لم تكن انتخابات الرئاسة التركية التي جرت في الرابع والعشرين من حزيران 2018 والتي نقلت تركيا من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي إلا تتويجا لحقبة من النجاحات قادها حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة الرئيس رجب طيب اردوغان خلال مسيرة الحزب وزعامته السياسية و التي بدأها عام 2002 بتفوقه في الانتخابات البرلمانية على جميع التيارات السياسية المنافسة على الساحة السياسية التركية آنذاك حيث فاز بنسبة كبيرة من الأصوات والمقاعد كانت كافية لتوليه دفة الحكم في البلاد و منها كانت الانطلاقة الاولى والامتحان الاول كي يثبت للعالم عدم تعارض مشروعه ذو الخلفية الاسلامية مع علمانية الدولة التركية التي لطالما زعمت العسكرية التركية خطورة الاسلام على مبادئ الجمهورية الأتاتوركية وأنها العين الساهرة على حماية النظام الجمهوري .
ثم جاءت انتخابات عام 2004 المحلية والتي كانت اختبارًا مهما للحزب إذ نجح في إحراز المركز الأول متقدما على التيارات المشاركة آنذاك بحصوله على اقل من نصف أصوات الناخبين ما مكنه من رئاسة معظم المجالس البلدية في عموم البلاد . حيث وضع من خلالها حجر الاساس للبنى التحتية التي افتقدها المواطن التركي بسبب فساد الادارة مما اسس لنجاحات لاحقة قطف ثمارها الحزب في انتخابات برلمان عام 2007. لتتوالى النجاحات وتتعدد بعدد الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها الحزب وبعدد المشاريع التي حققتها قياداته الشابة المتمرسة في معرض تنفيذ رؤية الحزب وسياساته التي وضعها خبراء في السياسة والاقتصاد من كوادر الحزب والمؤمنين بمشروعه على درجة عالية من الكفاءة شكلوا النواة والعقل المحرك لرؤية الحزب بما حملته من مشروع نقل البلاد بزمن قياسي يشبه الانقلاب على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال ثورة تشريعية استهدفت نسف القوانين القديمة التي كانت حجر عثرة امام اسباب التطور ومجالاته والتي كانت من نتاج حكومات الفساد السابقة واستبدالها بقوانين تلبي طموحات المرحلة ومواكبة العصر .
فكان النجاح في الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2010. ثم انتخابات 2011 التشريعية الى انتخابات 2014 الرئاسية التي تعد الثمرة الاولى من ثمار التعديلات حيث أصبح بموجبها انتخاب رئيس الجمهورية يجري بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر والتي فاز فيها الرئيس اردوغان.
وبذلك أصبحت الدعوة الى انتخابات مبكرة أحد سمات حزب العدالة فكلما اصطدم بما يراه عائقا أمام تنفيذ مشروعه عاد لاستشارة الشعب طالبا التفويض باعتباره مصدر سلطته في دليل على الزهد في السلطة والحرص على تقديم مصلحة البلاد التي يراها في تطبيق مشروعه الاصلاحي النهضوي.
فلم تكن الدعوة الى انتخابات الرئاسة التي جرت مؤخرًا تجربة حزب العدالة الاولى فقد سبق ان تمت الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة بعد انتخابات عام 2015 التي فشل الحزب بصفته صاحب المقاعد الأكثر في البرلمان من تشكيل ائتلاف حاكم او تشكيل الحكومة بمفرده. مما دفع الرئيس اردوغان الى الدعوة الى إجراء انتخابات مبكرة في نفس العام حصل فيها حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى مما خوله تشكيل الحكومة.
على أن اهم استفتاء شعبي على الأداء السياسي لقيادة اردوغان وحزبه للحياة السياسية التركية والذي يبقى نقطة فاصلة في تاريخه كان خروج الجماهير في ليلة الخامس عشر من تموز 2016 في مواجهة الانقلابيين وإفشال الانقلاب ذلك الاستفتاء الذي عمده الشعب التركي بدماء ما يقارب ثلاثمائة شهيد وقفوا بصدورهم العارية أمام دبابات وعربات الانقلابيين في ردة فعل عفوية رافضة لعودة العسكر الى التحكم بمصير البلاد وقطع أي علاقة لهم في الحياة السياسية .
وبالتالي فان لإصرار غالبية الشعب التركي على التمسك بهذا النهج وهذه السياسة بعد كل هذه الاستفتاءات والانتخابات لم تأت بناءً على وعود انتخابية دعائية ما تلبث ان تذهب ادراج الرياح كما هو معهود بالدول ذات النهج السياسي الديمقراطي بل هي نتيجة ما يقارب عقدين من الزمن حافلة بالنجاحات و الانجازات والمكتسبات التي اصبحت واقعًا يوميًا عاشه المواطن التركي ومازال في ظل حكومات حزب العدالة والتنمية بدأ من المسائل الحياتية واليومية التي تمس حياة المواطن التركي والتي حققها ممثلو الحزب خلال تبوئهم مراكز بلدية ومرفقية كان المواطن التركي يفتقدها خلال الحكومات السابقة الغارقة في الفساد والمحسوبية وصولا الى المشاريع الإنمائية والصناعية العملاقة والتي وضعت تركيا في عداد الدول الصناعية وحجزت لها مقعدًا بين مجموعة العشرين الأكثر نموا . ويبقى الانجاز الذي لا يقل اهمية عن كل ذلك هو إعادة الخصوصية والهوية التركية التي دأبت الحكومات التي رفعت شعار العلمانية على محوه من حيث كونها طابورا خامسا يعتش على القروض والمساعدات وأداة بيد من يريد محو تلك الخصوصية وإلغاءها وقطع الصلة بينها وبين التاريخ الذي شكلها ومحاربته . كل هذه الانجازات والنجاحات كانت كافية لإثارة حفيظة أعداء تركيا التقليديين من الأوربيين الذين ما انفكوا يراقبون بحذر هذه الثورة النهضوية ويتربصون بقادتها الدوائر ويتخلقون الحجج ويكيلون التهم لأردوغان وحزبه فكانت محاولات اغتيال اردوغان بغية التخلص من كاريزما القائد الناجح المتصدر لهذا المشروع وانقلاب 15 تموز 2016 والحرب الاقتصادية التي استهدفت الليرة التركية ومع فشل كل هذه المحاولات استمرت محاولات الغرب المتوجسة والمعادية للنجاحات التركية تحت حجج ومزاعم واهية كالديمقراطية وحقوق الانسان التي طالما ضرب بها عرض الحائط في أماكن أخرى عندما تتعارض مع مصالحه .