل سياسي غير قادر على حل تلك المشكلة لن يكتب له النجاح .