يحار القلم، وتعجز حروف اللغة العربية، في محضر الحديث عن الأستاذ خالد نعمان / أبو ناصر، ابن طرطوس القامة الوطنية التي لا تبرح المخيال، والذي غادرنا أواسط عام 2012بينما كانت ثورة الحرية والكرامة التي هلل لها، وانحاز إليها منذ بداياتها، خالد نعمان من الناس القلائل الذين لا يمكن للمرء أن ينساهم أبدا. وهو ذلك الرجل الوطني والعروبي الصادق، الودود الكريم المعطاء والمضحي، الذي يتألم لألم أي انسان، ناهيك عن الانسان السوري، وهو المؤمن على طول المدى بالوطنية السورية الحرة، وبالعروبة التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وليس الفارسي.
عندما رحل خالد نعمان، تركت فينا فكرًا وايماناً بالعروبة والاسلام، لا يمكن أن ينضب، كما أبقى فينا شموخ تلك المرحلة، من المد الوطني والعربي، يوم كان شعار (ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الذل والاستعباد) هو السائد.
رحل أبو ناصر ومازال صوته ملء السمع والبصر، وعقله المتميز المنفتح يعبق به المكان والزمان، كانت آخر كلماته لي والتي ما زالت في مخيالي ولن أنساها (أننا محكومون بالتعايش والوحدة الوطنية في سورية) وهو الذي كان وعلى طول الزمان منادياً بالوحدة والاتحاد، منبهاً من مخاطر التفتت والتشرذم والقوقعة، معلناً أن مصير العراق وسوريا واحد، ومصير فلسطين وسوريا واحد، ومصير الامة كل الامة واحد، وكانت قبلته دائماً مصر الحرة، مصر الأمل بالمستقبل.
لن ننسى اعتصامه في دمشق من أجل العراق، وفلسطين، ولن ننسى كيف كان إصراره على البقاء ليحتضن الأرض والرصيف، بعد أن أزال عناصر الأمن الأسدي خيمة اعتصامه قسراً، ونذكر كيف استلقى على الأرض الباردة في الشتاء القارس، ورغم كل شيء، بقي مصراً على أن العراق وفلسطين تتطلب منا الوقفة المناسبة مهما كلف ذلك .
لقد كان كريما ومضيافا في كل الظروف، وكان دائماً وأبدا، فرحاً بالأصدقاء، مهللا لوجود الأحباب من جميع المشارب ، ومنسجماً مع الناس، ومع نفسه ومبادئه، وهو يحاور الآخرين، بهدوء، دون أن يبتعد عنه كثيرًا هذا النزق العروبي الصادق، لكنه المحب ، وعنفوان الوطنية السورية، التي تنطلق من مصلحة الوطن والأمة، قبل أية مصالح أخرى .
نذكره اليوم بينما الثورة السورية تعيش في أصعب مراحلها قسوة، نذكره بكلماته الرائعة، التي كان يستفتح بها الكلام، عندما يقول ” يا حبيب القلب” كم كانت هذه الأحرف نابعة من القلب، حيث يبدأ بها مكالماته الهاتفية الموجهة إلى مسمعي، وكم كانت مدخل صدق ومحبة، تلجم الفصيح عن الكلام ، فيا أيها الحبيب، يا حبيب القلب، يا أبا ناصر ، رحلت سريعاً، وحالت الظروف العصيبة والصعبة، التي تمر بها سوريا، من لقاءك قبل رحيلك لتود يعك على أمل اللقاء، هناك حيث الكل في الواحد .رحلت وتركت في القلب غصة ، كما تركت في العين دمعة ولذكراك، ستستمر المقل تفيض دمعاً ..منذ سنوات وسنوات، وعندما وصفتك ( بالأخ الذي لم تلده أمي ) تساءل البعض حينها ، عن مكنونات ذلك . وأجبتهم حينها بأن في طرطوس الحبيبة، أخ لم تلده أمي، اسمه (خالد نعمان) أبو ناصر. وهو الأخ الحقيقي فعلاً لا قولاً، وممارسة لا تنظيراً، فما يفعله تجاه الناس وخاصة الأصدقاء ومنهم أنا، من الصدق والإيثار، وحب الناس ، والوقوف معهم وقت الشدة، كل ذلك وأكثر منه بكثير، يدفع المرء لأن يصفه بذلك ، ومن كان يعرفه، يعرف مدى مصداقية هذا الوصف ، ومن لم يعرف ( أبو ناصر ) فقد خسر كثيراً ، وغابت عنه شخصية سورية، لن يعوضها الزمان القادم، ولا الحاضر .
ولعل الألم الذي أصابنا برحيلك يا أبا ناصر، كان أشد وأقوى، مع إيماننا بأن “لكل إنسان أجل” إلا أن رحيلك في هذا الظرف العصيب، الذي تمر فيه سورية، كان وقعه أكبر، وأكثر إيلاماً، فنحن أشد ما نكون حاجة، إلى العقلاء الصادقين أمثالك ، لنستطيع إيقاف المجانين المجرمين والقمعيين، عن أفعالهم، فالدم السوري حرام، كما كنت تقول، والدم السوري الآن، يراق كثيراً، يا أبا ناصر. ومستقبل القتل والعسف، وسفك الدماء لن يبني أوطاناً، والوطن المسجى والمكلوم، لا بد من أن يستنهض العقلاء، ليقفوا ويقولون بملء الفم. أن أوقفوا القتل أيها القتلة. أوقفوا تهديم الوطن، وضرب بنيته التحتية. أوقفوا حالات مصادرة الانسان والأوطان، ومصادرة الحريات، والكرامات.
ستبقى نذكرك يا أبا ناصر فقد كنت فينا، ولم تزل، ذلك الرجل الرجل، الذي ليس ككل الرجال، وذلك الإنسان الإنسان، الذي ليس ككل البشر. وستبقى كلماتك، وطلتك البهية، وابتسامتك الصادقة، في ذاكرتنا، وأمام ناظرنا، إلى أن يحكم الله بأمرٍ كان مفعولاً.
المصدر: إشراق