قلنا عشرات المرات إن طول أمد الحرب في غزة ليس في صالح إسرائيل على الإطلاق، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وحتى دولياً، فإن صورة دولة الاحتلال اهتزت بشدة في الشهور الماضية، وسمعتها “تمرمغت” في التراب بسبب الفشل الذريع في القضاء على المقاومة الفلسطينية واستعادة أسراها، وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتحولت دبابة “الميركافا” إلى خردة يتلاعب بها أطفال القطاع.
يحدث ذلك رغم الدعم الدولي والمساعدات الأميركية الضخمة التي تقدر بمليارات الدولارات وتتلقاها حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال منذ ما يقرب من 11 شهراً. والمؤشرات تقول إن القادم أصعب لدولة الاحتلال والحكومة المتطرفة في تل أبيب، في ظل تعرض إسرائيل لحرب مفتوحة على كل الجبهات، غزة، الحدود اللبنانية، البحر الأحمر وهجمات الحوثي، وأحياناً من الأراضي العراقية والسورية، ومؤخراً تم فتح جبهة الضفة الغربية على مصراعيها.
أحدث تلك الجبهات ما جرى اليوم الأحد على الحدود الأردنية الفلسطينية، حيث قام سائق شاحنة أردني بقتل ثلاثة إسرائيليين هم ضابط وجنديان من مسافة الصفر على المعبر الحدودي والذي يحمل ثلاثة أسماء، جسر الملك حسين حسب التسمية الأردنية، ومعبر الكرامة حسب التسمية الفلسطينية، أو معبر اللنبي حسب التسمية الإسرائيلية، وعلى الفور تم إغلاق المعبر في كلا الاتجاهين وحتى إشعار آخر. كما أعلنت سلطات الاحتلال وقف العمل في المعابر البرية الأخرى مع الأردن وأبرزها معبر الشيخ حسين الحيوي بالنسبة لتجارة إسرائيل الخارجية.
معابر الكرامة والشيخ حسين ووادي عربة، تعد معابر رئيسية لنقل السلع الأردنية وتلك القادمة من الخليج لإسرائيل، وزادت أهميتها عقب حرب غزة
عملية الكرامة وقعت في منطقة تخضع فيها لسيطرة إسرائيلية بالكامل سواء المعبر وما حوله، وداخل الساحة التجارية المخصصة لنقل البضائع من الأردن إلى الضفة الغربية ثم إسرائيل وبالعكس، وهي واقعة خطيرة جداً بالنسبة لإسرائيل، ليس فقط على المستوى العسكري، بل على المستوى الاقتصادي والتجاري، فهذا المعبر أو الجسر يتم من خلاله نقل جزء مهم من السلع الأردنية من فواكه وخضروات وغيرها، عبر شاحنات ضخمة إلى الأسواق الإسرائيلية وأسواق الضفة الغربية وغور الأردن.
غلق المعابر في وجه تجارة إسرائيل
كما أن معابر الكرامة ومعبرين حدوديين آخرين هما الشيخ حسين (نهر الأردن من الجانب الإسرائيلي) ووادي عربة (إسحق رابين) تعد معابر رئيسية لنقل السلع الأردنية وتلك القادمة من بعض دول الخليج لإسرائيل، والتي زادت أهميتها بشدة عقب انطلاق الحرب في غزة، حيث هناك طريق بري يبدأ من دول خليجية وموانئ دبي وجبل علي وأسواق الإمارات ومروراً بالبحرين ثم الأردن فإسرائيل، علما بأن طريق الشيخ حسين، الذي تم اغلاقه اليوم، يوفر جزءاً كبيراً من احتياجات أسواق الاحتلال، عقب الشلل الذي أصاب موانئ إسرائيل على البحر الأحمر بسبب عمليات استهداف جماعة الحوثي للسفن الإسرائيلية وسفن الدول الداعمة لها.
من هنا تأتي حساسية عملية اليوم تجارياً واقتصاديا لإسرائيل، والدليل التراجع الذي شهدته بورصة تل أبيب صباح اليوم، ورد فعل سلطات الاحتلال وإغلاق المعابر الثلاثة بسرعة، لأن تلك المعابر باتت أحد الشرايين الحيوية لتجارة إسرائيل الخارجية إلى جانب موانئ البحر المتوسط، ومعبر تجارة العرب النشطة مع إسرائيل، وهذا ما يبرر رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العنيف تجاه ما جرى حيث وصف حادثة معبر الكرامة قائلاً: “هذا يوم صعب وقاسي، ونحن محاطون بمجرمين يريدون قتلنا جميعاً وأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني”.
عملية معبر الكرامة التي وقعت اليوم هي أكبر دليل على أن إسرائيل باتت في خطر حقيقي، ويرتفع بها منسوب المخاطر الجيوسياسية والأمنية، ليس بسبب ضربات المقاومة الفلسطينية وهجمات حزب الله الموجعة، أو بسبب النزيف الذي يتعرض له الاقتصاد الإسرائيلي، لكن بسبب الهجمات غير المتوقعة التي باتت تتعرض لها دولة الاحتلال ومنها واقعة جسر الملك الحسين، والفترة المقبلة قد تشهد تصاعد المواجهات المباشرة سواء داخل إسرائيل حيث عودة “العمليات الاستشهادية”، أو على الحدود الأردنية الفلسطينية، وربما على الحدود المصرية الفلسطينية.
المصدر: العربي الجديد