متابعات
يرجع البعض الشدة الواضحة للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، واستخدامها للقوة غير المتناسبة؛ إلى الصدمة المستمرة التي أصابت دولة الاحتلال بعد شن حماس هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين أول، بالإضافة إلى وجود حكومة يمينية متطرفة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب.
لكن بول روجرز الأستاذ فخري لدراسات السلام في جامعة برادفورد وزميل فخري في كلية القيادة والأركان المشتركة، يرى في تحليل بصحيفة الغارديان البريطانية أن هذا التفسير يتجاهل عنصرا مهما لتقيم النهج الإسرائيلي.
وأوضح أن هذا العنصر هو أن استخدام القوة غير المتناسبة هو نهج إسرائيلي راسخ منذ فترة طويلة للتعامل مع الحرب يعرف باسم “عقيدة الضاحية”، وهذا النهج هو أيضًا هو أحد الأسباب وراء عدم استمرار الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس لفترة أطول.
وأشار إلى أن القصف الإسرائيلي على غزة في الأيام الثلاثة الماضية، كان عنيفا، وتسبب في ارتفاع حصيلة الإجمالية للشهداء منذ 7 أكتوبر/تشرين أول المنصرم 15 ألفا و899 شخصا، بينهم 6 آلاف و500 طفل، بحسب وزارة الصحة في غزة.
ويضاف إلى تلك الحصيلة ما لا يقل عن41 ألف جريح، كما كان الدمار المادي هائلاً: فقد تضرر 60% من إجمالي المساكن في القطاع البالغ عددهم 234 ألف منزل، بينهم 46 ألف منزل تم تدميره بالكامل.
بالرغم من هذا الحصيلة الكبيرة للقتلى والدمار فإن إن الحكومة الإسرائيلية عازمة بشكل مطلق على مواصلة الحرب وتسريعها، على الرغم من التحذير الصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للحد من الخسائر البشرية وتأكيد نائب الرئيس كامالا هاريس على أنه “لن تسمح الولايات المتحدة تحت أي ظرف من الظروف بالترحيل القسري للفلسطينيين من غزة” أو الضفة الغربية، أو حصار غزة، أو إعادة رسم حدود غزة”.
ولكن وفقا لروجرز، فإن تلك التحذيرات لن يكون لها أهمية كبيرة، نظراً للموقف المتطرف الذي تتخذه حكومة بنيامين نتنياهو، حيث أعلنت أن هدفها هو القضاء على حركة حماس.
عقيدة الضاحية
وفق روجرز، ترتبط الطريقة التي ستتم بها محاولة القضاء على حماس بالنهج الإسرائيلي الراسخ في الحرب التي تطورت منذ عام 1948، وصولاً إلى عقيدة الضاحية الحالي، الذي يقال إنه نشأت في حرب عام 2006 في لبنان.
وفي يوليو/تموز من ذلك العام، وفي مواجهة وابل من الصواريخ التي أطلقتها ميليشيات حزب الله من جنوب لبنان، خاض جيش الاحتلال حرباً جوية وبرية مكثفة، ورغم ذلك لم يحقق نصرا، إذ تكبدت القوات البرية الإسرائيلية خسائر فادحة.
ولفت روجرز أن أهمية الحرب الإسرائيلية في لبنان كانت تكمن في طبيعة الهجمات الجوية، التي استهدفت مراكز قوة حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك البنية التحتية الاقتصادية اللبنانية.
وعقب أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على لبنان كانت بمثابة تطبيق متعمد لاستراتيجية “القوة غير المتناسبة”، مثل تدمير قرية بأكملها، إذا اعتبرت مصدرًا لإطلاق الصواريخ، ونتيجة لذلك قتل نحو ألف مدني لبناني، ثلثهم من الأطفال”.
وتحولت المدن والقرى إلى أنقاض. وأصيبت الجسور ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي ومرافق الموانئ ومحطات الطاقة الكهربائية بالشلل أو الدمار.
وبعد عامين من تلك الحرب، نشر معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب ورقة بحثية بعنوان “القوة غير المتناسبة: مفهوم الرد الإسرائيلي في ضوء حرب لبنان الثانية”.
وكتبها العقيد الاحتياطي في جيش الدفاع الإسرائيلي غابي سيبوني، حيث روج لعقيدة الضاحية باعتبارها السبيل للمضي قدمًا ردًا على الهجمات شبه العسكرية.
وكان قائد القوات العسكرية الإسرائيلية في لبنان أثناء الحرب، والمشرف على العقيدة، هو الجنرال جادي أيزنكوت.
وتولى منصب رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وتقاعد في عام 2019، ولكن أعيد كمستشار لحكومة نتنياهو في أكتوبر/ تشرين أول المنصرم.
تأثير طويل الأمد
وقال روجرز إنه وفقا للورقة التي قدمها سيبوني، تذهب عقيدة الضاحية إلى ما هو أبعد من مجرد هزيمة الخصم في صراع قصير، بل إنها تهدف إلى تحقيق تأثير طويل الأمد حقًا.
وذكر روجرز أن القوة غير المتناسبة تعني هذا المفهوم بالضبط، حيث تمتد إلى تدمير الاقتصاد والبنية التحتية للدولة مع سقوط العديد من الضحايا المدنيين، بهدف تحقيق تأثير رادع مستدام.
وقد تم استخدام هذا المبدأ في غزة خلال الحروب الأربعة السابقة منذ عام 2008، وخاصة حرب 2014. وفي تلك الحروب الأربع، قتل جيش الدفاع الإسرائيلي حوالي 5000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، مقابل خسارة 350 من جنوده وحوالي 30 مدنيًا.
في حرب عام 2014، تضررت محطة الكهرباء الرئيسية في غزة في هجوم شنه جيش الدفاع الإسرائيلي، وتأثر نصف سكان غزة البالغ عددهم آنذاك 1.8 مليون نسمة من نقص المياه، وافتقر مئات الآلاف من السكان إلى الكهرباء وغمرت مياه الصرف الصحي الخام إلى الشوارع.
وحتى قبل ذلك، بعد حرب 2008-2009 في غزة، نشرت الأمم المتحدة تقريرا لتقصي الحقائق خلص إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية “مصممة لمعاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين”.
فشل محتمل
وبعد شهرين من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة أصبح الوضع فى غزة أسوأ بكثير، مقارنة بالحروب السابقة.
وفي غضون ذلك، يواصل جيش الاحتلال توغله البري في جنوب غزة، ويبدو أنه لن يتوقف، بل سوف تتفاقم تداعياته بسبب عشرات الآلاف من سكان غزة اليائسين الذين يحاولون بنحو متكرر العثور على أماكن آمنة.
ويبدو أن الهدف الإسرائيلي المباشر، والذي قد يستغرق شهوراً لتحقيقه، هو القضاء على حماس مع محاصرة الفلسطينيين في منطقة صغيرة في جنوب غرب غزة حيث يمكن السيطرة عليهم بسهولة أكبر.
أما هدف إسرائيل على المدى الطويل فهو أن توضح للجميع أنها لن تقبل أي تمرد. وأن جيشها سوف يحتفظ بالقوة الكافية للسيطرة على أي تمرد، وبدعم من قدراتها النووية القوية، لن تسمح لأي دولة إقليمية بتشكيل تهديد.
ورأى روجرز أن إسرائيل سوف تفشل في تحقيق أهدفها، متوقعا أن تبرز حماس إما في شكل مختلف، أو قد أصبحت أكثر قوة.
ومن ناحية أخرى، فإن الدولة الوحيدة القادرة على فرض وقف إطلاق النار هي الولايات المتحدة، ولكن لا توجد دلائل تذكر على ذلك ــ على الأقل حتى الآن.
المصدر | بول روجرز/الجارديان- ترجمة وتحرير الخليج الجدي