أحمد مظهر سعدو
في جو مفعم بالثقافة والابداع والود، انعقدت الجلسة الثانية من الصالون الأدبي، المنبثق عن ملتقى الأدباء والكتاب السوريين، وذلك في مساء من مساءات عينتاب الشتوية الجميلة، يوم الجمعة الموافق 21 كانون أول / ديسمبر 2018. باستضافة منزل الشاعر حسن العايد عضو المكتب التنفيذي للملتقى، وحضور ومشاركة رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي.
وقد كان نجم الجلسة لهذا اليوم الشاعر علي محمد شريف عضو المكتب التنفيذي، حيث أفاض بقريحته الشعرية الرائعة، وأسمع الحضور قصيدة متميزة بعنوان (قيل اهبطا) حيث أنصت الحضور للقصيدة / المعلقة التي أبهرت الجميع، لعمقها وتحليقها في ملكوت العشق اللاهوتي تارة، وعشق الجمال المخلوق تارة أخرى، متكئًا فيها على الجملة والمفردة القرآنية الساحرة، ومعرجًا على تجليات البلاغة العربية، مستغرقًا في صوره البديعية الآسرة، دون الابتعاد عن ملامسة الواقع الذي نعيش.
لقد استطاع الشاعر علي محمد شريف الإمساك بجمالية النص الأدبي المبهر، عبر غوص في مكنونات الذات والآخر في الآن ذاته، مرسلًا خصلات شعر القصيدة، عبر النسمات العليلة، التي صبغت كل الجلسة التي طالت وطالت حتى منتصف الليل.
وقد تحدث السيد صبحي دسوقي رئيس الملتقى بالإضافة للسيد علاء حسو والسيدة الهام حقي التي أدارت الجلسة، كما تحدث الشاعر حسن العايد والمخرج بسام وردة، بنقد فني وأدبي لامس منتجات القصيدة التي بين أيدي الحضور، منوهين إلى ماهية الجمال الأخَّاذ الذي استطاع الشاعر فيه وعبره الإمساك بناصية الشعر العربي الأصيل. حيث أشار البعض إلى تمكن القصيدة من التعاطي مع محددات الشعر الحديث / شعر التفعيلة، دون الخروج عن الموسيقا الجمالية، أو الابتعاد عن الصور البيانية الإبداعية التي أضفت على الجمال جمالًا، في إشارة من الحضور إلى أن من أجمل ما يبدعه شاعرنا، هو غوصه وتجواله في متاهات الصور المبدعة، وهو ما أضاف للشعر سحره وإبهاره. وتساءل البعض هل التمسك بالمفردة القرآنية في القصيدة وهو ما يحيل القارئ إلى الانطباع بأن الشاعر ينهل من بعد لاهوتي؟ أما الشاعر فلم ينكر اعتماده على المفردة القرآنية التي يرى فيها اتكاءً على التراث ومرجعية التراث، كما أن الثقافة القرآنية الإبداعية العظيمة، تعتبر مرجعًا لابد منه لأي مبدع في الشعر أو القصة أو الرواية. وهو ما وافقه عليه غير مشارك من الحاضرين.
الشاعر حسن العايد أكد أن ” الصالون الأدبي المنطلق بالأساس عن المكتب التنفيذي لملتقى الأدباء والكتاب السورين كان لي الشرف الكبير في استقباله في بيتي وكان نجم هذه الجلسة لهذه الليلة الأدبية شاعرنا المميز والجميل علي محمد شريف، وقد ألقى علينا قصيدته التي اختار لها عنوان ” قيل اهبطا ” وكانت بحق من القصائد الملفتة للنظر حيث خرج علينا بنص قصيدة مختلف، تظهر فيه القدرة الإبداعية المبهرة للشاعر، وذلك في تعرضه لمسألة آدم وحواء حيث بنى الحوارية عليها، في قصيدته الحديثة المتحررة من حيث الشكل، من مظاهر وحالات القصيدة التقليدية في الشعر العربي، وكانت بحق كثيفة في مضمونها بالصور الابداعية المعتمدة على المفردة القرآنية. والقصيدة كانت تنم عن اتساع ثقافة الشاعر ونضجه الفكري، إذ نجح في توظيف الإسقاطات التي استخدمها في السياق العام للقصيدة، والتي خدم فيها الفكرة التي يربدها من خلال النص وسماع المتلقي لها، وفي نهاية المطاف خضعت القصيدة لحالة نقدية من المشاركين، وقد وصل الجميع لعامل مشترك بينهم، وبالاتفاق على جمال القصيدة من حيث الشكل والمضمون.”
السيد علاء الدين حسو نائب رئيس الملتقى قال ” الشاعر علي محمد شريف بقدرته الإبداعية المميزة مزج في هذه القصيدة التراجيديا مع الغناء، وفتح لنا نافذة تطل بنا إلى عالم فكري يمزج العاطفة بالفلسفة. واختزل عنوانها المذهل القصيدةَ بكل أبعادها. حيث ندرك أن هناك قيام فعل، وهناك تداعيات لهذا الفعل. ويمهد لنا العنوان ذلك، مشيرًا إلى الخطيئة الكبرى وهبوط آدم وحواء نتيجة رفض أمر إلهي. ويدخل إلى ذات البطل نسمع ما يسمع ونشم ما يشم ونرى ما يرى ونشعر ما يشعر.” وأضاف ” كل ذلك من خلال صور وانزياحات مدهشة تجعلنا في خلطة مقارنة بين القدر البشري والحكمة من صنعه، وبين كفاحه من أجل غايته، ومن الظلم إجراء موازنة بين قصة الهبوط وفقد الوطن. وإن كان ذلك واضحًا لمن يقرأ. حيث تنقلب الحبيبة إلى وطن والفواكه إلى قيم الحرية والعدالة والكرامة، لأنها قضية إنسانية بالدرجة الأولى، ليست موجهة لجهة ما، بل تخص كل البشرية، تهم كل نفس تواقة للخلاص من قيود الظلم والاستبداد، ومن الظلم أيضًا ربطها وحصرها ببعد ديني، فهي أوسع من ذلك، وإن اقتضى التعبيرُ مفردات دينية، لأنها تشترك معها بالهدف والغاية، وطالما عُرّفت التراجيديا بأنها شكلٌ من أشكال العمل الفني الدرامي، يهدف إلى تصوير مأساة مبنية على قضية تاريخية، عمل الشاعر على توظيف الهبوط لشرح استمرار القضية الإنسانية “.
أما السيدة الهام حقي عضو المكتب التنفيذي فقد أكدت أن ” الصالون الأدبي ظاهرة قديمة جميلة ولعل أول من أسس الصالون الأدبي هم النساء، وهي ظاهرة حضارية، وأولهم تدعى عمرة ذات رأي حكيم، وتلتها سكينة بنت الحسين، ولكن من اشتهر منهن بالصالون الأدبي ولادة بنت المستكفي، كانت سيدة راقية وشاعرة، وعرفت هكذا تجمعات من عصر الجاهلية، مثل سوق عكاظ وهو مكان للتجارة والمناقشة الفكرية، واليوم تيمنًا بذلك افتتح ملتقى الأدباء والكتاب السوريين صالونًا أدبيًا، وتم الافتتاح في تركيا مدينة غازي عنتاب، في منزل رئيس الملتقى صبحي دسوقي للمرة الأولى في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 والمرة الثانية كانت في 21 كانون الأول في منزل الشاعر النبطي حسن العايد، وكان لقاءً مميزًا حيث ألقى فيه الشاعر علي محمد شريف شعرًا جميلاً، جعلنا نحلق بعنوان(وقال اهبطا) وتم التعقيب عليه من قبل الجميع” وأضافت حقي ” أردت أن يكون مع هذا الشعر موسيقا هادئة تفصل بين حين وآخر، كي نستوعب جمالية الشعر أكثر.”
شاعر الجلسة علي محمد شريف تحدث عن هذا اللقاء بقوله ” كان لجلستنا الثانية في الصالون الأدبي نكهتها الخاصة المميزة لديّ ربّما بسبب كون قصيدتي محورها الرئيس الذي انصبّت الانطباعات والرؤى النقدية حولها، وأيضاً لما تخللها من طقوس احتفالية وحوار راقٍ، واحترام ممزوج بالحب يجسّد تقاليد راقية لطالما رافقت الصالونات والمنتديات الإبداعية التي عرفناها أو سمعنا وقرأنا عنها. ولعلّ الجدية والرصانة والاحتفاء في تناول المادة الأدبية من جوانبها المتعددة اللغوية والإيقاعية والبنائية والفكرية، ومحاولة النفاذ إلى عمق النصّ وقراءته من زوايا وأبعاد مختلفة بغية استجلاء مقاصده ومقولاته وإعادة إنتاجه معرفيّاً، يؤكد الرغبة في الإخلاص لجوهر الفكرة التي يقوم عليها الصالون الأدبي، والتي تتلخص في كونه مطبخاً أدبياً بامتياز.” وتابع مضيفًا ” يمكن أن نسجل بعضاً من النقاط الإيجابية تجلت في هذا اللقاء من خلال تعدّد محاور النقاش الذي تميّز بالمصارحة والمكاشفة، وما رافقه من جماليات الالتزام بالحضور والمشاركة من جميع أعضائه الحاليين، ومن حفاوة وكرم الاستضافة، أضف إلى ذلك الانطباعات الجميلة حول اللقاء التي ترجمتها كلمات وملامح وتعابير هي غاية في الودّ والامتنان واللطف. أعتقد أنّ لقاءنا الثاني في إطار الصالون الأدبي يعزّز انطلاقته القويّة، ويؤكد على العزيمة في استمراره وتطوّره وصولاً لتحقيق ما نتطلع إليه من رؤيا وأهداف تبغي في مآلاتها إلى إغناء المشهد الإبداعي وإلى الإسهام في مشروع نهضوي ثقافي جوهره الحرية والقيم الإنسانية النبيلة، يرتقي بالوعي وبالذائقة الفنية والجمالية. “
المصدر: إشراق