غسان المفلح
كان موت السياسي البارز والمعارض الأشد بأسا لنظام الفاشية الأسدية، ابن العم أو “أبو هشام” او رياض الترك، الزعيم التاريخي لما عرف بحزب “المكتب السياسي” ثم “حزب الشعب الديمقراطي” لاحقاً حدثا طبع اليوم الأول من العام الجديد. لقد نعاه كثير من الأصدقاء ويستحق. لقد نعته السويداء اليوم وأسمت ساحة باسمه. كتب الأصدقاء فرج بيرقدار ووائل السواح وياسين الحاج صالح مواد غنية في رثاء ابن العم. يمكن للقارئ الكريم العودة إليها. كما نعاه معظم المهتمين بالشأن العام السوري من كتاب ومعارضين على مختلف انتماءاتهم الأيديولوجية والسياسية. لن ازيد حرفا بعد أن نعيته أيضا على صفحتي الخاصة في الفيسبوك ومنصة اكس. ما أود كتابته هنا ربما مختلف عما حاول كثر أيضا نقد رياض الترك وشتمه على اجتهاده في التحالف مع جماعة الاخوان المسلمين.
يعد ابن العم المؤسس الحزبي الأول في تاريخ سورية للفكر الديمقراطي الوطني يساريا، وتخليه عن فكرة ما عرف عند الحركة الشيوعية باسم ديكتاتورية البروليتاريا وانفتاحه على ما عرف بالشيوعية الأوروبية التي تتميز عن الشيوعية الستالينية وما بعدها سوفياتيا. بعد هذا التأسيس يمكننا الحديث عن فكر يساري ليبرالي ديمقراطي على الصعيد الوطني تجلى في البرنامج النظري والسياسي لحزبه حزب الشعب الديمقراطي. كما يمكننا القول: أنه كان المؤسس الحزبي الأول لهذا التيار الفكري السياسي الذي نما بشكل ملحوظ بعد سقوط السوفييت. الهجوم على ابن العم كان على ما رفع يافطة بوجهه ووجه حزبه، لأنه تحالف مع جماعة الاخوان المسلمين في سورية.
لن أهتم كثيرا بانتقاد هؤلاء له من هذه الزاوية لكنني سأوجه نقدي لابن العم نفسه في محاولته، توجيه نقد ذاتي لنفسه ولحزبه، أنهم أخطأوا في تحالفهم مع الجماعة. إذا كان الآخرين الذين يحملون هذه اليافطة في شتمه، منهم من لهم دوافع ليست لخدمة سورية ديمقراطية في المستقبل. منهم من رفعها لأسباب طائفية، ومنهم من رفعها لأسباب دينية ومنهم من رفعها في وجه ابن العم وحزبه لاسباب حزبية ضيقة، ومنهم من رفعها حزبيا للتغطية على فشل ما يعرف بالتيار اليساري والقومي عموما في سورية.
من وجهة نظري ازعم وبغض النظر عن سلوك جماعة الاخوان داخل الهيئات التحالفية هذه، والذي ناقشته سابقا مرات عديدة، أن خطأ ابن العم كان في نقده الذاتي وتراجعه عن هذا الاجتهاد في أكثر من مقابلة بعد خروجه من سورية 2018. الحقيقة لم يكن الاجتهاد خاطئا بل العكس تماما في ظل تعقيدات الوضعية السورية. كانت الخطوة الأجرأ لحزب الشعب هي العمل على قيام مثل هذه التحالفات سواء قبل الثورة السورية 2011 أو بعدها. بدأت مع ما عرف” إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” عام 2005. والذي أيدته جماعة الاخوان وقيادتها في الخارج. كما ضم الإعلان شخصيات إسلامية أخرى من خارج الجماعة. إضافة إلى أنه ضم تقريبا كافة التيارات بما فيها حزب العمل الشيوعي في نسخته الجديدة بعد خروج معتقليه من السجن، حيث انتخب الرفيق عبد العزيز الخير ديسمبر 2007، نائباً لرئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق السيدة فداء حوراني. الرفيق الخير المُعتقل من قبل الفاشية الاسدية الطائفية منذ 20 أيلول / سبتمبر 2012.
أزعم أن هذا النقد الذاتي الذي قام به ابن العم، وحاول الدكتور برهان غليون الكتابة عن نفس التوجه في كتابه “عطب الذات” تعبيرا عن تقاطع توجهات بين ابن العم والصديق برهان غليون. هذا الكتاب الذي يعزل العامل الذاتي في سورية عن أية مؤثرات أو عوامل خارجية إقليمية ودولية. هذا بالضبط أيضا ما فعله ابن العم في نقده الذاتي. ليس جماعة الاخوان ولا كل المعارضة السياسية السورية او حتى العسكرية، سببا في هزيمة الثورة السورية إن جاز التعبير. بل ما جرى لهذه المعارضة نتيجة لسبب واحد هو قرار أمريكي برضا إسرائيلي وفرنسي وبريطاني وبعض الدول الإقليمية إيران وبعض دول الخليج.
هذا القرار اتخذه أوباما بشكل واضح وصريح منذ نهاية عام 2011، لكنه أمريكيا أراد توريط واضعاف كل الأطراف في سورية وعلى حساب شلال الدم السوري. خمس دول احتلت الثورة السورية، ولم تحتل سورية. بل هي احتلت الثورة لهزيمتها بشكل نهائي. هذا الاحتلال لم يكن يجري لولا أنه كان ضمن الخيارات التي كان الامريكان يعملوا عليها من أجل بقاء دمشق والمدن الرئيسية تقريبا تحت سلطة الفاشية الاسدية، ألم يبقوا الامريكان المربعات الأمنية للأسدية في القامشلي والحسكة؟ لهذا لا تحالف حزب الشعب مع الاخوان في المجلس الوطني اولا، ولا تحالف تيار مواطنة مع الاخوان فيما عرف بالائتلاف الوطني هو السبب. هذا الائتلاف الذي رفضته وهو لايزال في حيز التداول السياسي. كان الخطوة الأولى في نعش المعارضة المعروفة.
كل هذه العوامل الدولية والإقليمية وبعض التعقيدات الداخلية في الوضعية السورية، تجاهلها ابن العم في نقده الذاتي، كما تجاهلها برهان غليون في كتابه. لهذا نقدي الأساسي لابن العم لروحه ألف سلام هو في نقده الذاتي هذا. من جهة أخرى لا بد لنا من التعريج على فكرة طالما كتبت عنها كثيرا تتلخص في السؤال التالي: هل لو كان حزب الشعب الديمقراطي او حزب العمل الشيوعي يمتلكان نفس قوة جماعة الاخوان المسلمين وحضورها في سورية هل كانوا سيشاركونها في القرار على قدم المساواة في أي تحالف معها؟ الجبهة الشعبية المتحدة التي يطرحها حزب العمل الشيوعي يجب أن تكون بقيادته كحزب قائد طبقي وسياسي وطليعي. والكتلة التاريخية ” الغرامشية” التي يطرحها حزب الشعب الديمقراطي ضمنا في فكره المجدد، أيضا بقيادته كحزب شيوعي يهيمن فيها على هذه الكتلة. المشكلة إذا في كيفية إدارة التحالفات عندما تكون قوة صغيرة، كحال حزب الشعب الديمقراطي او حزب العمل الشيوعي أو تيار مواطنة في التحالف مع قوة سياسية أكبر منك. هذه القوى حتى اللحظة للأسف لاتزال ترى هزيمة الثورة هي لأسباب ذاتية، وعلى هذا الأساس كان ابن العم مخطئا في نقده الذاتي.
لم تكن ظاهرة الجيش الحر هي السبب. السبب واضحا هو القرار الأمريكي بتنسيق مع عدة أطراف دولية وإقليمية، وهي تحويل سورية كلها إلى لغم مكشوف بعد أن كانت لغما مستترا بفعل الاسدية على مدار خمسين عاما. بقي نقطة أود التعريج عليها طرحها الصديق وائل السواح في مادته التي نعى فيها ابن العم. وهو الحديث عن مجزرة مدرسة المدفعية التي وقعت في يوم السبت 16 حزيران/ يونيو 1979 حيث نفذها تنظيم (الطليعة المقاتلة( عن طريق النقيب إبراهيم اليوسف. وراح ضحيتها أكثر من خمسين طالب ضابط وأكثر من هم جرحى. المجزرة مدانة بكل المعايير والأعراف. لكن هنالك تفصيل بسيط لا يجب أن يغفله كل من يريد الحديث عنها. هو ان حوالي 250 طالب ضابط تقريبا 90% منهم من الأقلية العلوية هنا أحد الجذور الأخطر في الخراب السوري، بإعادة تشكيل الجيش السوري أسديا على أساس طائفي. هذا الذي يجب- مع إدانة المجزرة بدون اية ولكن- الحديث عنه.
من رفعوا يافطات بوجه رياض الترك بشأن اجتهاده السياسي الأبرز، أرادوا قتله قبل موته والآن بعده. أين هو التيار الديمقراطي الوطني الذي يمكن ان يشكل تحالفاً يقود الثورة دون جماعة الاخوان المسلمين؟ أليسوا هؤلاء سوريين؟ أما سلوك جماعة الاخوان المسلمين فقد كتبت عنه الكثير نقدا وتشريحاً كما كتب غيري. بهذه المناسبة سأعود لنقاش هذا الاجتهاد من زاوية ممارسات الاخوان المسلمين نفسها. كل السلام لروح رياض الترك أبو هشام وابن العم.
المصدر: العربي القديم/ السفينة