د- حسام سعد
لا مساحات اليوم لتخوفات ما سوف يواجه سورية في المستقبل القريب، أو البعيد؛ فهذا منوط بما سوف تتعلمه الأجيال السورية الجديدة بعد عقود الاستبعاد والاستباحة. لقد حدث، ولما يزل يحدث، ما كان تصوّره صعبا وعصيّا حتى في أحلام يقظة السوريين.
دون سابق إنذار، أو ربما بصفارات إنذار دوّت كثيرا في أذن السوريين سنوات الشتات خلال أكثر من عقد مضى؛ بدأت “رؤيا” السوريين تتجسد على ترابٍ طالما انتهكته قوات الاحتلال المحلي، متلوّنة مع ميليشياتٍ سخّرت أسوأ ما في إيديولوجيا المذاهب الدينية لتبرر بشاعة المجازر والقتل والانتهاكات المستمرة، منذ أطبق “حزب البعث” وطغاته على أنفاس السوريين حتى بضعة أيام خلت.
لا وقت الآن للتحليلات السياسية وحساب المصالح في لغة السوريين المتعبين من تجربة عهدوها للمرة الأولى في تاريخهم المعاصر، فلحسابات العقل السياسي أهله، ولا بأس بالتريث قليلا وترحيل التفكير “العقلاني” إلى مراحل لاحقة، ريثما يصحو “الناس” من إرباك المفاجأة، بين مصدق ومذهول، متخوف ومنتظر، مترقب وخائف.
أيام وربما ساعات تفصل جموع المقهورين، وما أكثرهم، عن اكتشاف سورية التي اشتغلوا على رسم صورتها كما يودّون. ولأن “بلادنا” لا يجدي معها الثورات البيضاء وغيرها من ألوان السلام؛ كان لا بد من أحمر الدماء أن يعيد رسم الخريطة السورية من جديد، وأن يعيد شمل الصفات التي غابت عن سوريا التي نحب، عن التعايش على أرض عهدت خطى المظلومين وطنًا، واحتضان الغريب صديقًا، وكتابة الشعر في مدح أنبيائنا وعشقنا الإلهي.
الكثير من دروس الأمل والتفاؤل سوف يمنحها السوريون لمن ناله الياس من التغيير، ولمن انصاع لأسطورة “التعايش مع الوضع القائم”. يعود اليوم كل شيء كما سابق عهده، عادت فلسطين إلى الحضن السوري كما كانت من قبل، كيف لا و”غزة” باتت ملهمة لكل يائس وفاقد لفكرة “إمكانية القيامة”. وتاهت في زحام مشوار جيل التحرير السوري اليوم كافة الأصوات المتأدلجة و”الواقعية” التي شوهت خرائط “الوطن” ومعنى أن تكون “أرض فلسطين” دليلا ومرشدا لكل قيامة في المنطقة.
أيام قليلة سوف تمر، ومطلقا لن تكون سوريا كما كنت قبل خمسة عقود وأكثر، ولن يكون أهل سوريا كما قبل أيام قليلة، هي فرصة لإعادة تعريف السوريين لذواتهم، واكتشاف تاريخ طغاتهم، وصنع حاضر كنا يحلو للأجيال الجديدة أن تعيش. هي فرصة ليتعلم الجميع من الأمل السوري الذي لم يتوقف لحظة عن الصراع مع مشاريع الأمر الواقع، ويؤسس للعودة إلى أصل الحكاية، أن تكون ابن تراب أرض كاملة دون اقتطاع أو تنازل أو تخاذل.
في بعض الأحيان، لا يكون للحديث في الواقعية السياسية وحسابات المصالح والتحالفات مكانا، لساعات قليلة ربما، ريثما يشفى الوجدان من اغترابه، فهنالك وقت للجدل السياسي والسجال الإيديولوجي، أما اليوم فلنترك المشهد على حاله لنرى ما يقوله الوجدان السوري كل دقيقة وساعة.
وكونوا سوريين لأيام قليلة فقط.. فما أجمل أن تكون اليوم سوريًّا.