ناحوم برنياع
السنوار ليس غبياً: المقترح المضاد الذي بلوره يدخل إسرائيل إلى جولة أخرى من المداولات الداخلية ممزقة الأعصاب، مع مخطوفين يعانون في الأسر، وعائلات لا تعرف روحها، وحكومة مفزوعة ومنقسمة وغارقة حتى الرقبة في شكوك متبادلة وقيادة أمنية مضروبة وضعيفة. السنوار معني بالوصول إلى المحطة النهائية، إلى الاتفاق، لكنه يستمتع بما يفعله بنا على الطريق. “السنوار أقام لنا مدرسة”، قالت لي يوخكا لفشتس في الليلة التي تحررت فيها من الأسر في غزة. ولا يزال يقيم مدرسة.
أمس تحدث بايدن ونتنياهو هاتفياً. يمكننا أن نخمن ما تحدثا عنه؛ نتنياهو يعد بأن تكون العملية في رفح هامشية ومحدودة “رفح لايت”، واقترح بايدن أن يكتفي بـ “رفح زيرو”. نفهم سبب تأييد الكثيرين في إسرائيل عملية عسكرية في رفح. تفكيك أربع كتائب متبقية هناك سيعطيهم إحساساً باكتمال المهمة: كانت 28 كتيبة وكلها فككت. للأسف، هذا وهم، صيغة عابثة.
الهجوم على رفح بدأ أمس، في منطقة المعبر. قبل بضعة أيام شاهدت خريطة حديثة، رسمية، للسكان في رفح ومحيطها. الاكتظاظ الأكبر كان بالتوازي مع محور فيلادلفيا، على طول الحدود مع مصر. والأقل اكتظاظاً كان في “غوش قطيف” التاريخية، حتى خرائب “نافيه دكاليم”.
لكن مثلما تعلمنا في كل حروب إسرائيل، وبقوة أكبر في حرب غزة، فإن ما يخطط له الجيش الإسرائيلي وما يحصل على الأرض هما قصتان منفردتان. دخول خان يونس براً مثال واضح من الماضي القريب: كان التخطيط هو الهجوم على الغلاف، خصوصاً الأحياء الشرقية والاكتفاء بذلك. لكن عندما يتعرض الجنود المقتحمون المنطقة إلى هجمات، يكون إلزاماً إرسال القوات لتصفية مصادر النار، وإلا لن يكون وجودهم آمناً هناك. وهكذا، من حي إلى حي، سيطر الجيش الإسرائيلي على المدينة ومحيطها. كان الثمن قتلى وجرحى في طرفنا، ومراوحة طويلة في الميدان، وضربة قاضية للسكان المدنيين وهزيمة في الصراع على الرأي العام في الغرب. واليوم، تعود حماس إلى الأماكن التي احتلها مقاتلو الجيش الإسرائيلي بدمهم في خان يونس، مثلما تعود إلى شمال القطاع ومعسكرات الوسط.
من الأسبوع الأول للحرب ورجال جيش في الماضي والحاضر يحذرون من عدم وجود استراتيجية خروج لدى نتنياهو. لنفترض أننا نجحنا في السيطرة على محور فيلادلفيا بثمن دموي متدن نسبياً، ماذا سيحصل عندها؟ لمن سنبقي ما احتللناه؟ باستثناء بضعة سموتريتشيين لا أحد في إسرائيل يريد أن يخدم هو أو أبناؤه في حكم عسكري في غزة. فماذا إذن؟ إرسال المقاتلين إلى معركة دون خطة لليوم التالي هو تسيب لا يجب التسليم به. قد نفترض بأن السنوار يخادعنا: فهو يعرف بأن الحكومة الحالية لن توافق على المقترح الذي وضعه. ولإرضاء الأمريكيين، قد تبعث إسرائيل بوفد فني إلى القاهرة. هذا مهم لنتنياهو في الجبهة الداخلية أيضاً: في الوضع الناشئ، لن يسمح لنفسه الظهور بأنه يعرقل الاتفاق ويترك المخطوفين لمصيرهم، ولن يسمح لنفسه بأن يخون شركاءه من اليمين بقبول الاتفاق.
كثيراً ما يتهم الجناح المسيحاني في الحكومة والإعلام الإدارة الأمريكية. بالفعل، أمريكا تضغط. أوضح البيت الأبيض لنتنياهو بهدوء بأنه إذا ما أمر بعملية واسعة في رفح فسيفرض حظراً على إرسال السلاح إلى إسرائيل. في بداية الحرب، وعد بايدن بالوقوف إلى جانبنا ضد حماس، والآن يعدهم من خلف ظهرنا، كما يشكو الناطقون بلسان اليمين.
ينسون بأن الطرفين يوقعان على هذا العقد؛ الأمريكيون أوفوا بكل تعهداتهم، بما في ذلك 14 مليار دولار مساعدات عسكرية وحماية لإسرائيل من الصواريخ الإيرانية ومن المظاهرات في الجامعات. أما إسرائيل فلم تف بتعهداتها: بعد سبعة أشهر، تبدو عالقة في غزة ولبنان. ليست هذه هي إسرائيل التي تجند بايدن لمساعدتها.
أمس، كأحد طقوس يوم الكارثة، قايس نتنياهو عدد القاضين نحبهم في الكارثة بعدد القتلى في 7 أكتوبر. “ما جرى في الكارثة يوازي 5 آلاف ضعف ما حصل في 7 أكتوبر”، قال. ما الذي يريد نتنياهو قوله لنا في واقع الأمر؟ إن مسؤوليته عن كوارث الشعب اليهودي أصغر من مسؤولية هتلر؟ ألا يخجل؟ لا، لا يخجل.
المصدر: يديعوت أحرونوت/القدس العربي