سمير الزبن
الكل بانتظار “صفقة القرن” وتداعياتها. كل ما تم الحديث عنه تسريبات جزئية عن الخطة الأميركية التي طال طبخها، وتأجل إعلانها عدة مرات، وجديدها التأجيل بسبب الانتخابات الإسرائيلية في شهر إبريل/ نيسان الماضي، خوفاً من التأثير السلبي على حظوظ بنيامين نتنياهو بالفوز فيها، بل على العكس، دعمته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتقديم هدية الاعتراف الأميركي بضم هضبة الجولان لإسرائيل. الآن، فاز نتنياهو واليمين الإسرائيلي في الانتخابات، وباتت إسرائيل جاهزة لاستقبال الخطة الأميركية. ولذلك من المتوقع أن تطرح الإدارة الأميركية خطتها قريباً.
وبناء على تسريبات عن الخطة الأميركية، وبناء على أقوال مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، المسؤول الأول في الإدارة الأميركية عن صياغة الخطة الأميركية، فإن هذه الخطة/ الصفقة تقوم على “تكثيف الميزات الاقتصادية للفلسطينيين والأمن لإسرائيل”، كما قال كوشنر لمجلة تايم الأميركية. ولذلك ستكون مرجعية الأمن في كل المنطقة بيد إسرائيل، بصرف النظر عن شكل التسوية التي ستسفر عنها الخطة الأميركية، كما يشرح الصحافي الإسرائيلي، زلمان شوفال، في صحيفة معاريف الإسرائيلية.
ويعيد الحديث عن ميزات اقتصادية للفلسطينيين الذاكرة إلى “السلام الاقتصادي” مع الفلسطينيين الذي تحدث عنه نتنياهو سابقاً، لاستبعاد القضايا السياسية الرئيسية، عبر معادلة السلام مقابل الاقتصاد، بعيداً على الحقوق الوطنية، وبعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. يقول كوشنر للمجلة إن “المفاوضات على حل الدولتين فشلت”، وهذا يعني أن الدولة الفلسطينية باعتبارها حقا للفلسطينيين خارج الصفقة الأميركية المقبلة، لأن هذه الإدارة، إذا كانت ترى حل الدولتين قد فشل، فلن تعود إلى الدخول في مفاوضات عبثية، ستصل من جديد إلى الفشل، في وقتٍ ترى أن خطتها تُطرح للتطبيق الفعلي، وليس للمفاوضات، ولذلك عملت وتعمل جاهدة على أخذ موافقة الأطراف العربية المسبقة على الصفقة قبل طرحها. وبالتأكيد، فأن ترى الإدارة الأميركية أن حل الدولتين فشل، هذا لا يعني إطلاقاً أنها ستذهب باتجاه حلٍّ يقوم على “دولة واحدة لشعبين”، فهذا ما لا يمكن لإدارة أميركية التفكير فيه. ولذلك، يمكن استنتاج أن الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل لن تكون جزءاً من الخطة الأميركية. ويبدو أن كل المشروع سيدور عن كيان سياسي منقوص السيادة، يخضع لهيمنة إسرائيلية كاملة، بوصفها المكلفة بأمن المنطقة، بالتالي مخولة بأمن الفلسطينيين، طالما أن هؤلاء يشكلون جزءاً من السياسة الداخلية الإسرائيلية.
ولذلك من الطبيعي أن تشتمل الخطة على احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، ومن غير المستبعد أن تؤسس الخطة الأميركية لضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل، وبعد ذلك يأتي الاعتراف الأميركي بهذا الضم، كالسوابق التي كرّستها الإدارة الأميركية، في الفترة القصيرة المنصرمة في حالتي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري. ومن غير المعروف كيف ستتعامل الخطة الأميركية مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، هل سيتم معالجة الوضع هناك عبر السلطة الفلسطينية، أم عبر حركة حماس ذاتها، أم عبر مصر، وأي حوافز اقتصادية يمكن تقديمها في الوضع الحالي، وهل ستعود لنسمع من جديد الكلام عن سنغافورة جديدة في غزة؟!
مسألتان إضافيتان من غير المعروف كيف ستتعامل معهما الخطة، القدس ومسألة اللاجئين الفلسطينيين. حسمت الإدارة الأميركية موضوع المسألة الأولى، باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي يمكن البحث عن عاصمة في محيط القدس، في أبو ديس مثلاً، وإعلانها عاصمة للكيان الفلسطيني الجديد. أما اللاجئون، فيبدو أن مصيرهم معروف، بالتوطين، أو إعادة التوطين في أحسن الحالات. وحسب التسريبات، فإن الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي سيكون شرطاً مسبقاً لإنجاز الحل.
واضحٌ أن “صفقة القرن” تقترب من الرؤية الإسرائيلية للحل. وعلى الرغم من ذلك، ليس مؤكدا أن إسرائيل ستوافق عليها، بل ستعود إلى المماطلة، باعتبار القضايا المطروحة تحتاج إلى مفاوضات، وهذه المرة أيضاً، يمكن أن تدخل في مفاوضات إضافية لربع قرن مقبل، وهذا إذا وافق الفلسطينيون والعرب على “صفقة القرن” أصلاً. وهنا تعرف إسرائيل بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، يمكن أن يوافق على حل بهذه الشروط المجحفة، حتى الرئيس محمود عباس الذي تلعب معه الإدارة الأميركية لعبة جعل الشرط الاقتصادي الفلسطيني أسوأ، من أجل أن تكون الخطة الأميركية “مخرجا إنقاذيا”، فقد قطعت الولايات المتحدة مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكما اقتطعت جزءاً كبيراً من مساعداتها للسلطة الفلسطينية، كحالة استباقية ابتزازية للسلطة الفلسطينية، لإجبارها على الموافقة على “صفقة القرن”، متعاملة مع القضية بوصفها صفقة تجارية إذعانية، على السلطة الفلسطينية وغيرها من العرب الموافقة عليها، لأن ليس هناك لعبة أخرى مطروحة في المنطقة، وأن على المضطر أن يوافق على الصفقة المجحفة، وهو في هذه الحالة السلطة الفلسطينية.
في الخطوط العريضة المسرّبة لصفقة القرن، من المستحيل أن تجد طرفاً فلسطينياً يمكن أن يوافق عليها. ولذلك من المتوقع أن تطرح الإدارة الأميركية خطتها من دون أن تجد شريكاً فلسطينياً في هذه الصفقة. والمتوقع بعد ذلك أن تعاقب الإدارة الأميركية الطرف الفلسطيني بوصفه الرافض للكرم الأميركي الذي بالتأكيد ستعمل الإدارة الأميركية على أن يكون من جيوب الآخرين، في حال احتاج الحل إلى هذا الكرم.
وحسب سوابق ممارسات إدارة ترامب الابتزازية مع التجارب الأخرى، مثل المكسيك ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول الخليج… إلخ، من المرجح أن يعتمد هذه السياسة أيضاً في عقاب الفلسطينيين الرافضين للصفقة. وبذلك ستزيد الإدارة الأميركية هداياها لحكومة نتنياهو، بوصف هذه الحكومة “حمامة السلام” في المنطقة، فيما الفلسطينيون هم الجاحدون للكرم الأميركي، والرافضون للحلول السلمية التي تُطرح عليهم، وبذلك يستحقون العقاب الذي سيكون بمزيدٍ من التأييد الأميركي لإسرائيل. وسترى إسرائيل الفرصة مواتية، في ظل هذا الدعم الأميركي المطلق، وفي ظل انشغالات المنطقة في همومها الداخلية، لضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل، والتي ستجد تأييداً أميركياً، تؤكدها الخطوات الأميركية السابقة على صفقة القرن بشأن القدس والجولان.
المصدر: العربي الجديد