عمر كوش
دخلت احتجاجات أهالي محافظة السويداء ضد نظام الأسد أسبوعها الرابع، ولم يظهر المحتجون سوى تصميمهم على المضي قدماً في حراكهم حتى يتحقق ما يطمحون إليه، خاصة فيما يخص توسيع دائرة الحراك، ليطول مناطق أخرى خاضعة لسيطرة النظام، وذلك سعياً من ناشطيه للاستفادة من تشكل حالة إجماع، بين مختلف مشارب السوريين وانتماءاتهم الدينية والمناطقية، على ضرورة التغيير السياسي، والخلاص من نظام لم يجلب لهم سوى الكوارث.
ما يدعم ثبات المحتجين واستمرارهم هو قدرتهم على الحشد وتنظيم فعاليات التظاهر، وفق مبدأ التوافق بين مختلف حساسيات المحتجين، وإدارة الخلافات الناشئة بالحوار، وبشكل يحافظ على وحدة الصف، وعدم السماح للطروحات المغالية، والنوعيات المتطرفة بتصدر الموقف، الأمر الذي يفضي إلى المحافظة على زخم الحراك الاحتجاجي، وزيادة فسحاته وساحاته، التي تشهد مشاركة نسائية لافتة، ليس فقط في فعالياته، إنما في قيادته وتنظميه، إلى جانب انخراط مجموعات من مختلف الفئات والقوى الاجتماعية، بمن فيهم الزعماء الدينيون للطائفة الدرزية، الذين درجوا على تبني مواقف محايدة حيال نظام الأسد، بل وأحياناً مؤيدة له ولمواقفه، وأسهمت فيما سبق في تهدئة المحتجين، خاصة احتجاجات 2018 و2020.
يفترق الحراك الاحتجاجي الحالي بجوانب كثيرة عما سبقه من احتجاجات في السويداء، من حيث أنه أكثر جذرية في شعارته ومطالبه، التي طالت شخص بشار الأسد وزوجته، وارتفع فيها عالياً شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وفي جميع ساحات التظاهر، وطالت شعارات أخرى آل الأسد تحديداً، فضلاً عن شعارات تؤكد على وحدة الشعب السوري، إلى جانب المنعطف الذي دشنه قيام محتجين بتحطيم تمثال الطاغية الأب، حافظ الأسد، باني النظام التسلطي الاستبدادي في سوريا، تزامناً مع ذكرى اغتيال أجهزة نظام الأسد الابن، الشيخ وحيد البلعوس عام 2015، مؤسس “حركة رجال الكرامة”، التي ما تزال تناهض النظام.
لا ينحصر جديد الاحتجاجات الحالية في السويداء فيما سبق فقط، بل يتعداه إلى أن المحتجين لم يكتفوا بالمطالب المعيشية والحياتية، التي تخص أوضاعهم الاقتصادية الكارثية التي يعانون منها، وتحميل نظام الأسد كامل المسؤولية عنها، بما يعني تفنيد رواية النظام، التي تحيل المسؤولية إلى العقوبات الأميركية والأوروبية، بل أرفقوها بمطالب سياسية واضحة وجذرية، حيث رفعوا شعارات يعود بعضها إلى شعارات المرحلة السلمية للثورة السورية التي اندلعت عام 2011، وتتعلق بوجه خاص بإسقاط النظام، وبعضها الأخر يمثل رؤية سياسية لمستقبل سوريا، ودعوة الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254، وانسحاب قوات الاحتلالين الروسي والإيراني، والمشاركة في عملية سياسية على المستوى الوطني والدولي للخلاص من نظام الاستبداد.
بالمقابل، ظهرت دعوات لتشكيل هيئة سياسية لقيادة الحراك الاحتجاجي، لكنها لم تلق قبولاً بين أوساط غالبية المحتجين، بالنظر إلى أنهم لا يريدون تشكيل أي جسم يمكن أن يفهم منه اهتمامهم بالوضع المحلي للسويداء، على حساب انتمائها إلى الفضاء السوري الوطني العام، خاصة أن بعض الجهات تحاول تجيير ذلك لصالح دعاوى الإدارة الذاتية، التي رفضها المحتجون، ورفعوا في لافتات تسميها، وتقول لا لسلطة الأمر الواقع، مع تأكيدها على مطلب التغيير السياسي الشامل في كل أرجاء سوريا.
الواقع هو أن أركان نظام الأسد وأبواقه، لم يتوقفوا أبداً عن العمل على تشويه صورة الحراك الاحتجاجي الشعبي في السويداء بشتى الوسائل، من خلال ربطه بإسرائيل، واتهامه بالنزعة الانفصالية، بغية ضرب روحه الوطنية العامة. وقد حاول النظام ترويج فكرة عزل الجنوب عن باقي الجغرافيا السورية، وفبركة رواية توحي بأن السويداء تريد حكماً ذاتياً من وراء حراكها الاحتجاجي، وساهم معه في ذلك الترويج الماكر لأصحاب وجماعة الإدارة الذاتية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، الذي يتبع بدوره لحزب العمال الكردستاني التركي، وذلك بهدف الترويج لمشروعهم الانفصالي، والانتصار له تحت يافطات اللامركزية والإدارة الذاتية والفيدرالية، والعمل على ضرب المجال السوري العام الذي يتحرك ضمنه أهل السويداء، لصالح النزعة الهوياتية القومية لهذا الحزب الستاليني المتطرف، الفاقد للروح الوطنية السورية، والذي حوّل نزعته القومية الشوفينية إلى إيديولوجيا شمولية، تنهل من معين ممارسات الأنظمة التسلطية والتوتاليتارية، ويريد تعميمها على الجغرافيا السورية، كمشروع يحدد مستقبلها، حيث يريد هذا الحزب، المحتمي بمظلة القواعد والجنود الأميركيين، إخفاء نزعته الانفصالية، وتمويه سطوته على ثروات السوريين بمنطقة الجزيرة السورية، من خلال مصادراته عائدات في النفط والغاز، وكل ما تدره غلّة سوريا الزراعية.
غير أن رفض ناشطي السويداء دعاوى تشكيل هيئة سياسية، ونزعات الإدارة الذاتية والفيدرالية، لا يعني تمسكهم بسوريا مركزية تحت نير نظام الأسد، إنما التمسك بأولوية التغيير السياسي نحو سوريا الديمقراطية، بعيداً عن كل العصبيات ما قبل المدنية، إثنية أم قبلية أم دينية أم سوى ذلك. ولعل من الأهمية بمكان التفكير في ممكنات وكيفيات توسيع المشاركة في الحراك الاحتجاجي الشعبي، ووصوله إلى شرائح لم تنخرط بعد فيه، إلى جانب تنويع أشكاله وتحصينه من النزعات والانقسام. كما أن استمرار الحراك الاحتجاجي في السويداء، يشكل معضلة كبرى بالنسبة إلى نظام الأسد، كونه يسلط على نقطة أساسية، تتمثل في أن السوريين الخاضعين لسيطرتهم، لا يرون الاستمرار في العيش تحت نير هذا النظام، وأنه على الرغم من معاناتهم الهائلة التي قاسوها، فإنهم من غير المرجح أن تجعلهم خسائرهم يتراجعون عن الاستمرار في احتجاجاتهم، وبالتالي سيستمر حراكهم إلى أن يحدث تغير ما، يخلصهم من معاناتهم، ومن الكابوس المطبق على أنفاسهم منذ عقود عديدة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا