لقد كان التدخل الإيراني في سورية وسيلة لابتلاع سورية وضمها إلى محور الدول التي تسيطر عليها، مثل العراق ولبنان وبعض اليمن، ودول الخليج الأخرى التي تسعى لزعزعة استقرارها كالبحرين وغيرها، من خلال عدة خطوات أهمها:
1 – تغيير البنية الديمغرافية للسكان الأصلين.
2 – تغيير الإيمان الإسلامي للسوريين وتشييع ما أمكن منهم وإغراءهم بجميع الطرق الممكنة للسيطرة عليهم إيديولوجيا.
3 – – السيطرة على مؤسسات التعليم والثقافة لتخريج أجيال جديدة مسيطر عليها بالفكر الشيعي الفارسي، وفصل هذه الأجيال عن جذورها العربية السورية.
4 – السيطرة على مؤسسات الحكم عبر التغلغل في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعن طريق أشخاص موالين لها ومنهم من تدرّب لديها.
5 – تكثيف نشر المليشيات الإيرانية على الأرض السورية للسيطرة على أكبر قدر منها.
6- السيطرة على الاقتصاد السوري.
إن كل المعطيات تؤكد أن التدخل الإيراني في سورية كان هدفه الهيمنة على البلاد بشكل كامل، ما يجعل الإجابة سهلة على أسئلة مثل: هل يقبل النظام بالتخلي عن إيران مقابل عودته للبيت العربي؟
وهل يستطيع كبح السعي الإيران للسيطرة والتغلغل في العمق السوري؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة واضحة بشكل لا لبس فيه، وهي أن تخلي النظام عن إيران مجرد وهم.
إنّ النظام ومن خلال بنيته الأيدلوجية والمصلحية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الإيراني، ولا يشترك مع المجموعة العربية على الإطلاق في أهدافها كمجموعة موحدة حيال القوى الإقليمية التي تعمل للسيطرة على بلدانها، وخاصة مع دول الخليج، على الرغم من أنه في الظاهر يدعي أنه نظام قومي ويتاجر بالانتماء للمجموعة العربية.
من جانبها ترى إيران أنها بسيطرتها على سورية تقطع شوطاً هو الأهم في مشروعها التوسعي المسمى بالهلال الشيعي الفارسي وما بعده أيضاً، والذي يفترض أن يحيط بشبه الجزيرة العربية ويصل للبحر المتوسط ويضعها بالقرب من أوربا للمرة الأولى منذ خمسة عشرة قرناً. كذلك يسمح لها النجاح في هذا المشروع بالتموضع بجانب إسرائيل واستغلال ذلك في حماية نفسها من أي هجوم محتمل عليها، عبر التهديد بضرب إسرائيل بقوة عسكرية كبيرة تهدد وجودها.
المؤشرات العسكرية في التموضع والانتشار على أرض الواقع وكيف تعمل إيران على تحقيق ذلك؟
عسكرياً وأمنياً:
تغلغل الإيرانيون بالجيش والأجهزة الأمنية بشكل كامل تقريباً، ففي الجنوب، وعلى سبيل المثال، لم يعد هناك اللواء٩٠ أو اللواء٦١ أو اللواء١١٢، بل تحولت هذه التشكيلات النظامية إلى نقاط مراقبة وسطع ومنصات صواريخ، ومقرات للحرس الثوري وحزب الله اللبناني ومليشيات عماد مغنية وسمير القنطار، وجميعها تحت قيادة جواد هاشم.
لقد استطاعت إيران بناء قوة موالية لها ضمن هذع المؤسسات العسكرية حتى باتت أكبر من قوة جيش النظام، كما تمكنت من السيطرة على تشكيلات أخرى منها فرق كاملة، ولعل أبرزها الفرقة الرابعة، عبر قوات الغيث والبرق وغيرها.
الانتشار الجغرافي
في الجنوب:
من خلال السيطرة على مناطق استراتيجية في الجنوب السوري، يكتمل حلم إيران بإنشاء خط صاروخي من رأس الناقورة بلبنان غرباً إلى معبر نصيب على حدود الأردن شرقاً، كأداة ضغط على الغرب تهدد بها إسرائيل، لتتمكن في الوقت الضائع من بناء وتنفيذ مشاريعها النووية والصاروخية.
في الوسط:
أصبحت البادية السورية حقل تجريبي للقذائف الصاروخية الإيرانية، خاصة في حقل تليلة قرب مدينة تدمر. وأيضا حقل تدريب للعناصر على قيادة الطيران المسير الانتحاري والاستطلاعي، كبديل عن قاعدة النجف، كما يتم إرسال عناصر النخبة لاستكمال تدريبهم في قاعدة الامام علي بطهران.
في الشرق:
إلى جانب تحويلها للعديد من مدن وبلدات دير الزور إلى مستعمرات لقواتها وعناصرها، أصبحت بادية العشارة والميادين في دير الزور حقل تدريب رئيسي لهذه القوات. كما أرسلت إيران مليشيات تابعة لها بلباس الفرقة ١٧/ الفوج ٤٥ مجهزة بمناظير ليلية مصدرها الجيش اللبناني، استولي عليها حزب الله.
كما توجد مليشيات شيعية من جنسيات مختلفة ضمن اللواء ٩٣ في عين عيسى بريف الرقة بلباس جيش النظام أيضاً، وكذلك بدأت بتطويق المواقع الروسية قرب مطار الطبقة حيث أنشأت نقاط لها في قرية هدلة.
إضافة لما سبق، تحولت مجامع البحوث العلمية السورية في ريف دمشق وحماة وحلب إلى مراكز بحثية إيرانية لتطوير بعض الأسلحة في المجال الذي تتواجد فيه، ومنها ترسل أسلحة لمراكز تتبع لها في اليمن ولبنان والعراق.
كما تنفذ إيران في هذه المراكز برامج تطوير توجيه صواريخ توشكا نسخة B_بإضافة كاميرات تصوير تلفزيوني إليها وإرسالها إلى اليمن لاستخدامها في الحرب ضد المملكة السعودية عن طريق مركز بحوث مصياف بالشيخ غضبان بريف حماة.
السيطرة على الأجهزة الأمنية:
تمكنت إيران من السيطرة على جهاز المخابرات الجوية كاملاً، وبالتالي التحكم بمصير أبناء الشعب السوري من خلال ارتباط قادة هذا الجهاز بإيران. هذا إلى جانب تغلغلها في أجهزة المخابرات الأخرى بنسب متفاوتة.
ديموغرافياً:
إلى جانب العدد الكبير جداً من الميليشيات التابعة لها والتي باتت تنتشر في جميع مناطق سيطرة النظام تقريباً، يعمل فيلق القدس عبر الوحدة ٨٤٠ على تغيير البنية الأساسية للسكان، عبر نقل عائلات المقاتلين الأفغان والباكستان والطاجيك الشيعة إلى سورية واسكانهم فيها.
دينياً:
تعمل إيران بشكل حثيث على افتتاح حسينيات ومراكز ثقافية، مهمتها الأساسية تشييع السكان السوريين للتحكم فيهم من خلال دروس وشعائر دينية شبه يومية، وبهذا تفصلهم عن واقعهم وتجعلهم أدوات لتحقيق أهدافها.
تعليمياً وثقافياً: تعمل إيران على السيطرة على المدارس من خلال إعادة إعمار ما دمرته آلات النظام والروس والإيرانيين أنفسهم، ووضع مدرسين ممن تخرجوا من مدارسها وتشبعوا بأفكار تخدم أهداف إيران.
كذلك قامت بافتتاح فروع للجامعات الإيرانية في سوريا وتدريس اللغة الفارسية فيها، وإرسال البعثات المسماة “دراسية” إلى إيران، بينما هي في الواقع لغسل عقول المبتعثين وتحويلهم لأدوات فكرية تغزو بهم عقول السوريين.
اقتصادياً:
إن المتابع لمجريات الأوضاع على الأرض السورية بدقة، يدرك أن الوجود الإيراني فيها لا يتعلق فقط بالحفاظ على رأس النظام السوري وتأمين السيطرة العسكرية والتغيير الديمغرافي والثقافي والديني، بل أيضاً الهيمنة على الاستثمارات الاقتصادية، حيث استطاعت إيران توقيع اتفاقات مع النظام في شتى المجالات كفاتورة على دعمها له، مما نتج عنه سيطرة على الاقتصاد السوري واستحقاقاته المقبلة.
إن خطط إيران الاقتصادية في سورية تسير جنباً إلى جنب مع الحضور العسكري، حتى أصبح كل منهما يكمل الآخر، إذ نجحت طهران بالفعل في انتزاع مشاريع اقتصادية عملاقة محلياً من ملكية حكومة النظام.
جاء إعلان رئيس النظام السوري أن «الاتفاقيات والمشروعات الاقتصادية التي تم التوصل إليها مع إيران تحمل بعداً استراتيجياً، وتسهم في تعزيز صمود سورية وإيران” ليعبر تماماً عن هذه الحالة.
أدركت إيران أن النظام السوري عاجز عن تشغيل مصانع تضررت وتدمرت خلال العقد الأخير، وهذا العجز سببه غياب الأيدي العاملة التي تهجر أكثرها، والنقص الشديد في قطع الغيار، وعدم توفر المواد الأساسية للإنتاج بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية في آن واحد. وهذا ما دفع طهران إلى الاستحواذ على مصانع إستراتيجية في عدة محافظات سورية، إذ يعد إعادة تشغليها ذو أبعاد اقتصادية واجتماعية “كارثية” مستقبلاً على الشعب السوري.
حصل النظام الإيراني بموجب مذكرات تفاهم وقعها مع النظام السوري في يناير 2017م على استثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس جنوبي تدمر لمدة 50 عاماً، والذي يعدّ من أكبر حقول الفوسفات في العالم باحتياطي يتجاوز 1.8 مليار طن خام، وعلى معمل إسمنت حماة المنفذ بين شركة (صنعت) الإيرانية والمؤسسة العامة السورية للإسمنت، إضافة إلى مذكرات تفاهم للتعاون في مجال القطاع الكهربائي، من خلال شركة (بارسيان) الإيرانية مع المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية في سورية، تشمل إنشاء محطات توليد ومجموعات غازية في مناطق متفرقة، واتفاقيات في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط، ومشاركات كبرى في المعارض المختلفة لأغراض إعادة الإعمار، حيث وقّعت عقوداً مهمة في هذا المسار
كما جرى توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد، والتي أخذت الطابع الإقليمي، حيث سعى الحرس الثوري من خلالها إلى ربط إيران بسورية عبر العراق، وصولاً إلى لبنان بطريق وخط حديدي، بحيث يربط هذا الطريق مستقبلاً سورية مع جنوب شرق آسيا، عدا اتساع رقعة الأملاك الإيرانية حول العاصمة دمشق وغيرها من المناطق المهمة.
ومنذ أبريل/نيسان 2018 بدأت إيران مساعيها للدخول كشريك في مؤسسات القطاع العام الصناعي بسوريا، بعدما تقدم رسمياً مجلس رجال الأعمال السوري- الإيراني، بمقترحات بهذا الخصوص لحكومة بشار الأسد.
وفي ذلك الحين كانت طهران قد طلبت من النظام توضيح كيفية حصولها على مستحقاتها المالية، وكرد على ذلك تقدم المجلس لحكومة الأسد بعدة مقترحات للإيفاء بالالتزامات المالية لإيران، ومنها ما قد يشمل تبادل زيت الزيتون مقابل المعامل والتنفيذ على مدة سنتين.
ابتلاع الصناعة
التحرك الإيراني قبل أربع سنوات كان لإدراك طهران طبيعة الأسواق المحلية السورية التي تفتقد إلى السلع والمنتجات في ظل تراجع الإنتاج الصناعي المحلي. لذا كان الاهتمام منصباً على البديل الإيراني من خلال إقامة مشاريع صناعية مشتركة بالاستفادة من التقنية الإيرانية والتطور الصناعي في إيران ببعض المجالات.
وفي أواخر أغسطس/آب 2021، اتفقت وزارة الصناعة في حكومة بشار الأسد، مع وفد إيراني ضم ممثلين عن شركة “أمرسان” الإيرانية المتخصصة بإنتاج الأدوات المنزلية، على تقديم الشركة دراسة تفصيلية توضح رؤيتهم لتطوير خطوط الإنتاج في شركة “بردى” الصناعية المدمرة منذ عام 2012.
وهذه الأخيرة هي أشهر شركة حكومية سورية تصنع أدوات منزلية كهربائية بجودة عالية.
واستملاك إيران مصانع القطاع الحكومي في سورية، بات حقيقة واقعية على الأرض، إذ أنه وفقا للتحقيقات فإن النظام تخلت عن 40 منشأة اقتصادية لصالح إيران. ويجرى تحويل هذه المنشأة الصناعية التي تتبع القطاع العام إلى ملكية الحكومة الإيرانية عبر شركات متعددة مملوكة إما للوزارات الإيرانية أو للحرس الثوري، بعد الاتفاق على ذلك:
أسماء بعض المصانع التي ستنقل ملكيتها للإيرانيين وهي معامل للخشب والكبريت والزيوت والبسكويت وأدوات منزلية ومواد غذائية وبلاستيك وورق وغيرها في أكثر من محافظة سورية.
وتشير الأرقام إلى أن حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا هو بحدود 150 مليون دولار سنوياً بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين. وتطمح طهران لرفع التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاثة القادمة، وفق ما أكد مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة “التنمية التجارية الإيرانية” فرزاد بيلتن، في تصريحات بمارس/آذار 2021.
وحاليا تعد إيران سابع أكبر مصدر للسلع إلى سورية، وتوجد حاليا 24 شركة إيرانية تمارس أنشطة تجارية في مركز “إيرانيان” التجاري، داخل المنطقة التجارية الحرة بقلب العاصمة السورية دمشق وعلى مساحة 4 آلاف متر مربع.
إن محاولة إيران الاستحواذ على المصانع السورية، يمكن النظر إليه من ناحيتين. ترتبط أولاهما بسعي إيران لضمان سداد ولو جزء بسيط من الفاتورة المقدمة لنظام الأسد والتي تجاوزت قيمتها حاجز العشرين مليار دولار، “ولا تزال هذه الفاتورة في تزايد”، والآخر والأهم هو السيطرة على الصناعة السورية وجعلها تابعة للمخطط الإيراني في المنطقة.
تعود بدايات المسعى الإيراني للسيطرة على مكونات القدرة الإنتاجية المادية في سوريا المتمثلة بالمصانع والشركات الإنتاجية إلى الوقت الذي أدركت إيران أن التدهور الاقتصادي لنظام الأسد متواصل وأنه غير قادر على تسديد فاتورتها الثقيلة، مع عدم وجود أفق واضح لتنفيذ عقود إعادة الإعمار الموقعة مع نظام الأسد.
كما سعت إيران للسيطرة على الأصول الإنتاجية القائمة عبر حكومة النظام؛ سواء بفرض الضرائب المرتفعة عليهم أو من خلال إهمال الاستجابة لمتطلباتهم اللازمة لضمان استمرار عمل مصانعهم وشركاتهم، أو حتى اللجوء إلى الترهيب الأمني لأصحاب هذه المنشآت وحثهم على وقفها”.
يمكن النظر إلى هذه الخطوة أيضا من “خلال سعي إيران لاستبدال الواجهة الصناعية القديمة قبل عام 2011، ومحاولة السيطرة على القطاع الإنتاجي بواجهة صناعية موالية لها، بعد أن أدركت أن الصناعيين السوريين في مناطق النظام غير راغبين بالتعاون معها. وهذا ما صرحت به أخيراً القنصلية الإيرانية في حلب، التي اتهمت صناعيي المدينة بعدم وجود إقبال جاد منهم بالتعامل معها، وهو ما دفعها إلى محاولة التضييق عليهم ودفعهم للانسحاب من القطاع الإنتاجي.
وعلى الرغم من التغلغل الإيراني غير مسبوق في المجتمع الاقتصادي والتجاري السوري، إلاّ أنه سيواجه مستقبلاً احتمالين:
الأول: تدخّل متنامٍ، ويكون فيه النظام الإيراني بأمان، بفضل فرض رؤية الحلّ الروسية المتوافقة مع رؤية إيران على الشعب السوري، ما يعني الدفاع عن النفوذ الإيراني، وتنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع نظام الأسد،
والثاني: خروج مؤكد من الساحة السورية، وذلك من خلال تطبيق كافة القرارات الدولية كالقرار رقم 2254 الذي يُفضي إلى حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، ما يعزز من محاصرة وعرقلة النفوذ الإيراني في سورية
لذا رسّخ النظام الإيراني وجوده في سورية لوجستياً عبر تدشين طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت ليشكل ميزة تنافسية لمنتجاته بفضل خفض كلف النقل وسهولة الطريق، إضافة لتأمين الطريق التي ستسمح له مستقبلاً بإيصال إمداداته من الغاز إلى العراق وسورية ولبنان والأردن، وربما لاحقاً إلى الأسواق الأوروبية، وقطف ثمار تدخلها في الشؤون الداخلية السورية.
وعلى هذا الأساس يرى النظام الإيراني بقاء النظام السوري يعدّ ضماناً لمصالحه في سورية، وظهر ذلك في تصريحات لمسؤولين إيرانيين مثل رجل الدين الإيراني مهدي طائب رئيس مقر (عمار) الاستراتيجي للحروب الناعمة، الذي قال في 03 مارس 2015م: على إيران أن تواصل تقديم الدعم لسورية والعراق ولبنان واليمن، حتى ولو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني بينما الجنرال الإيراني مصطفى محمد نجار، قال: (إن إيران تعدّ أمن سورية من أمنها).
المصدر: المجموعة المهنية الاستشارية