ضياء عودة
“بين حضن عربي وآخر إيراني” تثير تحركات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الكثير من التساؤلات، رغم أنه لم يمض أسبوع على زيارته دولة الإمارات، إذ يستقبل، الأربعاء، وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤولين إيرانيين آخرين.
وفي الزيارة الأولى كانت فكرة “إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي” قد خيّمت على مشهدها ككل، بينما تذهب زيارة عبد اللهيان إلى مسارات أخرى، حددها وزير خارجية الأسد، فيصل المقداد، بأنها “ستشمل التطورات في المنطقة والعالم”.
كما قال المقداد أثناء استقباله لنظيره الإيراني بحسب وكالة “سانا”: “نؤكد وقوفنا إلى جانب إيران في تعاملها المبدع حول الملف النووي الإيراني. نحن في خندق واحد وإيران تدعم سوريا قيادة وحكومة وشعبا”، مضيفا أن “العلاقات الإيرانية السورية تمر بأفضل الظروف”.
وعلى الرغم من أن زيارة رئيس النظام إلى الإمارات قبل أيام “كانت متوقعة” وكذلك الأمر بالنسبة لزيارة المسؤول الإيراني إلى دمشق، إلا أن حالة التزامن بينهما تشير إلى “سلوك مناورة يتبعه الأسد”، لاعتبارات سياسية واقتصادية.
وهذه الخطوات “كبيرة لكنها محدودة”، بحسب حديث محللين وباحثين لموقع “الحرة”، مؤكدين أن “تغيّر التكتيك لا يشمل الاستراتيجية”، في إشارة منهم إلى أن تكتيك النظام باتجاه “الحضن العربي” لن يؤثر على علاقاته الكبيرة مع إيران، على خلاف ما يدور الحديث عنه.
ووفق ما أوردته صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الأربعاء، فإن “التطورات الأخيرة سواء زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات أو الملف النووي الإيراني، في حال تم الوصول إلى اتفاق، جميعها تصب في مصلحة تعزيز العلاقة بين البلدين (إيران وسوريا)”.
وأضافت الصحيفة “على اعتبار أنهما سيكونان في موقف أفضل عما كانا عليه سابقا إقليميا وعالميا، مع التأكيد على أن عودة سوريا لعلاقاتها العربية وإلى الجامعة العربية هو مطلب مهم، وأن إيران تشجع هذا الاتجاه”.
“سياقات لافتة”
وتأتي تحركات الأسد في الوقت الذي تتوجه فيه أنظار العالم ككل إلى تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنها تتزامن مع التطورات المتعلقة بعودة طهران إلى الاتفاق النووي.
عدا عن ذلك، لا تنفصل الخطوة عن مساعي النظام السوري السابقة والمتكررة، والتي صبّت بمجملها في “إطار إعادة التأهيل وكسر العزلة”، من أجل إحداث خرق بالجدار السياسي المفروض في محيطه الإقليمي والعالمي من جهة، وكسر التداعيات الاقتصادية الكبيرة التي تشّل جميع مفاصله.
ويرى عروة عجوب، كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتي، أنه “من الصعب تحديد ما إذا كانت تحركات الأسد الحالية نابعة منه أو من حلفائه”، لكنه يعتقد بأن “الروس والإيرانيين متفقون على الأمر”.
ويوضح الباحث لموقع “الحرة” أن “الروس بالتأكيد يريدون إعادة النظام إلى الحضن العربي، وظهر ذلك من خلال زيارات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى عدة عواصم عربية، والحديث عن ضرورة عودة دمشق للجامعة العربية”.
أما الإيرانيين على الجهة المقابلة “يرغبون بكسر العزلة، لكن ليس على حساب نفوذهم”، مشيرا إلى أن “عودة دمشق للحضن العربي ستكون نصرا للدبلوماسية الروسية”.
ومنذ يوم 24 فبراير الماضي، أي مع انطلاق الحرب الروسية ضد أوكرانيا، كان لافتا سلسلة الزيارات التي أجريت بين النظام وإيران، وكانت أبرزها الزيارة التي أجراها مستشار الأمن الوطني في سوريا، علي مملوك، إلى طهران، والتي تزامنت مع زيارة كبير مستشاري وزير خارجية إيران للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، إلى دمشق.
وما بين هاتين الزيارتين كانت هناك ثلاث زيارات متفرقة لمسؤولين إيرانيين اقتصاديين إلى دمشق، وأكدت جميع التصريحات التي خرجت على هامشها ضرورة “تنفيذ جميع الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين”.
“هامش وفرصة”
وحتى الآن، لم تتضح الصورة العامة عما إذا كانت الخطوات المتعلقة بإعادة الأسد لـ”الحضن العربي” ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لاسيما مع المعارضة التي أبدتها الولايات المتحدة الأميركية لهذا المسار، وكذلك الأمر بالنسبة لدول أوروبية، مثل بريطانيا وألمانيا.
وكذلك الأمر بالنسبة لمستقبل علاقة إيران بالنظام، والذي تتعزز بالزيارات المكوكية من جهة، وبالتصريحات الرسمية التي تضعهما في “خندق واحد”.
وهناك هوامش سياسية واقتصادية يسير من خلالها الأسد في الوقت الحالي، لكن تعترضها أخطار واحتمالات جدية، بحسب مراقبين يرون أن واشنطن قد تعيد فتح ملف النظام السوري، للضغط على روسيا وإيران، وكل الأطراف التي تدعمه.
ويرى الدبلوماسي السوري السابق، داني البعاج، أن “هامش المناورة الذي يسير به الأسد في الوقت الحالي كان دائما موجودا”، ويمكن قراءته الآن ضمن إطار استغلال الفرصة لكسر العزلة القائمة.
ويقول البعاج في حديث لموقع “الحرة”: “الإمارات تنفذ سياسة عامة، بالنسبة لها تقوم من جهة على إعادة النظام السوري للحضن العربي، من أجل تخفيف الثقل الإيراني، ومن جهة أخرى لدعم الأنظمة العسكرية العربية لكبح جماع الإسلام السياسي”.
وهناك نقطة التقاء بين الطرفين ويتم العمل على استثمارها، “لكن الأهداف تختلف وليس بالضرورة أن تكون واحدة”.
أما إيران “تراهن على الاتفاق النووي، وعلى قدرتها على التحرك بمساحة معينة بعد رفع العقوبات، وأن يكون لها قدرة اقتصادية قد تستثمرها بما أسست له في سوريا”، وفقا للدبلوماسي السوري السابق.
هل تتغير البوصلة السياسية؟
في غضون ذلك يقول الباحث، عروة عجوب، إنه وعلى الرغم من رغبة الإمارات بإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، “إلا أنها تدرك مدى تغلغل طهران الاقتصادي والعسكري والاقتصادي في مفاصل حياة السوريين”.
ويرى البعض أن عزلة النظام السوري لسنوات طويلة دفعت به للاعتماد على الإيرانين بشكل كبير، ولذلك لا يجب أن يتوقع أحد ابتعاد دمشق عن طهران في ظل الوضع الراهن.
ويضيف الباحث: “مايمكن القيام به من وجهة نظر أبو ظبي هو تشجيع النظام على التفكير بتخفيف النفوذ الإيراني من خلال تأمين بديل للنظام، إذا ما قرر الأسد تغير بوصلته السياسية”.
من جهته، يرى الخبير في الشأن الإيراني بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، حميد رضا عزيزي، أن توقيت زيارة وزير الخارجية الإيراني لدمشق “مهم”، لأنه يأتي بعد وقت قصير من زيارة الأسد للإمارات.
ويضيف في حديث لموقع “الحرة”: “أعتقد أن هذه الرحلة تتعلق أولا بالتنسيق بين إيران وحلفائها (الأسد وحزب الله) في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا”.
ومن جهة أخرى تتعلق بالمسألة الروسية، حيث أن “واحدا من أكبر المخاوف بالنسبة لإيران هو كيف يمكن للجهات الفاعلة الأخرى، سواء الدول الإقليمية أو الجماعات غير الحكومية مثل داعش، استغلال الوضع للعمل ضد مصالحها في سوريا”.
ويضيف عزيزي “لذلك، تعتقد إيران أن هناك حاجة لمزيد من التنسيق مع الحلفاء”.
وفي نهاية المطاف “لا يريد الأسد إثارة غضب إيران في مثل هذه الظروف الدقيقة”، لكن وبحسب الباحث الإيراني “يشعر الآن أنه في وضع أقوى بكثير مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، وبالتالي، فهو يحاول المناورة بين مختلف الجهات الفاعلة”.
ويتابع: “أعتقد أنه لا يريد أن يخسر إما إيران أو روسيا، لكنه بدلا من ذلك يحاول أيضا أن تكون الدول العربية إلى جانبه”.
“حساسية ولا تعويم”
من جانب آخر وكأحد السياقات التي تزامنت معها تحركات الأسد، اجتمع ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في شرم الشيخ، الثلاثاء.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، الأربعاء، أن زيارة الأسد للإمارات كانت على طاولة الاجتماع الثلاثي، وأن بينيت عرض تشكيل تحالف ضد إيران، وتشكيل نظام دفاع إقليمي ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار، وفق قناة “كان”.
ولم يؤكد أي تصريح رسمي المعلومات المذكورة سابقا، بينما نشرتها وسائل إعلام وصحفيون إسرائيلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول عجوب أن “الأسد يدرك مدى حساسية اللعب على التوازنات الإقليمية ويرى من خلالها فرصة كبيرة لتحصيل المكاسب الاقتصادية والسياسية. هكذا كان الأسد الأب وهذا مايسعى إليه الابن”.
ويضيف أن “زيارة الأسد الأخيرة إلى الإمارات لم تترجم إلى استثمارات بعد، لكنها قد تكون نبهت الإيرانيين إلى ضرورة تعزيز العلاقة مع النظام من خلال زيارة وزير خارجيتها الأخيرة إلى دمشق”.
وبالنسبة للنظام السوري “المعزول” والذي يسعى إلى تعويم نفسه من خلال البوابة العربية، يوضح عجوب أنه “وعلى الرغم من رغبته الشديدة بالاستفادة من المال الإماراتي والغاز المصري القادم عبر الأردن، فإن الهدف الأكبر هو إعادة التأهيل وتحديدا من قبل حلفاء واشنطن الذين ضربوا تحذيراتها من كسر عزلة النظام بعرض الحائط”.
بدوره قال البعاج إنه “من الواضح جدا وجود اعتراض أميركي على انفتاح كامل وسريع أو إعادة تعويم للنظام”.
ويضيف “أميركا قد تقبل بحدود معينة بزيارات أو كسر بعض من العزلة السياسية، لكنها لن تصل إلى مرحلة التعويم”.
ويشكك البعاج على قدرة النظام السوري على إحداث “خرق في عزلته .. لأن القضية لا تزال محصورة مكانيا في الشرق الأوسط”.
ويشير إلى أن “النظام أخذ موقفا واضحا لدعم العدوان الروسي على أوكرانيا، وهذا عامل عزلة آخر. كيف سيبرر الأمر في حال محاولة كسر الحصار؟ لا أجد خرقا لكسر العزلة السياسية، وعودة الأمريكان في سوريا. في حال صحّت، فهي محاولة ضغط ضد روسيا”.
ويمر الملف السوري في الوقت الحالي في مرحلة “تجميد الصراع وتبريده”، دون الدفع باتجاه الحل.
وبذلك تلعب القوى الفاعلة ضمن حدود معينة، وتحاول كسب المزيد من أوراق الضغط، ويوضح البعاج: “سوريا باتت ورقة مساومة وضغط، لأن الوضع كصراع خرج من يد السوريين بشكل كامل”.
ويضيف: “بعد رصد نتائج الاتفاق النووي والآثار السلبية للعدوان الروسي، يمكن رسم ملامح مساحة تحرك النظام السوري”.
المصدر: الحرة. نت