يبدو أن المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، ماضٍ في استمراره وتشبثه بالسلطة، حتى نهاية المدة التي حددها بعامين، رغم الضغوط الخارجية والداخلية التي تطالبه بتسليمها للمدنيين.
وفي خطوة تعتبر تصعيداً جديداً، أعلن المجلس، الإثنين، أنه سيدرس رؤى كافة الأحزاب، والقوى السياسية التي قُدمت له بشأن المرحلة المقبلة، حتى يتم الاتفاق على رئيس مجلس الوزراء، وتكوين الحكومة المدنية، غير مكترث بتعليق ” قوى إعلان الحرية والتغيير” التفاوض معه.
وأعلن المتحدث باسم المجلس، شمس الدين الكباشي أن جهودهم متواصلة للتواصل مع كل القوى السياسية بما فيها قوى “إعلان الحرية والتغيير”.
وبحسب مراقبين، فإن تمسك المجلس المذكور بإشراك قوى سياسية كانت تشارك في النظام الرئيس المعزول، عمر البشير، قد يكون أحد عوامل التصعيد بين العسكر والقوى المعارضة، والمعتصمين أمام مقار قيادات الجيش في الخرطوم وعدد من مدن البلاد.
يضاف إلى ذلك تصاعد المطالب من المعارضة والمعتصمين بضرورة إقالة عدد من أعضاء المجلس العسكري المحسوبين على النظام السابق، وعلى رأسهم رئيس اللجنة السياسية، عمر زين العابدين، ونائب مدير الأمن والمخابرات في عهد البشير وعضو المجلس العسكري، جلال الدين الشيخ.
رد سريع
وبعد وقت وجيز لم يتعدَ 30 دقيقة من إعلان المجلس العسكري بضرورة “تشكيل حكومة مدنية وتعيين رئيس وزراء من القوى السياسية”، خرجت “قوى إعلان الحرية والتغيير” ببيان اتهمت فيه اللجنة السياسية بالمجلس العسكري برئاسة عمر زين العابدين وعضوية الطيب بابكر، بـ”الوقوف ضد وصول ثورة الشعب لغاياتها وأهدافها”.
وقالت إنها “لن تقبل برموز النظام السابق في عملية التغيير في البلاد”.
وهو رد متوقع من “قوى الحرية والتغيير”، بحسب المحللين؛ لأن بيان المجلس خلا من أية إشارات إيجابية نحو تعليق التفاوض معه، بل تمسك بالاستمرار في خططه.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله رزق، أن “المجلس العسكري يتحمل مسؤولية التعقيد الذي انتهى إليه الوضع السياسي الآن”.
وقال في حديثه إن “تعليق قوى إعلان الحرية والتغيير للتفاوض، الأحد، هو رد على تعنت المجلس العسكري، ومحاولته خلط الأوراق بفرض قوى النظام الساقط كجزء من ترتيبات الانتقال”.
سياسة “التمكين”
ومنذ الحادي عشر من أبريل/نيسان الجاري، يتسلم مقاليد السلطة في السودان مجلس عسكري ثلاثي التكوين (الجيش، وجهاز الأمن، والشرطة)، وذلك عقب نهاية عهد الرئيس المعزول، عمر البشير الذي وصل للسلطة في يونيو/حزيران 1989، عبر انقلاب بقيادة حسن الترابي.
ومنذ عام 1989، عزز البشير نفوذه على حساب الآخرين، وسعى بنجاح إلى قمع وتحجيم نفوذ القوى السياسية الديمقراطية المناوئة له، وفق مراقبين.
ويرى المراقبون أن البشير أحاط نفسه بالموالين الذين فتح لهم مؤسسات الدولة، أو خلق لهم مؤسسات موازية ذات نفوذ أكثر من مؤسسات الدولة، فيما عرف بسياسة (التمكين) التي لم تسلم منها مؤسسة الجيش نفسها.
لكن مظاهرات شعبية سلمية امتدت لأربعة أشهر أطاحت بالبشير رغم القمع المفرط الذي ووجهت به، وأجبرت، في نهاية الأمر، وزير الدفاع عوض بن عوف على التحفظ على البشير وإعلان تنحيه، ثم إيداعه لاحقًا سجن (كوبر) القومي بالخرطوم.
وأعلن ابن عوف في بيان بمناسبة خلع البشير أن تكوينا عسكريا ثلاثيا بقيادة الجيش سيتولى الحكم وإدارة البلاد لفترة انتقالية مدتها سنتين.
لكن القوى السياسية المدنية والنقابية التي قادت المظاهرات (تجمع المهنيين السودانيين) ترفض بشكل قاطع السماح للمجلس العسكري بالاستمرار في الحكم.
وفي أول رد فعل لها اعتبرت القوى السياسية مباشرة ما حدث “انقلاباً عسكرياً والتفافاً على إرادة الشعب السوداني”، وطالبت بتسليم السلطة إلى قوى مدنية، هي التي قادت المظاهرات بطبيعة الحال.
ومستفيدين من الرفض الكلي لكل ما له صلة بالنظام السابق، ومن الشكوك حول ولاء بن عوف للبشير، تمكن المتظاهرون من إجبار ابن عوف على التنحي بعد 24 ساعة فقط من إذاعته للبيان، وتم استبداله بالفريق أول عبد الفتاح البرهان.
تعليق التفاوض
وبعد عشرة أيام من التفاوض لم يصل الطرفان إلى اتفاق حول تسليم السلطة للمدنيين، ما دفع تجمع المهنيين السودانيين وتحالفات المعارضة إلى تعليق المفاوضات مع المجلس العسكري.
وحث التجمع أتباعه المعتصمين لأكثر من أسبوعين أمام قيادة الجيش بالاستعداد لجولة أخرى من المظاهرات لإسقاط المجلس العسكري نفسه، بما يشبه التصعيد والمواجهة.
هذه الدعوة قابلها المجلس العسكري بحزمة قرارات ندد فيها بغلق المعتصمين للطرق، وتقييد حركة المواطنين، وانتقاصهم من هيبة الدولة، ما يشير، لكن بشكل ضعيف، إلى تحرك الجيش ضدهم.
ووجدت القوى المطالبة بالسلطة المدنية الدعم من موقف مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي أمهل المجلس العسكري (15) يوما لتسليم السلطة للمدنيين، ومن المحتمل أن يجمد المجلس عضوية السودان حال رفض العسكريين الانصياع لطلبه، وهو الإجراء الذي طبقه المجلس الإفريقي في حالات مشابهة.
وبالنظر إلى التوافد الكبير إلى ساحة الاعتصام، والخطب التي يلقيها معتصمون متحمسون، قد يجد البرهان مصير سلفه ابن عوف، خاصة بعد شكوك السودانيين وعدم ارتياحهم للتقارب الإماراتي- السعودي مع المجلس العسكري.
وكانت الدولتان قدمتا حزمة من المساعدات للسودان بلغت قيمتها ثلاثة مليارات دولار، في خطوة تعتبر بمثابة طوق نجاة للقادة العسكريين.
إلى أين يمضي السودان!
هل السودان مقبل على فوضى؟ ربما. وهذا ما يخشاه المراقبون المشفقون على هذا البلد المتباين ثقافيا وسياسيا، خصوصا وأنه مليء بالحركات المسلحة التي حاربت البشير لعدة سنوات.
لكن “خلال الشهور الماضية، أظهر السودانيون الكثير من الوعي ببلادهم، خصوصا فئة النساء والشباب الذين قامت عليهم المظاهرات” كما يرى شمس الدين ضو البيت، مدير مشروع الفكر الديمقراطي (مؤسسة غير حكومية).
ويقول: “هذا الوعي هو ما سيمكن السودانيين من تجاوز الصعاب”.
وأوضح المحلل السياسي، عبد الله رزق أن “أمام المجلس العسكري الفرصة لتجنب الوضع الهش اختبارات القوى والخيارات الصفرية، وعليه أن يقتلع من قبضة قوى الردة والثورة المضادة، وأن يكف عن ادعاء الحياد بين القوى التي قاتلت لاقتلاع النظام ومن جهة قوى النظام”.
وأضاف في ذات السياق قائلا إن “على المجلس بدلاً من التصعيد باتجاه المواجهة مع الحركة الجماهيرية، أن يعيد سبل إعادة الاتصال مع قوى الثورة ممثلة في (إعلان الحرية والتغيير)؛ لأجل التفكير في سبيل للخروج من الأزمة”.
المصدر: القدس العربي