مصير_ خاص
عامر المحمد من محافظة دير الزور / مدينة الميادين، اعتقل عدة مرات من قبل أجهزة الأمن السورية حيث وصل مجموع سنوات اعتقاله 33 عاماً، تحدث عامر المحمد عن تفاصيل اعتقالاته والتعذيب والتهديدات التي تعرض لها والمقايضة من قبل ضباط في الأمن السوري للإفراج عنه.
يشكل الاعتقال واحداً من الأدوات التي استخدمتها السلطة الحاكمة في سوريا منذ عام 1970 لقمع أي عمل أو تحرك أو حتى قول يطالب بالتغيير في سوريا. توجه التهم جزافاً للمعتقلين فهي جاهزة وما على المحققين سوى البحث عن المعتقلين، لتصبَّ عليهم جام تهمها، حتى أنّها تلصق تهمتين على طرفي نقيض لمعتقل واحد، وهذا ما حدث مع المعتقل عامر المحمد الذي اعتقل ثلاث مرات، وقضى في سجون الأسد الأب والابن 33 عاماً.
أهمية الشهادة:
علمت مئات العوائل السورية في الفترة الأخيرة بوفاة أبنائهم المعتقلين لدى أجهزة الأمن السورية حيث تدعي هذه الأجهزة أن الوفيات كانت لأسباب مرضية بحتة.
لا تسلم السلطات السورية جثث الضحايا لذويهم ولا تخبرهم أماكن دفنهم وتجبرهم على القبول بأسباب الوفاة التي تدعيها تحت طائلة العقوبة.
تؤكد شهادة السيد عامر المحمد أن التعذيب في السجون السورية أو حتى السجون التي كانت تشرف عليها أجهزة الأمن السورية في لبنان هو نهج متبع وكثيراً ما أدى إلى الوفاة كما أن أوضاع السجون السورية السيئة من حيث المساحة وتوافر التهوية والغذاء والماء والعناية الصحية تؤدي إلى وفاة الكثير من المعتقلين كما تؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
أكثر من اعتقال:
الاعتقال الأول:
في شباط/فبراير 1980 اعتقل عامر أول مرة من قبل المخابرات العسكرية فرع الضابطة الفدائية- يقع ذلك الوقت في شارع العدوي في دمشق- التابع لما يعرف ب فرع فلسطين والذي يتبع لجهاز الأمن العسكري، يقول عامر:” حين تم اعتقالي أول مرة كنت قادماً من لبنان إلى سورية عن طريق دير العشاير / وادي ميسلون على الحدود السورية اللبنانية كنت وقتها عضو داخل منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تم أخذي إلى ساحة الميسات في دمشق وبقيت هناك شهرين ونصف، ثم إلى فرع فلسطين وبقيت فيه شهرين أيضاً، حيث تم تعذيبي ببساط الريح والدواليب لكن بشكل خفيف نسبياً”.
ويوضح عامر:” أنّه بعد ذلك تم نقلي إلى فرع الأمن العسكري في حلب، وبقيت فيه 45 يوماً حيث تم تعذيبي بالكهرباء وبساط الريح والكرسي بتهمة أنّني أعمل لصالح الإخوان المسلمين على الرغم من اعترافي بأنني أنتمي لمنظمة علمانية وأصدقائي يساريين وشيوعيين وقوميين وأنني اعمل لصالح منظمة التحرير الفلسطينية وليس لي أي علاقة بالإخوان المسلمين، بعدها تمت إحالتي إلى فرع المنطقة القديم في دمشق وبقيت به تكملة السنة للتوقيفات الماضية”.
ويختتم عامر بالقول:” تم إطلاق سراحي مع 500 عنصر من جماعة الإخوان – رغم أن اعتقالي كان بتهمة انتسابي للجماعة-، وخرجنا من الأمن، ثم تم تسليمي للقصر العدلي بتهمة تجاوز الحدود ودفعت غرامة 400 ليرة سورية”.
الاعتقال الثاني:
قام عناصر تابعون للقوى الأمنية السورية في عام 1983باعتقال عامر بعد إصابته في ظهره خلال معركة طرابلس، بين عناصر تابعين للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من جهة والحزب الديمقراطي الذي يرأسه علي عيد من جهة أخرى. يقول عامر:” بعد الإصابة بطرابلس كنت جريحاً أخذوني إلى مستشفى في قضاء ازغرتا، بقيت تحت الحراسة حيث اعتقلت على أساس سوري فلسطيني، وبقيت في المستشفى أحد عشر يوماً ريثما يتم نقلي إلى سورية 1983، لكني هربت من المستشفى بمساعدة أحد عناصر الوحدات الخاصة وممرض لبناني مسيحي، ثم تم نقلي إلى مستشفى بمنطقة عكار، ثم توجهت إلى منطقة عين الحلوة ومخيمات شاتيلا وصبرا وبرج البراجنة والرشدية اتنقل ما بينها وبين سوق الغرب، بالعمل لصالح منظمة التحرير الفلسطينية والعمل ضد النظام السوري بالدرجة الأولى”.
الاعتقال الثالث:
في عام 1986 أُصيب عامر خلال معركة مع حزب الله بمنطقة مغدوشة، ونقل إلى مستشفى للدكتور غسان حمود بصيدا، ويلفت عامر بالقول: “تم رصدي لاعتقالي، ولم أستطع التحرك وبقيت في المستشفى ريثما أحصل على جواز سفر بديل بغير اسمي، لكن الإصابة في الوجه كانت كبيرة ولا أستطيع التواري والتخفي”.
ويكمل:” تم نقلي إلى مستشفى الهمشري في صيدا، حيث تم وضع كمين محكم لاعتقالي من قبل التنظيم الشعبي الناصري، فيما كان هناك كمين آخر من قبل حركة أمل وحزب الله لاعتقالي أيضاً، تمكن التنظيم الشعبي الناصري من اعتقالي والذي قام بدوره بتسليمي في اليوم الثاني إلى المفرزة الأولى التابعة للأمن السوري والواقعة على الطريق الساحلي ما بين نهر الأولي ومنطقة الرميلة ووادي الزينة في لبنان، وهذه المفرزة يرأسها العقيد زياد في المخابرات السورية وهو مسؤول أمن منطقة الجنوب”.
التنقل بين السجون والمعتقلات وطرق التعذيب فيهم:
تركز التعذيب في المراكز الأمنية التي تنقل بينها عامر على مناطق العضلات والأكتاف بهدف إيقاف حركة الجسد وكأنهم يستمتعون بالتعذيب.
يقول عامر في شهادته:” بدأ التعذيب في مفرزة الرميلة في لبنان من قبل أبوعلي كنعان-وهو رقيب أول قريب لغازي كنعان وزير الداخلية السوري الراحل- حيث لم يشفعا لي مرضي وإصابتي من التعذيب، بل كان الضرب مبرّحاً على الجراح، بأنابيب مياه حديدية قطرها نصف إنش، وتركز الضرب قرب مقعدي وأكتافي وأماكن العضلات، وكان القصد من طريقة التعذيب هذه هو إيقافي عن الحركة، إضافة إلى التعذيب بواسطة الدولاب وبساط الريح”.
ويتابع:” بعدها تم تسليمي إلى قسم أمن بيروت الذي كان يرأسه العميد علي حج حمود، وبقيت 45 يوماً في فندق البوريفاج في بيروت الغربية بمنطقة الرملة البيضا، وهو مركز مخابرات سورية في بيروت، وكان من المعتقلين لبنانيين مسلمين ومسيحيين وفلسطنيين وجنسيات أخرى”.
ويوضح عامر:” كان التعذيب لا يطاق وكان بجميع الأنواع، من الدولاب إلى بساط الريح والتعليق والكهرباء والكرسي الروسي والحرمان من الطعام والدواء إضافة إلى الحرمان من النوم، وكانت المنفردات صغيرة جداً، والسجن مظلم وغير نظيف، إضافة إلى أنّه لا يوجد فيه حمام، وفي هذا السجن مات شخصان تحت التعذيب، أحدهما فلسطيني والآخر مسيحي من المنطقة الشرقية في بيروت، وكان هناك الكثير من النساء الغالبية منهن فلسطينيات، ومن كان يقوم بتعذيبنا هم أمير تلة والمساعد أبو علي والمساعد وجيه”.
ويستمر الترحيل من مكان إلى آخر، حيث نقل عامر إلى منطقة البقاع وتحديداً منطقة عنجر، حيث قابل لجنة تحقيق مؤلفة من غازي كنعان والعميد عارف عدنان بلولو نائب غازي كنعان والمقدم درغام يونس المسؤول عن الأمن العسكري في جهاز الأمن والاستطلاع والمخابرات السورية بلبنان وغيرهم، ثم تم ترحيله إلى معمل البصل في سجن عنجر والذي يرأسه النبي يوسف كما يسمى، وهو الملازم أول يوسف العبدو والذي أصبح رئيس أحد أفرع التحقيق في سورية فيما بعد، وكان هناك العذاب الحقيقي أكثر من أي مكان في العالم حيث بقي ثلاثة أشهر.
ويروي عامر: ” استقبلني الملازم يوسف العبد حيث أمسكني من حنجرتي وضغطها ورفع جسمي بيد واحدة، بعدها لكمني عدة لكمات وشبحني نهاراً كاملاً، وفي بعض الأحيان كانوا يبقوننا نهارين دون قضاء حاجة، إضافة إلى التعذيب على الدولاب، والقصد من كل هذا التعذيب هو أن تعترف بإحدى التهم الموجهة إلينا سواء كنت سوري أو فلسطيني أو لبناني”.
كانت التهم جاهزة وهي الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، أو اليمين العراقي، أو الزمرة اليمينية العرفاتية المنحرفة حسب تسميتها آنذاك من قبل نظام الأسد -والحكم يتراوح بين الإعدام والسجن ما لا يقل عن ثلاث سنوات حتى عشر سنوات-والانتماء إلى حركة التوحيد الإسلامي والانتماء إلى حزب الكتائب والقوات اللبنانية، والانتماء إلى رابطة العمل الشيوعي، فيما كانت تهم التجسس لصالح إسرائيل أو حلف الأطلسي من التهم التي لا يتعرض بسببها المعتقل إلى التعذيب الشديد وكانوا يسمونها تهم خمس نجوم.
ويقول عامر:” وجهت لي تهمة الانتماء إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتلة الجيش السوري ومساعدة المعارضة السورية، وبعد أن اُغلق ملف التحقيق تحسن الطعام، وصرت أدخل إلى الحمام، لإظهاري أمام الفروع الأخرى أنّي لم أتلق أي تعذيب وأن اعترافي بمحض إرادتي”.
بعدها نقل عامر إلى الفرع 225 الذي يرأسه العقيد فؤاد ناصيف، ثم إلى فرع المنطقة في دمشق الذي يرأسه العميد هشام اختيار، وبقي فيه ما يقارب الثلاثة أشهر، وكان التعذيب يشبه التعذيب الماضي، يكمل عامر: “واجهت في السجن الانفرادي ذات أهوال التعذيب، كانوا يضربونني بسلك ثخين (كبل) 150 مرة كل يومين، وكان معنا المعتقل محمد ويس الرفاعي من دير الزور والذي يسمى بطل الكراسي، حيث حطم العدد القياسي بعدد الكراسي التي تلقاها، وكانت فوق 130 كرسيا وسجن أكثر من عشرين سنة في تدمر”.
ثم تم نقل عامر إلى فرع فلسطين عام 1987 الذي يرأسه العميد مظهر فارس، و تعرض لنفس شدة التعذيب، بعدها نقل إلى فرع التحقيق العسكري وبقي ثلاثة أشهر، حيث كان التعذيب الجسدي أقل إلّا أنّ التعذيب النفسي كان أكثر، وكان المعتقل مزدحماً للغاية, يوضح عامر: “التقيت كل من رياض الترك وأخو الطيار بسام العدل الذي هرب إلى إسرائيل بطائرته -والذي تم أخذ أفراد عائلته كرهائن-، كما التقيت أيضا ببنات ونساء من منطقة السويداء وجرمانة، حيث كنّ متهمات بالانتساب إلى ما يسمى النجم الأحمر رابطة الشيوعيين، حيث لاقينَ تعذيباً لا يستهان ”به .
لا يتوقف مسلسل الترحيل من معتقل إلى آخر، وتحسب أنّ سورية لا يوجد فيها إلا معتقلات فقط، حيث تم نقل عامر إلى سجن فرع الأركان لمدة أسبوع، قابل خلالها لجنة من الضباط. يقول عامر :”قابلت العماد حكمت الشهابي وعلي دوبا والعميد حسن خليل والعميد بهجت بركات وغيرهم، تم نقل المعتقل عامر بعد ذلك إلى القابون ثم إلى منطقة المصنع السوري، حيث يوجد هناك رحبة عسكرية وخيم وكرافانات تسمى بمحكمة ميدان الفيلق الثاني كان يرأسها العميد بهجت بركات وعضوية العميد عبداللطيف ياسين قائد فوج قوات خاصة والعقيد علي رياحي او الرياحي من المحكمة الميدانية والملازم سعاد والمساعد أبو مخلص ، ثم إلى سجن المزة العسكري لعدة أشهر، ثم استقر به المعتقل في سجن تدمر، وهناك كان الجحيم الحقيقي”.
سجن تدمر:
في مسيرة 33 عاماً في السجون السورية تعرض عامر لكثير من التعذيب الجسدي والنفسي والإهانة إلّا أنّ أكثر جلسة تعذيب إهانةً للكرامة الإنسانية كانت في سجن تدمر كما يقول:” قام المحقق بالدعس على وجهي وأسناني وحطمها وشوهها، وبقي وجهي ينز بالدماء، وطلبت منه دواء فسألني أين جرحي؟ ثم قال لي تمدد ونادى عناصر السخرة لفتح فمي ثم قام بالتبول في فمي”.
يصف عامر الوضع في سجن تدمر قائلاً:” يوجد شخصان بالمنفردة، كان ضرب المعتقلين يتم بشكل يومي، عندما كنا نخرج من المنفردة كنا لا نخرج للتنفس فقط إنّما للضرب أيضاً، وعندما كنا نذهب لاستلام الأكل نتعرض للضرب بالمفاتيح الكبيرة على الرأس أو الظهر، ومن 10 إلى 15 صفعة بشكل يومي، وكانت المنفردات رطبة وباردة ووسخة ويكثر فيها الجرب والقمل والسل، أما الطعام فكانوا يقدمون لنا 7 بيضات مسلوقة لكل 60 شخص، لم يكن لدينا مجال إلّا من 40 إلى 170 سم للنوم حيث كنا نجبر على النوم معصوبي الأعين، كنا نخضع للمراقبة ونحن داخل السجن من خلال فتحة في سقف السجن حتى لا نتدرب على الكاراتيه أو نحفظ القرآن” أو للمراقبة خوفاً من قيامنا بحفر أنفاق .
الإفراج:
عادة ما يتم الإفراج عن المعتقلين ضمن مساومات معينة، تكون لصالح الحكومة السورية من أجل تبييض صورتها أمام الداخل السوري والمجتمع الدولي، لكن أيضاً عادة ما يفشل فيها. يروي عامر: ”في 29 أيلول/سبتمبر 2013 خرجت بموجب لجنة طبية زارت السجون، وكنت في سجن مشفى الشرطة في حرستا، وكان اسمي موجوداً لدى أنور مالك العضو في اللجنة الطبية التابعة لفريق المراقبين العرب وقد رفع اسمي إلى المحاكم المدنية والعسكرية، وكون الرئيس السوري أصدر مراسيم عفو متلاحقة، ومن ضمنها الأمراض العضال حيث أقرت اللجنة الطبية أنّني لن أعيش أكثر من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، فقال رئيس مشفى الشرطة: ”يموت في بيت أهلو لكي لا يحسب علينا بطل أو رمز أو تطالب به الأمم المتحدة، التفت إلي أحد الأطباء في اللجنة وهو برتبة لواء وقال: ”راح خليك تقاقي ما بتلاقي من مشفى إلى مشفى، ومن صيدلية لصيدلية، راح تشحذ وتشحّذ أهلك قيمة علاجك، ليس عندنا نعالجك هون علاجك مكلف”.
ويتابع عامر: ”تم نقلنا إلى شقة في حي المزة تحت الإقامة الجبرية من أجل المناصحة أو المراجعة، وطلبت منا كل من كندة شماط عميدة كلية الحقوق والتي أصبحت وزيرة للعمل، وعماد فوزي شعيبي رئيس كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق وهناء الصالح المذيعة في قناة الدنيا وضابط في القصر الجمهوري والعديد من الأشخاص، الظهور على قناة الدنيا أو أي قناة أخرى سورية أو لبنانية، ونقوم بشكر الرئيس السوري ونعبر عن ندمنا، مقابل منحنا جواز سفر لأي بلد نريد الذهاب إليه مع الفيزا، أو شقة مع سيارة وراتب، أو محل صغير (كشك) في أحد ميادين دمشق من أجل العيش، وعلينا أن نختار أحداها مقابل الظهور مدة لا تقل عن خمس دقائق والوقت مفتوح، ولكني رفضت كل ذلك ”وأيضاً هناك أشخاص رفضوا والبعض قبل العرض.