حسن النيفي
في خطوة ليس الأولى من نوعها، استهدفت طائرة مسيّرة إيرانية يوم الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني إحدى القواعد العسكرية الأمريكية داخل الأراضي الأردنية، ما ادّى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكان وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين، ولئن كان هذا التصعيد المباغت من جانب إيران عبر أذرعها لا ينطوي على انزياح كامل عن الاستراتيجية التي تعتمدها إيران في مواجهة واشنطن، إلّا أنها – على الرغم من ذلك، تنطوي على خرق لما يسمى بقواعد الاشتباك وضوابط المواجهات التي باتت معروفة سواء لدى واشنطن أو طهران، ما يستوقفنا في هذا الخرق الجديد مسألتان: تتجسّد الأولى في أن استهداف أذرع إيران للقاعدة الامريكية قد ادّى إلى مقتل جنود أمريكان، الامر الذي من شأنه إحراج الإدارة الأمريكية وزجّها في حيّز ضيّق، إذ لا تستطيع التنصّل من المسؤولية، على الأقل أمام الرأي العام الأمريكي، ولعل هذا ما دعا إدارة الرئيس بايدن إلى الاستنفار الكامل وإطلاق الوعود بالرد المناسب ومحاسبة الجناة، أما المسألة الثانية، ولعلها الأهم، فتتجسّد بانتقال النشاط العسكري لأذرع إيران من مجاله التقليدي المعهود( لبنان – اليمن – العراق – سورية) إلى داخل الأراضي الأردنية، فما الذي تريده إيران من الأردن؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي التأكيد على أن الأردن سعى منذ شهر حزيران عام 2021 ( أثناء زيارة ملك الأردن إلى واشنطن ولقائة بالرئيس بايدن) إلى إعادة علاقاته مع نظام الأسد، كما يُعدّ الأردن هو أول من طرح مفهوم ( خطوة مقابل خطوة) كخطة عمل للتطبيع مع نظام الأسد، وذلك خلال لقائه مع الرئيس الروسي بوتين في شهر آب من العام 2021 ، فضلاً عن الدور الأردني الواضح في إقناع بعض الدول الخليجية لإعادة العلاقات مع الأسد، وربما انطوى الحماس الأردني تجاه إعادة تعويم نظام دمشق على قناعة عمّان في إمكانية تحاشي الخطر الإيراني عبر التقرّب من دمشق، بل ربما أرادت عمّان الذهاب إلى طهران لكن عبر بوابة الأسد، إذ ربما من شأن العلاقة الجيدة مع طهران وأذرعها أن تضع حدّاً لمخاطر تدفق المخدرات والسلاح من جانب ميليشيات إيران والفرقة الرابعة بجيش الأسد، وفقاً للرؤية الأردنية، ولكن يبدو أن منهج الاستجداء لم يأت بأية نتيجة مرجوة، إذ تصاعدت عمليات تدفق الكبتاغون، بل وأصبح الأردن هدفاً لتوريد السلاح عبر المليشيات الإيرانية المسيطرة على المعابر، وكذلك لم يجدِ سخط الحكومة الأردنية واحتجاجاتها المتكررة التي لم يجابهها نظام دمشق إلّا بكل وقاحة وعنجهية. واليوم إذ يمتدّ النشاط العسكري لأذرع إيران إلى عمق الأراضي الأردنية فتلك هي الرسالة التي تفصح عمّا تريده طهران، ذلك أن الشروع باختراق المجال الأردني إنما يترجم رغبة ولاية الفقيه في جعل الجغرافيا الأردنية مجالاً حيوياً للتمدّد الإيراني، والتطلع لأنْ يغدو الأردن منطلقاً لتهديد دول الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، وبات واضحاً أيضاً أن إصرار إيران على تجاهلها لكل محاولات التقرب التي بذلتها عمان حيال دمشق إنما يؤكد أن ما تريده ولاية الفقيه لا يتوقف على تصدير الكبتاغون والسلاح فحسب، بل المراد هو اختراق المجتمع الأردني والتحكّم بأمنه الوطني، وجعله مرتعاً لميليشياته وأذرعه، فهل بات الأردن خاصرة هشة وقد حان وقت اختراقها وفقاً لاستراتيجيات طهران؟ وهل يمكن لعمّان في هذه الحالة الاعتماد على الرادع الأمريكي لدرء الخطر الإيراني؟
معظم التحالفات التي أقامتها دول خليجية مع واشنطن لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة انتهت إلى الفشل أو اللاجدوى، ما دفع ببعض تلك الدول إلى إيجاد تحالفات جديدة وتغيير سياساتها، وربما كانت التفاهمات الصينية السعودية ، وكذلك التفاهمات السعودية الإيرانية مثالاً بارزاً على تلك التحوّلات، ولعله من الطريف أن نستحضر في هذا السياق عبارة لوزير الإعلام الأردني السابق ( صالح القلاب) رحمه الله، كان قد قالها على شاشة قناة العربية، مخاطباً قادة الدول العربية، ولعل الكثيرين يذكرونها: (إذا لم تدعموا الثورة السورية لإسقاط الأسد فإن إيران ستدخل إلى غرف نومكم).
لعل ما هو ثابت أن إيران لا تنظر إلى تغوّلها المستمر في الشأن العربي على انه مجرّد سعي لتحقيق مصالح مادية لصالح إيران فحسب، بل ما تراه ولاية الفقيه هو ان نزوعها المستمر بالعدوان والرغبة في الهيمنة والتحكّم بالمصير العربي ما هو إلّا تجسيد فعلي لواجب مقدّس يستمد من الإيديولوجيا المذهبية كل أنواع الذخيرة والوقود، ويستبطن المصالح القومية الفارسية بكل سفور وبلا أدنى مواربة.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري
Thank you for your sharing. I am worried that I lack creative ideas. It is your article that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me?