أونا أ. هاثاواي
فرض عقوبات على مسؤوليها يعني أن التزام الولايات المتحدة بتحقيق العدالة الدولية لا يستند إلى المبادئ بل إلى السياسة.
لا فائدة من الانتقام من المحكمة الجنائية الدولية لأن من شأنه أن يشل قدرة الولايات المتحدة على تعزيز العدالة الدولية في مواقف أخرى بالمستقبل.
خلال الأسابيع الماضية شن المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون حملة انتقادات شديدة على المحكمة الجنائية الدولية، إذ توقعوا أنها ستصدر مذكرات اعتقال في حق القادة الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة، ومن الواضح الآن أن قلقهم هذا كان مبرراً. ففي الـ20 من مايو (أيار) أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أنه تقدم بطلب لإصدار مذكرات اعتقال في حق ثلاثة من قادة “حماس”، بمن فيهم رئيس الحركة يحيى السنوار، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. وهو يتهم قادة “حماس” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الهجوم الذي شنته الحركة على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) فقتلت واعتدت على أكثر من 1100 شخص، إلى جانب استمرارها في احتجاز الرهائن وإساءة معاملتهم داخل قطاع غزة. في المقابل تشمل الجرائم الإسرائيلية المزعومة استخدام التجويع كسلاح وحجب المساعدات الإنسانية عن السكان المدنيين في غزة. والأمر الآن متروك للدائرة التمهيدية في المحكمة لتقرر ما إذا كانت ستصدر مذكرات الاعتقال، وهي عملية قد تستغرق أشهراً عدة.
وأوضحت إسرائيل أنها تنوي مهاجمة المحكمة، عوضاً عن التعاون معها. ويعتقد كثيرون بأن الولايات المتحدة يجب أن تنضم إلى الإسرائيليين في هذا الجهد. في الواقع، في وقت سابق من هذا الشهر، وقع 12 سيناتوراً جمهورياً في مجلس الشيوخ رسالة يتوعدون فيها بالرد على المحكمة إذا مضت قدماً بالدعوى. وحذروا قائلين: “إذا استهدفتم إسرائيل فسنستهدفكم”، مهددين بفرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية وشركائهم، وحتى أفراد أسرهم. وندد الرئيس الأميركي جو بايدن بقرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة قادة إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ووصف طلب إصدار مذكرات الاعتقال بأنه “مشين”. وفي الـ21 من مايو، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إن الإدارة ستنظر في مقترحات الجمهوريين للانتقام من المحكمة ثم “ستقرر الخطوات التالية”.
لكن مهاجمة المحكمة الجنائية الدولية ليست الطريقة الصحيحة للرد. وفي الحقيقة، لم تزعم إدارة بايدن أن الاتهامات لا أساس لها من الصحة، ولا يمكنها ذلك. لأشهر عدة، انتقدت الإدارة بشدة فشل حكومة نتنياهو في السماح بدخول ما يكفي من المساعدات إلى غزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت تقريراً خلص إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية “استهدفت العاملين في المجال الإنساني والمرافق الإنسانية”، وأن تقارير “موثوقة متعددة” “أثارت تساؤلات حول امتثال إسرائيل بالتزاماتها القانونية بموجب [القانون الإنساني الدولي] والممارسات الفضلى للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
إن فرض عقوبات على المحكمة ومسؤوليها من شأنه أن يبعث برسالة واضحة مفادها بأن التزام الولايات المتحدة بتحقيق العدالة الدولية لا يستند إلى المبادئ، بل هو سياسي بحت. وعوضاً عن ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تعمل مع إسرائيل لاستخدام الطريقة الوحيدة المؤكدة لوقف المحاكمات ضد المسؤولين الإسرائيليين مع السماح بالمضي قدماً في القضايا المرفوعة ضد قادة “حماس”: وهذه الطريقة تشجع إسرائيل لتجري من جانبها تحقيقاً صادقاً حول أفعالها في غزة.
كل قضية على حدة
قد تثار تساؤلات منطقية عما إذا كانت المحكمة تتمتع بالولاية القضائية على قادة “حماس” ومسؤولي الحكومة الإسرائيلية. في الحقيقة، إسرائيل ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة. لكن “دولة فلسطين” أصبحت طرفاً في المحكمة منذ توقيعها على ذاك النظام في عام 2015. وفي الفترة نفسها تقريباً، قدمت بياناً أقرت فيه أن المحكمة الجنائية الدولية لها سلطة “في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية”. وبناء على هذا الإقرار أعلنت المدعية العامة فاتو بنسودة أنها فتحت “دراسة أولية” عن الوضع في فلسطين، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019 طلبت إصدار حكم لتوضيح اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. في عام 2021 قررت الدائرة التمهيدية أن ولاية المحكمة القضائية “تمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية”.
في ذلك الوقت اعترضت الولايات المتحدة على قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوسيع نطاق اختصاصها ليشمل تلك المناطق، وأوضحت قائلة إن “فلسطين غير مؤهلة لأن تكون دولة ذات سيادة، وبالتالي ليست مؤهلة للحصول على العضوية أو المشاركة كدولة أو تفويض الولاية القضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية”. لكن الولايات المتحدة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، وهذا يحد من تأثيرها في طريقة عمل المحكمة الجنائية الدولية. علاوة على ذلك، على رغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعترفان بفلسطين كدولة، إلا أن أكثر من 140 دولة أخرى تعترف بها، بما في ذلك إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعتباراً من هذا الأسبوع. في وقت سابق من هذا الشهر صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتاً لصالح قرار يمنح “حقوقاً وامتيازات” جديدة لـ”دولة فلسطين” في الأمم المتحدة في مقابل تسعة أصوات معارضة، مما يمنح البعثة الفلسطينية جميع الحقوق تقريباً باستثناء حق التصويت، وهو امتياز لا يمنحه إلا مجلس الأمن حيث تتمتع الولايات المتحدة بحق النقض. وكانت الولايات المتحدة إحدى الدول التسع، إلى جانب إسرائيل، التي صوتت ضد القرار. وبعد إعلان خان، أعاد بلينكن التأكيد على وجهة النظر الأميركية بأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها ولاية قضائية في “هذه المسألة”.
بالنسبة إلى إسرائيل فإن التهم الموجهة إليها هي استخدامها المزعوم للتجويع كوسيلة حرب، وحرمان شعب غزة من المساعدات الإنسانية. ووفق ما يوضحه بيان خان، “فإن إسرائيل حرمت عمداً وبشكل منهجي السكان المدنيين في جميع أنحاء غزة من ضرورات أساسية لبقاء الإنسان على قيد الحياة”. ويشير البيان إلى التحذير الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل شهرين، عندما قال “إن 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون جوعاً كارثياً، وهو أكبر عدد سجل على الإطلاق، في أي زمان ومكان” نتيجة لكارثة “من صنع الإنسان بالكامل”. ومنذ ذلك الحين أعلنت مديرة برنامج الغذاء العالمي سيندي ماكين أن “مجاعة شاملة” تحدث في شمال غزة. وفي منتصف أبريل (نيسان)، قالت رئيسة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور إن تقييم حدوث مجاعة في أجزاء من غزة هو تقييم موثوق. وضغطت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً على نتنياهو من أجل زيادة تدفق المساعدات إلى غزة، ولكن من دون أن تفلح في ذلك إلى حد كبير.
ومن المرجح أن خان يركز على التجويع وتقييد المساعدات لسبب بسيط، وهو أن إثبات هذه الجرائم هو الأسهل. في الواقع، في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، أدلى غالانت بتصريح فسره بعضهم على أنه اعتراف فعلي بالممارسات التي اتهمه خان بها. قال غالانت “لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، سيكون كل شيء مغلقاً [ولا خدمات حيوية متاحة]. نحن نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس”.
يشار إلى أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لا يمثل المرة الأولى التي تثار فيها هذه الادعاءات ضد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر. في الـ19 من مارس (آذار) قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن سياسات إسرائيل المتمثلة في تقييد تدفق المساعدات إلى غزة قد تعتبر جريمة حرب. وفي الشهر نفسه أصدرت منظمة أوكسفام، وهي منظمة غير حكومية تركز على التخفيف من حدة الفقر في العالم، بياناً مفاده بأن إسرائيل “تستخدم المجاعة كسلاح حرب منذ أكثر من خمسة أشهر”.
وعلى رغم أن التركيز الأكبر ينصب بشكل أساسي على قرار السعي إلى اعتقال نتنياهو وغالانت، فمن المهم تسليط الضوء على أن خان يسعى أيضاً إلى إصدار مذكرات اعتقال في حق كبار مسؤولي “حماس”. يركز هذا الطلب على هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر وطريقة معاملة الرهائن المأسورين في ذلك اليوم الذين لا يزال بعضهم محتجزاً في غزة ويتعرض لسوء المعاملة. ويزعم خان أن جرائم حرب عديدة ارتكبت ضد أولئك الرهائن، بما في ذلك الاغتصاب وأعمال العنف الجنسي الأخرى والتعذيب وغيره من الأعمال اللاإنسانية والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصية. ويعتقد أن كلاً من السنوار والقائد العام للجناح العسكري في حركة “حماس” محمد ضيف يعيشان في غزة، لكن رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، يعيش في الدوحة، قطر. وعلى رغم أن قطر ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي هي غير ملزمة بتسليمه، إلا أن طلب خان إصدار مذكرة اعتقال من المرجح أن يزيد الضغوط على قطر من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لتسليمه للمحاكمة.
محكمة الملاذ الأخير
حتى الآن، لم تقدم سوى طلبات لإصدار مذكرات اعتقال، وهناك احتمال ألا توافق الدائرة التمهيدية عليها. ومع ذلك، ونظراً إلى الحساسية السياسية المحيطة بالقضية، ربما اختار خان أن يقتصر هذا الطلب الأولي على المذكرات التي يتوقع النجاح في الحصول عليها. ومن المرجح أن يكون على حق. فاللجنة من كبار خبراء القانون الدولي، التي شكلها خان لمراجعة الطلبات الكاملة والمواد الداعمة لها، التي لم ينشر أي منها علناً بعد، خلصت إلى أن المواد “تظهر أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن المحكمة تتمتع بالولاية القضائية على الجرائم المذكورة في طلبات مذكرات التوقيف، وأن هذه الجرائم ارتكبت بالفعل وأن المشتبه بهم مسؤولون عنها”.
ولا يزال لدى إسرائيل طريقة واحدة مضمونة لعرقلة الدعاوى المرفوعة ضد نتنياهو وغالانت، وهي إجراء تحقيق خاص بها، ومحاكمتهما بنفسها إذا لزم الأمر. في الواقع يوضح نظام روما أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها ممارسة اختصاصها القضائي إلا عندما تكون الدولة غير راغبة أو غير قادرة على استكمال التحقيق، وإذا دعت الحاجة، محاكمة الجناة بنفسها. وقال مكتب خان إنه لم يتلق “أية معلومات تثبت اتخاذ إجراءات حقيقية على المستوى المحلي [في إسرائيل] للتعامل مع الجرائم المزعومة أو الأفراد الذين يجري التحقيق معهم”. إذا بدأت إسرائيل تحقيقاً فعالاً وصادقاً في القضايا المرفوعة نفسها، فسيكون بإمكانها الطعن في شرعية [مقبولية] تلك القضايا أمام المحكمة. وسينجح هذا الطعن حتى لو ثبتت براءة نتنياهو وغالانت في نهاية المطاف، طالما أن الإجراءات حقيقية.
ومن المحتمل جداً تقديم مزيد من الطلبات لإصدار مذكرات توقيف، ويمكن تجنب ذلك أيضاً من خلال تحقيق صادق تجريه إسرائيل. في الحقيقة كان بإمكان إسرائيل أن تنجح في تأخير الطلب الحالي، وربما حتى منعه، من خلال فتح تحقيق، ومن ثم طلب تأجيل تحقيق المحكمة كلياً أو جزئياً في ضوء الإجراءات المحلية الإسرائيلية، وهي خطوة رفضت تل أبيب اتخاذها. ولكن لم يفت الأوان بعد لتغيير المسار.
أضرار جانبية
يريد بعض أعضاء الكونغرس العودة للحرب الشاملة التي شنتها إدارة ترمب على المحكمة. وفي ذلك الإطار، طرح مشروع قانون في مجلس النواب الأميركي، أطلق عليه اسم “قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية”، يهدف إلى فرض عقوبات وإلغاء تأشيرات الدخول لأي موظف في المحكمة الجنائية الدولية أو أي متعاون معها قد يشارك في التحقيق في الحرب في غزة. وعلى رغم أن مشروع القانون المقترح قد لا يحصد ما يكفي من الأصوات لتمريره، أشارت إدارة بايدن إلى أنها منفتحة على العمل مع الجمهوريين للرد على المحكمة. وسيكون ذلك خطأ فادحاً.
حتى لو أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال، فإن احتمال إجراء محاكمة جنائية لنتنياهو أو غالانت يظل بعيد المنال. ومن غير المرجح أن تسلم إسرائيل أياً منهما للمحاكمة في أي وقت قريب. من المحتمل أن يكون التأثير الرئيس لمذكرات الاعتقال هو إضعاف سلطتهما وشرعيتهما وجعل سفرهما أمراً مستحيلاً إلى أية دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية من دون التعرض لخطر الاعتقال.
في الوقت نفسه فإن فرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يقوض جهود واشنطن الرامية إلى محاسبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا. في أعقاب الغزو الروسي، أصدر مجلس الشيوخ قراراً بقيادة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وبدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وصف المحكمة بأنها “محكمة دولية تسعى إلى الحفاظ على سيادة القانون، وخصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى حكم القانون”. وفي عام 2023، سن تشريع لتعديل القانون الحالي مما سمح للولايات المتحدة بالمساعدة في التحقيقات والملاحقات القضائية في حق المواطنين الأجانب المرتبطين بالوضع في أوكرانيا. وأدى ذلك بدوره إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة، مما أسفر حتى الآن عن إصدار أربع مذكرات اعتقال، بما في ذلك واحدة في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه. ومن شأن العقوبات أيضاً أن تعرض للخطر التعاون في شأن المساءلة عن الجرائم في السودان مع اقتراب حدوث إبادة جماعية جديدة، فضلاً عن الجهود المتعلقة بحماية الشهود والقبض على الهاربين.
يجب على إسرائيل أن تبدأ تحقيقاً حقيقياً خاصاً بها.
إن الانتقام من المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أيضاً أن يشل قدرة الولايات المتحدة على تعزيز العدالة الدولية في مواقف أخرى في المستقبل. منذ فترة طويلة جعلت الولايات المتحدة الدفاع عن العدالة الجنائية العالمية عنصراً رئيساً في سياستها الخارجية، في الواقع إن السفيرة الأميركية المتجولة المكلفة بشؤون العدالة الجنائية الدولية بيث فان شاك، تسافر حول العالم لحث الدول على الوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية. ستفقد هذه الجهود فعاليتها إذا نظر إلى الولايات المتحدة على أنها تدعم المساءلة الجنائية ضد خصومها الجيوسياسيين فحسب.
يذكر أن إظهار النفاق في الرد على عمل المحكمة الجنائية الدولية قد يزيد عزلة الولايات المتحدة على الساحة العالمية، في وقت تسعى جاهدة إلى كسب قلوب وعقول الناس والدول في جميع أنحاء العالم لدعم النظام الدولي القائم على القواعد. إن الجهد المطلوب لكسب النفوذ في الخارج لا يحتاج إلى إنشاء روابط اقتصادية أو عسكرية فعالة فحسب، بل يتطلب أيضاً إثبات أن الولايات المتحدة قادرة على الالتزام بالمبادئ التي تدعي أنها تدعمها، ومهاجمة المحكمة الجنائية الدولية تثبت العكس تماماً: فهي تظهر أن الولايات المتحدة تدعم العدالة العالمية عندما تنطبق على خصومها. ويشير هذا السلوك إلى أن التزام واشنطن بسيادة القانون يقتصر على مصلحتها الذاتية الواضحة والقصيرة المدى. ولا توجد طريقة أكثر فعالية لتقويض النظام القانوني العالمي.
واستطراداً، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في تقديم دعمها القوي لأمن إسرائيل. لكن هذا لا يستلزم محاربة المحكمة. فإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان حقاً أن هذه الاتهامات تفتقر إلى أساس قانوني، سيتعين عليهما إذاً الكشف عن خدعة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. ويجب على إسرائيل أن تبدأ بإجراء تحقيق صادق خاص بها، وأن تثبت التزامها بسيادة القانون والعدالة من خلال مراجعة الأدلة بعناية وإظهار أن التهم لا أساس لها من الصحة. إن فتح تحقيق [إسرائيلي] حقيقي سيجبر المحكمة، وفقاً لقواعدها الخاصة، على إعلان عدم قبول القضايا المرفوعة ضد نتنياهو وغالانت، في حين تسمح باستمرار القضايا المرفوعة ضد قادة “حماس”.
بطبيعة الحال، من غير المرجح أن يوافق نتنياهو، الذي يواجه بالفعل اتهامات بالفساد في الداخل، على إجراء تحقيق محلي. وأثبت أنه لا يتأثر بالضغوط الأميركية، متجاهلاً دعوات إدارة بايدن إلى توفير حماية أفضل للمدنيين في غزة مراراً وتكراراً، بينما يواصل هو وغالانت شن حرب وصفها بايدن بأنها “عشوائية” و”مبالغ فيها”. إذا رفضت إسرائيل استخدام الطريقة الوحيدة المضمونة لوقف الإجراءات القانونية في مرحلتها الحالية، قبل أن تصل إلى مراحل أكثر تقدماً، فعلى الولايات المتحدة ألا تدمر صدقيتها لمجرد حماية أولئك الذين تجاهلوا جميع التحذيرات.
أونا أ. هاثاواي هي أستاذة جيرارد سي وبيرنيس لاتروب سميث للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، وهي باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. في الفترة الممتدة بين 2014 و2015، حصلت على إجازة للعمل كمستشارة خاصة للمستشار العام في وزارة الدفاع الأميركية.
مترجم من فورين أفيرز، 24 مايو، 2024
المصدر: اندبندنت عربية