أحمد حمزة
تُشير هجمات قوات النظام البرية، أمس الثلاثاء، للمرة الثانية خلال أقل من 24 ساعة، على تل العثمان ومناطق حوله، بريف حماة الشمالي الغربي، إلى أن حملة القصف المدفعي والجوي الدامية الحاصلة في إدلب ومحيطها، والتي تصاعدت حدتها منذ ما بعد جولة محادثات “أستانة 12″، أخيراً، قد تمتدُ لتشمل تغييراً بخارطة السيطرة على الأرض، وأنها قد تمثل المرحلة الأولى من الهجوم البري لقوات النظام، خصوصاً أن سيناريو ضراوة الضربات الجوية، وكثافتها، وبعض الأبنية التي كانت هدفاً لها، مثل المستشفيات، كان قد تم تطبيقه من قبل القوات المهاجمة في حملاتٍ عسكرية سابقة. واستدعى هذا الأمر مواقف عدة تدعو لمحاولة احتواء التصعيد الذي يصر عليه النظام إلى جانب روسيا. وبرزت في السياق دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، إلى قرار سياسي مدعوم من الأمم المتحدة لإيقاف القتال. وكتب ماكرون في تغريدة، أمس الثلاثاء: “قلق بالغ إزاء تصاعد العنف في سورية ومنطقة إدلب. الضربات التي ينفذها النظام وحلفاؤه، بما في ذلك الضربات على المستشفيات، قتلت العديد من المدنيين في الأيام الأخيرة”. وأضاف أن “الوضع الإنساني في سورية حرج وأي خيار عسكري ليس مقبولاً”. وتابع: “نطلب وقف أعمال العنف وندعم الأمم المتحدة لصالح حلّ سياسي لا بد منه”.
ودعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، ليل الإثنين، أطراف النزاع إلى حماية المدنيين في إدلب، مطالباً روسيا بالمساعدة في فرض وقف فوري لإطلاق النار. وأعادت الأمم المتحدة التأكيد على أن هجمات النظام السوري بالبراميل المتفجرة على “منطقة خفض التصعيد” في إدلب، شمالي سورية، كانت الأكثر كثافة والأسوأ منذ 15 شهراً. وأوضح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سورية، ديفيد سوانسون، في مقابلة مع وكالة “الأناضول”، أن “الأمم المتحدة قلقة بشأن تصاعد العنف في شمال غربي سورية، الذي أدى إلى فقدان العديد من المدنيين منازلهم وممتلكاتهم”. واستنكر استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة في منطقة مكتظة بالسكان، واصفاً هذا الاستخدام بأنه “أمر مثير للاشمئزاز”. كما انضم المتحدث باسم مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، ينس لايركي، إلى المحذرين من تدهور الوضع الإنساني وتزايد الخسائر المدنية. وقال، في بيان، إن أربعة مراكز صحية خرجت من الخدمة أخيراً، جراء تعرضها لهجمات جوية، الأمر الذي أدى إلى حرمان آلاف المدنيين من الخدمات الطبية، كما تعرضت العديد من مدارس إدلب وحماة لأضرار جسيمة. ودعا إلى إنهاء العنف في منطقة خفض التصعيد، حاثاً كافة الأطراف على ضرورة الالتزام بمسؤولياتهم في نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان، وحماية المدنيين ومرافق البنية التحتية.
من جهتها، دانت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية العدوان الذي تشنّه طائرات النظام وروسيا على إدلب، وطالبت مجلس الأمن الدولي بالتدخل لإيقافه. وعبرت الهيئة، في بيان، عن قلقها من الموقف الروسي العدواني، وتوقف موسكو عن التزامها باتفاقية خفض التصعيد، على الرغم من أنها الداعم الأساسي لها. وحذر البيان المجتمع الدولي من تفاقم الكارثة الإنسانية الجديدة التي يتعرض لها السوريون في إدلب في ظل “صمت دولي مريب”. كما ناشد البيان مجلس الأمن العمل على كافة الأصعدة لوقف هذا العدوان، وعقد جلسة طارئة لإصدار قرار يضع حداً لحملة القصف، وحذر من موجة نزوح وكارثة إنسانية غير مسبوقة في حال استمر قصف روسيا والنظام على إدلب وريف حماة الشمالي.
وصباح أمس، الثلاثاء، هاجمت قوات النظام، مسنودة بغطاء جوي روسي، للمرة الثانية، تل العثمان الاستراتيجي بريف حماة الشمالي الغربي، وتمكنت من السيطرة عليه للمرة الثانية خلال 24 ساعة، إذ كانت قد دخلته فجر أول من أمس الإثنين، لتخسره بعد ذلك خلال ساعات النهار، بهجوم شنته فصائل من الجيش السوري الحر و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً). ويؤكد هجوم قوات النظام للمرة الثانية على النقطة ذاتها، ما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية للقوات التي تبسط نفوذها عليها. فالتل يكشف عدة طرق إمدادات، ويقطعها نارياً، خصوصاً بين بلدتي كفرنبودة وقلعة المضيق. وترصد قوات النظام بهذه السيطرة منطقة جبل شحشبو والطرق الزراعية في غربي مدينة كفرنبودة ومزارع قيراطة.
وقال مصدر عسكري من “الجبهة الوطنية للتحرير”، التابعة للجيش السوري الحر، إن قوات النظام أعادت السيطرة على تل العثمان، مُشيراً إلى أن التقدم جاء بعد شن طائرات النظام وروسيا عشرات الغارات الجوية على المنطقة، إضافة إلى قصفها بالمدفعية والصواريخ. وفيما يؤكد القيادي في “جيش العزة”، العقيد مصطفى البكور، أهمية تل العثمان استراتيجياً، أوضح أن قوات النظام تمكنت من السيطرة عليه بعد قصف صاروخي وجوي عنيف، مُشيراً إلى أن الحملة العسكرية للنظام وروسيا دخلت مرحلة الهجوم البري. وقال البكور، لـ”العربي الجديد”، أمس الثلاثاء، إن “ما يحصل هو هجوم بري مدعوم روسياً”. وفي رده على سؤال “العربي الجديد” حول حدود الهجوم البري الذي شنه النظام في تل العثمان، قال البكور إن “كل الهجمات تبدأ بجس نبض لمعرفة استعدادات العدو، ومن ثم يتم تطوير العمل وتوسيعه”. ويسيطر “جيش العزة”، وهو أحد فصائل الجيش السوري الحر، على مواقع عديدة في ريف حماة الشمالي، وله نقاط مواجهةٍ مع قوات النظام على طول خط الجبهة في المحافظة، واشتركت مجموعات منه، الإثنين الماضي، بهجوم مع “أحرار الشام” و”هيئة تحرير الشام”، ضد قوات النظام التي دخلت تل العثمان، قبل أن تنسحب هذه الفصائل منه مجدداً الثلاثاء.
وتُثير هجمات قوات النظام البرية، التي بدأت الإثنين، أسئلة عديدة حول حجم وحدود الحملة العسكرية المدعومة روسياً، في شمال غربي سورية. وفي الوقت الذي رأى خبراء وقادة عسكريون أن الهجوم البري لقوات النظام بدأ بالفعل، يرى آخرون أن الهجوم البري لن يكون واسعاً. ويستند رأي القائلين إن الهجوم البري قد بدأ إلى ضراوة قصف قوات بشار الأسد والطائرات الحربية الروسية، خلال الأيام العشرة الأخيرة، وشمول هذا القصف مرافق حيوية للمدنيين، وهو أسلوبٌ اتبعه النظام وحلفاؤه في حملات عسكرية كثيرة شهدتها مناطق عديدة، أبرزها شرقي حلب والغوطة الشرقية. وبهذا الخصوص، يشير العقيد مصطفى البكور إلى أن “قصف المستشفيات والبنية التحتية طريقة متبعة من الروس قبل أي عملية عسكرية، والهجوم البري بدأ أمس (الإثنين)”. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت، الإثنين، استهداف سبع منشآت طبية في شمال غربي سورية. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “سبع منشآت طبية على الأقل تم استهدافها منذ 28 إبريل/ نيسان الماضي”، مؤكداً أن النقاط المستهدفة “أربع في محافظة حماة وثلاث في محافظة إدلب”.
وقتل 16 مدنياً، معظمهم من الأطفال والنساء، نتيجة قصف طائرات روسية وقوات النظام على ريفي إدلب وحماة، أمس الثلاثاء. وقال مصدر من الدفاع المدني لـ”العربي الجديد”، إن القصف يستهدف التجمعات السكنية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة بشكل مباشر، ما يجعل عدد القتلى في تزايد مستمر. وكان قد قتل ثلاثة أطفال في حصيلة أولية وأصيب ثمانية آخرون نتيجة قصف جوي نفّذته طائرة حربية تابعة لقوات النظام في ريف إدلب. وقال مصدر من الدفاع المدني، لـ”العربي الجديد”، إن الطائرة استهدفت بعدة صواريخ منازل المدنيين في قرية رأس العين، شرق إدلب، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أطفال وإصابة ثمانية. ورجّح المصدر ارتفاع عدد القتلى نظراً لوجود عالقين تحت الأنقاض، وخطورة وضع بعض المصابين الذين نقلوا إلى النقاط الطبية لتلقي العلاج.
وفرت عشرات العائلات في سيارات وشاحنات صغيرة من جنوب إدلب نحو مناطق الشمال. وقال أبو أحمد (40 عاماً)، الذي فرّ مع زوجته وأطفاله الثلاثة من قريته معرة حرمة، في ريف إدلب الجنوبي، لوكالة “فرانس برس”: “هذه المرة الثالثة التي ننزح فيها، لكنها الأكثر رعباً، فالطيران لم يهدأ فوق رؤوسنا ولا القذائف”. وأضاف “لم نعرف كيف خرجنا ولا نعلم ما هي وجهتنا. لا يزال طريقنا طويلاً باتجاه الحدود (التركية) لأنها أكثر أماناً”، موضحاً “نريد أن ننتهي من القصف، لقد تعبنا فعلاً”. ومع تصعيد قوات النظام قصفها منذ فبراير/ شباط الماضي، فرّ أكثر من 150 ألف شخص إلى مناطق أكثر هدوءاً، وفق الأمم المتحدة.
ويوم الإثنين الماضي، قتل 10 مدنيين وأصيب العشرات نتيجة قصف روسيا وقوات النظام الجوي والصاروخي على ريفي إدلب وحماة. وسقط خلال الأيام القليلة الماضية، عشرات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين، في الحملة العسكرية الدامية لروسيا والنظام على إدلب وحماة. ووثّق فريق “منسقو الاستجابة في الشمال السوري” مقتل 364 مدنياً منذ بدء حملة القصف في الثاني من فبراير/ شباط الماضي إلى السادس من مايو/ أيار، فيما وثق الدفاع المدني مقتل 126 مدنياً، بينهم أكثر من 42 طفلاً وامرأة، خلال إبريل/ نيسان الماضي، في محافظة إدلب ومحيطها.
المصدر: العربي الجديد