أنا باولا برلين
عندما اندلعت الحرب السورية في عام 2011، تدفّقت المساعدات الدولية وفتحت البلدان أبوابها لدعم الأشخاص المتأثرين بالنزاع. ومع ذلك، بعد مضي قرابة 13 عامًا، ما تزال محنة اللاجئين السوريين في لبنان محاطة بحالةٍ من عدم اليقين، حيث يواجهون تراجع التمويل الدولي، وتهديدًا باحتمالية الترحيل، إضافة إلى ظروف الحياة المتردّية في بلد الاستضافة غير المستقر. مع تزايد صعوبات الحياة اليومية لسوريين كثيرين في لبنان، فإن الوضع يحتاج إلى اهتمام متجدّد والتزام تجاه إيجاد حلول طويلة الأمد.
بعد اندلاع الحرب في سورية، لجأ قرابة مليوني شخص إلى البلد المجاور لبنان، والذي كان في السابق مستقرًا بشكل نسبي وسط منطقةٍ مضطربة، ولكن اقتصاده يواجه حاليا تضخّمًا حادًا، حيث دفع تدهور العملة بأكثر من 80% من السكّان نحو الفقر. والفئة الأكثر تأثرًا بتدهور الاقتصاد في لبنان هم اللاجئون السوريون.
وعلى الرغم من أنه كانت لدى العائلات السورية آمال في السابق بتحقيق الاستقرار والأمن في لبنان، إلا أن معظمهم يواجهون، حاليا، صعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية. ويعتمد واحد من بين كل تسعة أشخاص منهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. وفي الوقت نفسه، تضاءل التمويل الدولي المخصّص للاجئين السوريين في لبنان بشكل مستمر. وهذا يتّضح في جميع جوانب حياتهم اليومية، ما يؤثر بشكل ملموس على صحتهم ورفاههم. كان تناقص إمدادات المياه النظيفة قبل بضعة أشهر فقط من تفشّي الكوليرا في العام الماضي (2022) مجرّد مثال؛ إذ أدّى تراجع ظروف المعيشة إلى تزايد مؤرّق في أعداد الأشخاص الذين تعالجهم فرقنا من الالتهابات الجلدية منذ بداية هذا العام.
وجد السوريون الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية أن الدعم المتاح لهم قد انخفض بشكل كبير. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقليص تغطية الرعاية الصحية المتخصصة إلى 50% فقط للرعاية الطبية للأم والطفل، وفرض حدّ أقصى على التغطية الطبية المنقذة للحياة والمخصصة للإقامة في المستشفيات. كما قلّصت جهات أخرى، سواء كانت منظمات محلية أو دولية ممن يقدّمون الرعاية الصحية، خدماتها أو أوقفتها تمامًا. وما يثير القلق أن السوريين الذين لم يتقدّموا إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للتسجيل غير مؤهّلين لتلقي أي تغطيةٍ لنفقات الرعاية الطبية. يجدر بالذكر أن الحكومة قد منعت منذ عام 2015 تسجيل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أي لاجئ. وهذا يعني أن جميع السوريين الذين وصلوا إلى لبنان بعد 2015 غير قادرين على الحصول على الخدمات والحماية اللازمة.
في الوقت نفسه، ترافق التدهور الاقتصادي في لبنان مع ارتفاع مستمرّ في خطاب الكراهية تجاه اللاجئين. قبل الأزمة الاقتصادية، استخدم بعض السياسيين اللبنانيين أزمة اللاجئين السوريين لضمان استمرار التمويل من المانحين الدوليين والمجتمع الدولي. ولكن مع انخفاض التمويل الدولي، حدث تحوّل في السردية: تقترح الحكومة اللبنانية ترحيل آلاف اللاجئين إلى سورية، سواء بموافقتهم أو بدونها، وقد تم بالفعل إعادة مئات منهم في الفترة من أبريل/ نيسان إلى مايو/ أيار من هذا العام.
وعندما يحدُث هذا النوع من الأزمات المتداخلة، تبرز ظاهرة مقلقة: فعوضًا عن التعامل مع أسباب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يُلقى اللوم على اللاجئين الذين يوصفون بأنهم عبء على الموارد، أو أنهم يستحوذون على الوظائف، ويشكّلون تهديدًا أمنيًا. ولبنان ليس استثناءً لهذا التوجه الذي يعتمد على لوم الآخرين، إذ شاعت القوانين التمييزية الجديدة، وشُدّدت الرقابة، وأعيق وصولهم إلى الخدمات الأساسية، ولم يعد بإمكانهم ممارسة حقوقهم الإنسانية كما ينبغي. نتيجة لذلك، يواجه اللاجئون السوريون صعوباتٍ شديدةً على جميع الجبهات، من تناقص المساعدات الإنسانية، والتهديد بالترحيل، وتزايد انعدام اليقين في بلد الاستضافة غير المستقرّ. يمثل وضعهم تجسيدًا مثاليًا للقصور الموجود في نهج المجتمع الدولي تجاه الأزمات، ففي أحيانٍ كثيرة، يفشل هذا النهج في توفير حلول شاملة ومستدامة، مركزًا على نهج المساعدة المؤقتة التي تخذل الأشخاص الأكثر حاجةً عند تطوّر البيئات الجيوسياسية والاقتصادية المستجدة.
على الرغم من أن المساعدة الفورية على شكل الغذاء والمأوى والرعاية الطبية تلعب دورًا حيويًا في إنقاذ حياة الأشخاص خلال حالات الطوارئ، إلا أن التخطيط طويل الأمد والاستجابة المستدامة في حالات الأزمات المستمرّة يسمحان للمجتمعات بإعادة بناء حياتها والتحرّر من دورة التهجير والفقر وعدم اليقين.
تتطلب حالة اللاجئين السوريين وظروف معيشتهم في لبنان اهتمامًا وتدخّلاً مستجدًا من المجتمع الدولي، سيما أن معاناتهم لم تنته بعد نزوحهم، ويجب الاعتراف بهذا. والأهم من ذلك، تتحمّل المنظمات الدولية العاملة في لبنان مسؤولية العمل على تقييمات الاحتياجات المخصّصة، وإعادة هيكلة برامجها، وإعادة تقييم تأثير أنشطتها، والدفع نحو تحقيق تنسيقٍ أكثر كفاءة. تدعو الحاجة إلى تغيير في النهج للتعامل مع هذه الأزمة المنسية، ودعم الحلول المستدامة التي تعطي الأولوية لعافية جميع من أُجبروا على الفرار من منازلهم وأمنهم واستقرارهم. وبينما نشهد بريق أمل يلوح في الأفق بأن الوضع في سورية قد يبدأ في التحسّن، علينا التأكد من عدم ترك اللاجئين السوريين وراءنا بينما يمضي العالم قدمًا.
على الرغم من أن مقال الرأي هذا يركّز على المصاعب التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، إلا أنه من الضروري الاعتراف بأن ذلك يمثل جزءًا فقط (حوالي 20%) من إجمالي عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في العالم، إلى جانب 6.9 ملايين شخص نازح داخليًا. في يوم اللاجئ العالمي، نهدف إلى إبراز الاحتياجات الخاصة للسوريين في لبنان، نظرًا إلى التطورات الأخيرة في هذا البلد المضيف، من دون التقليل من محنة اللاجئين في مواقع أخرى؛ والتي تستدعي جميعها التزامًا متجددًا.
المصدر: العربي الجديد