العقيد عبد الجبار العكيدي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إصلاحات داخلية سوف يقوم بها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، من بينها تعديل نظامه الداخلي واستبدال بعض الكتل السياسية وإصلاح علاقاته بالمجتمع الدولي، لتطوير أدائه وإعادته الى مكانته في الأوساط الدولية والشعبية، وذلك في ظل مبادرة أعلن عنها رئيسه الحالي سالم المسلط عبر وسائل الاعلام.
تعتبر هذه سابقة تسجل لأول رئيس ائتلاف يتحدث عن مشروع إصلاحي كبير، خصوصاً أن الإصلاح الذي أشار اليه المسلط سيطال اللائحة الداخلية، إذ لأول مرة يتجرأ أحد رؤساء الائتلاف على الاقتراب من اللائحة المقدسة.
الائتلاف الذي تشكل في العاصمة القطرية الدوحة نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، تأسس على مبدأ المحاصصة الحزبية من دون أن يكون للكيانات والتيارات الحزبية أي مصداقية على الجغرافيا السورية، بل يمكن التأكيد ان العديد من هذه التيارات الافتراضية تشكلت قبيل تشكيل الائتلاف بأيام، بهدف الدخول فيه من دون أن يعرف أحد عدد أعضائها وما هي قيمتهم ووجودهم على أرض الواقع.
النشأة الخاطئة والوصاية الدولية
تشكيل الائتلاف كان أمراً دُبّر بليل، بإملاءات وأيادٍ خارجية هندسها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، وقامت بنيته منذ النشأة على الوصاية الدولية، وظلّ هذا الكيان أميناً لهذه الوصاية حتى الوقت الحاضر، مع الآخذ بعين الاعتبار تغيير الوصايات وتبدلها، هذه الوصاية التي جعلت الائتلاف شيئا فشيئا يفقد مهمته الثورية والوطنية ويصبح ذا دور وظيفي. ولعل الوسط السوري أدرك هذه المسالة مبكراً، اذ شاع منذ العام 2014، الاعتقاد العام لدى معظم السوريين بأن الائتلاف هو ممثل للدول أمام الشعب السوري وليس العكس.
سيرورة الأحداث أظهرت بُعد الائتلاف عن كل ما يجري على الأرض، وعدم قدرته على مقاربة أي حدث سوري ميداني عن قرب، كما أظهرت نزوعه المستمر نحو التبعية الخارجية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى قوقعته في كيان مغلق محكوم لمجموعة من الأشخاص ووفقاً لمصالح ما دون وطنية.
كثيرة هي الأصوات التي نادت بإصلاح الائتلاف انطلاقاً من القناعة السائدة لدى السوريين بوجوب الحفاظ عليه ككيان، نظراً لحيازته على اعتراف سياسي دولي، وكان الرأي العام ينحو نحو ضرورة الحفاظ على هذا الكيان بعد إفراغه من محتوياته البالية التي فشلت في كل مهامها، وفي تحقيق أي إنجاز للثورة والشعب. ومن أهم المشاريع الإصلاحية التي قدمت للائتلاف كان مشروع المفكر الراحل وعضو الائتلاف المستقيل ميشيل كيلو، بتغيير استراتيجية ورؤية الائتلاف وتحويله إلى كيان يشبه منظمة التحرير الفلسطينية، ليصبح حركة تحرر وطني في ظل وجود احتلالات متعددة، ولكن لم يؤخذ بهذا المشروع وتم إهماله كما سواه من الرؤى الهامة التي قدمت وتم رفضها.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل السوريين، ما الذي جعل رئاسة الائتلاف الحالية تبادر للدعوة إلى عملية إصلاحية في الظروف الراهنة، وبطريقة يُستشف منها العجلة والسرعة، على الرغم من تعدد الأصوات المطالبة بالإصلاح، والتي لم تكن تلقى أي تفاعل على مدى حوالي عقد من عمر الائتلاف.
جدير بالذكر أن الائتلاف فقد العديد من الشخصيات الوطنية الوازنة خلال السنوات الماضية، لشعور هذه الشخصيات بأن كيان الائتلاف لا يسير في الاتجاه الذي يلبي تطلعات الثورة، وقد رهنَ قراره بالكامل للخارج.
ويمكن أن نعزو مبادرة المسلط إلى عدة أسباب أهمها:
أولاً، قد تكون خطوة استباقية للندوة التي دعا اليها رئيس الوزراء المنشق الدكتور رياض حجاب في العاصمة القطرية بمشاركة شخصيات معارضة ومراكز بحثية، في محاولةٍ لقطع الطريق على كل من يفكر بتفعيل دور المعارضة، وتخوف رئيس الائتلاف ومعه مجموعة أشخاص متنفذين ومستأثرين بالمواقع المتقدمة، من أي عملية ربما تؤدي إلى سحب البساط من تحتهم.
ثانياً، ربما تكون هذه الخطوة انعكاساً لتنافس إقليمي على استمرار الهيمنة على الائتلاف والتحكم بقراراته وفقا لمصالحهم، فجاءت بإيعاز.
ثالثاً، تأتي هذه الخطوة في محاولة لتحسين الصورة النمطية السلبية للائتلاف عند جمهور الثورة الذين يُفترض أنه يمثلهم، ولم يعد له ذلك الحضور والتأثير على الصعيد الداخلي والدولي، وواجه الكثير من الاحداث التي أظهرت ضعفه الشديد في مواجهتها والتصدي لها، بل هناك من المواقف التي كانت أقرب للسقطات الكبرى، لعل أبرزها تشكيل المفوضية العليا للانتخابات في تشرين الثاني 2020، وما رافقها من ردة فعل جماهيرية غاضبة، والخلافات التي ظهرت على السطح مع الحكومة المؤقتة وانعكاساتها السلبية على المناطق المحررة.
فكرة الإصلاح في المبدأ العام أمر مُتبع وشائع في كل المؤسسات السياسية في العالم، ولكن يتوقف نجاح هذا الاصلاح عل توفر شروط ومقومات أساسية أبرزها:
1- قابلية بنية المؤسسة للإصلاح من حيث وجود أرضية هيكلية وتنظيمية يمكن من خلالها إجراء عملية إصلاح جزئية أو كاملة.
2- يقترن الإصلاح في المؤسسات السياسية على وجه التحديد بوجود أحزاب وتيارات داخلها تنحو نحو الإصلاح كمشروع جدي لتجديد دمائها وتطوير أدوارها، وبقدر ما تمتلك تلك الكتل من رؤية واستراتيجية واضحة للأهداف المتوخاة من الإصلاح، فان تفاعل الجمهور مع مطالبها الإصلاحية يغدو أكثر وثوقية، إذا كانت تمثل فعلياً قطاعات واسعة من هذا الجمهور.
3- مؤشرات قياس الإصلاح لا تقتصر فحسب على اقتناع قادة المؤسسة بضرورة الإصلاح، إنما هناك مؤشرات تدل على توفر النية والإرادة للإصلاح من عدمها، كتحديد المشكلات والتحديات التي تعيق العملية الإصلاحية، ووضع تصورات واضحة عن كيفية تجاوزها.
4- وجود كوادر ضمن المؤسسة تستجيب لضرورات الإصلاح وتكون جزءاً فاعلاً في العمليات والمهام الإصلاحية، اما إذا رأت نسبة كبيرة من الكوادر ان الإصلاح لا يصبّ في مصلحتها فتتحول الى كابح ومجهض للعملية برمتها.
القضية الرئيسية في موضوع إصلاح الائتلاف ليست استبدال أسماء بأسماء، ولا تيارات بأخرى، إنما تتضمن المسالة شقين متكاملين:
الأول، تصحيح أزمة التمثيل التي تعتبر أحد مثالب الائتلاف الكبرى، وذلك من خلال تحفيز الطاقات والكوادر السورية للانضمام الى هذه المؤسسة بوصفها مرجعية وطنية للثورة والمعارضة وليست كياناً ذا تمثيل صوري.
الثاني، توفير آليات ديمقراطية داخل هذه المؤسسة تضع حداً للزبائنية والمحسوبية وحالة الشلل.
ما يمكن تأكيده هو أن الخطوات التي يسعى إليها المسلط لم تعد مجدية وهي هروب من استحقاق حقيقي، ذلك أن الائتلاف لم يعد يحتمل الإصلاحات الترقيعية، طالما أن منشأ الخلل في بنيته. كان يمكن أن تكون هكذا خطوات جدية وذات فائدة لو أعلن الائتلاف عن حلّ نفسه أو استقال جميع أعضائه، وأعلن عن تشكيل لجنة تحضيرية من الائتلاف نفسه، تعمل بالتنسيق مع الحراك الثوري السوري، من قوى وأحزاب وناشطين وشخصيات وطنية ومراكز أبحاث، لتشكيل كيان برؤية جديدة وبنظام داخلي جديد يواكب تطلعات الثورة ويوازي المستجدات الراهنة، تكون كتلته الصلبة من جيل الشباب الذين أشعلوا الثورة، والشخصيات الوطنية المشهود لها بالإخلاص والكفاءة، ولكن ما يجعل هكذا خطوة بعيدة عن تفكير الائتلاف أنهم يعتبرونها انتحاراً لمصالحهم ونفوذهم الشخصي ومكاسبهم.
حتى تنجح تجربة الإصلاح، إذا كان لها أمل في النجاح في حالة الائتلاف، فإنها ستبقى مقترنة أساساً بمدى تعبير الائتلاف عن استقلاليته الحقيقية على صعيد القرار والممارسة.
المصدر: المدن