أحمد مظهر سعدو
تتواصل عمليات القصف الجوي على محافظة ادلب، وريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، حيث يشارك طيران الأسد والطيران الروسي في ذلك، إضافة إلى القصف المدفعي المركز من قبل المليشيات الطائفية الإيرانية على الأرض، ويستمر النزيف الدموي اليومي قتلًا وتهجيرًا قسريًا، نتيجة لهذا الكم الكبير من القصف الهمجي، بينما يقف الضامن التركي في حالة رفض لما يجري، وسط أنباء عن توافقات كثيرة ومتبادلة بين الضامنين الروسي والتركي، بحيث يتم الضغط على مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وصولًا إلى انسحابات وإخلاءات ميدانية مطلوبة، وفق اتفاق سوتشي المتعلق بإدلب، الموقع بين روسيا وتركيا في 17 أيلول/ سبتمبر الفائت، بالتساوق مع صمت الروس عن عملية عسكرية موازية لذلك، تتم هذه الأيام باتجاه (تل رفعت)، للسيطرة عليها وعلى مجمل الطريق بين عينتاب وحلب، وطرد ميليشيا قسد منها.
يحدث كل ذلك مع تهجير أكثر من 300 ألف سوري من هذه المناطق، إلى الشمال ليلتحفوا الأرض ليس إلا، والعالم يتفرج على هذه المحرقة اليومية بحق ما ينوف عن 4 ملايين إنسان سوري يعيشون تحت النار واحتمالات الموت قصفًا، وقد ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وبات الخوف سيد الموقف، لدى جميع من يسكن في ادلب، من أهالي أو مهجرين سوريين سابقين من غير مكان من سورية، خلال سني الثورة السورية، التي انطلقت في أواسط آذار/ مارس 2011. ويتساءل الناس والمتابعين: إدلب إلى أين؟ وهل يمكن أن يجتاح النظام السوري ومن معه ما بقي من أراضي سورية خارج سيطرته؟ وهل يسقط اتفاق سوتشي إلى غير رجعة؟ بل هل تسمح تركيا بذلك؟ كل هذه الأسئلة ومآلات ادلب اليوم طرحناها على بعض العسكريين والسياسيين والمثقفين السوريين الذين يتابعون ما يجري.
عمر قربون الضابط السابق في الجيش السوري الحر وابن ادلب يقول ” أصبحنا في وقت يصبح الحليم فيه حيران، عنجهية وإجرام لم نر مثيلًا له في التاريخ، وصمت عالمي غير مبرر، بل الصمت في بعض الأحيان هو موقف، ولا يمكن اعتبار هذا الصمت إلا رضى أو مؤيد لما يجري من إبادة تستهدف الأكثرية السنية في المنطقة، كما أنه لا يخفى على أحد أن الساحة السورية أصبحت المكان الأمثل لتناطح الدول ذات المصالح والمطامع في سورية الصابرة، ويمكننا الاعتقاد أن كل المؤتمرات والاتفاقيات التي يغيب فيها صاحب القضية الأساسية، وهو الشعب السوري، لا تجدي نفعًا، ولا ضامن للالتزام بتطبيقها، لأنها بكل بساطة متغيرة ومتحولة حسب مصلحة الطرف الذي يرى بخرقها مصلحة له، ولا رادع أخلاقي أو إنساني يمنعه من ذلك”. وأضاف قربون “على هذا فإن مصائر الناس في هذا الشعب المكلوم متعلقة بلجوئهم إلى الله وحده، وذلك من خلال الالتزام بالأمر الرباني (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ) ولا أعتقد أن الهجمة الشرسة على الشمال المحرر هدفها عمل عسكري لاجتياح المنطقة لأسباب كثيرة، أولها عجز العدو على المواجهة البرية، فهو يلجأ للقصف بشتى أنواع الأسلحة الصاروخية والمدفعية من طيران أو قاذفات على المدنيين لكسر الإرادة لدى الثوار، عن التفكير بأي عمل عسكري ردًا على الخروقات الدائمة للعدو الروسي الأسدي الايراني في منطقة خفض التصعيد، وخصوصًا بعد أن كثرت في الآونة الأخيرة العمليات (الانغماسية) على مواقع العدو السابق الذكر”.
أما الكاتب السوري المعارض عبد الرحيم خليفة فأكد أن ” التصعيد الجاري في ريف حماة الشمالي ومحافظة ادلب ينذر بكارثة غير مسبوقة، نظرًا للكثافة البشرية في المنطقة، وسيغير ذلك في موازين قوى الصراع المتدخلة في سورية. ومن المؤكد أن هناك تفاهمات تخص المنطقة في (بازار) المساومات الدولية، كما جرى في مناطق أخرى عديدة من سورية في السنوات الماضية من عمر الصراع.” ثم قال ” حتى الآن من غير الواضح تخوم هذه التفاهمات وحدودها، وهي في مرحلة (عض الأصابع) لمختلف الأطراف، قبل أن تتضح التسويات النهائية في المسار السياسي المرتقب، ومحاولة كافة الأطراف زيادة حصتها من (الكعكة السورية).
من المؤكد أن معركة ريف حماة الشمالي ومحافظة ادلب ستشهد نهاية جبهة النصرة، أو (هيئة تحرير الشام) حسب اسمها المعدل، أو تحجيمها لحد التلاشي، لانتهاء دورها كما انتهت (داعش)، أو (تنظيم الدولة الإسلامية)، لاستيفاء الغرض من وجودها ودورها. صيف ساخن سترسم فيه مناطق النفوذ والسيطرة في غياب قدرة السوريين، حتى الآن، على أن يكونوا طرفًا فاعلًا في واقعهم ومستقبلهم. والمعركة الحالية ستكشف أدوارًا، ومصالح، قوى ودول كان المأمول منها أن تكون أكثر إيجابية في انحيازها لمصالح السوريين، وثورتهم. التحركات الدولية الظاهرة في مجلس الأمن، والتصريحات المنددة، لن تكون ذات قيمة أو فعالية، لأن قرارًا دوليًا، يبدو، قد اتخذ واكتملت التفاهمات التي شهدت تجاذبات كبيرة خلال المرحلة الماضية”.
الكاتب السوري المعارض محمد عمر كرداس يرى أنه ” لم يكن حظ مناطق خفض التصعيد التي انتهت بالمصالحات بضغط من روسيا مشجعًا لدخول مصالحات جديدة في إدلب والمناطق المحيطة بها، خصوصًا أنها ضمت مسلحين من شتى فصائل المعارضة المدعومة والممولة خارجيًا، بالإضافة إلى جبهة النصرة(القاعدة)التي أساءت للسوريين من المدنيين بشكل كبير، وقد كان هناك اتفاق (الثلاثي الضامن) في أستانا الخاص بإدلب، كونها تحوي أكبر تجمع من المدنيين ومن العناصر المسلحة. وقد قضى في أحد بنوده بإنشاء منطقة عازلة كحزام ونزع سلاح الفصائل المصنفة ارهابية، كل ذلك بكفالة تركيا. إلا أن تركيا لم تستطع القيام بما التزمت به نحو النصرة وأخواتها، بل بالعكس تمددت النصرة وحلفائها على حساب بعض الفصائل.” ثم أضاف كرداس ” روسيا والنظام عازمان على إنهاء وضع ادلب ويجددون المهل لتركيا ولا يحسبون حساب النتائج من تدمير وقتل للمدنيين، وتشريد الملايين، فيما يوصف بتجديد الحرب وتفجرها من جديد. ومن يخافون من نتائج اجتياح ادلب يخافون على بلادهم من موجة هجرة جديدة ولا يهتمون بمصير الضحايا، والروس لا تهمهم النتائج، فالكنيسة الروسية تعتبر ما يجري في سورية حرب مقدسة، وقد سبق ل (بوتين) أن دمر مدينة اسلامية جميلة وزاخرة بالحياة هي غروزني عن بكرة أبيها فما يهمه من ادلب، والغرب ما يهمه أن لا تأتيه موجات هجرة جديدة، وتركيا بين هذا وذاك، إنما نتيجة ذلك من سينتصر؟ هل سينتصر اتجاه التهدئة وعدم حصول معركة، الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوري، أم سينتصر فيها القتل والتدمير، وبذلك يكون بعض الساكنين في إدلب يتعرضون للتهجير أكثر من مرة. والأمل أن ينتصر شعبنا السوري على تجار الحروب والدماء ويتجه لبناء دولته من جديد، دولة وطنية ديمقراطية لا استبداد على ارضها ولا فساد، وشعبنا العظيم يستحق ذلك وتجار الدماء مهما كانوا إلى الجحيم”.
أما فاخر قزموز عضو المجلس المحلي السابق في مدينة أريحا /إدلب فقال ” الوضع عندنا يشبه يوم القيامة. (سينارسو) الغوطة ودرعا وغيرها، لكن الفرق أن هؤلاء كان لهم مخرج يلتجئون إليه إلى الشمال لكن أين نحن سنلجأ. ليس لنا ملجأ إلا الله. الوضع عندنا أصعب من الموت. جبل الزاوية أغلبه نزح وكل شيء جنوبه نزح.”
الناشط والمعارض السوري عزت الشيخ سعيد قال ” في الغرف المغلقة وبعيدًا عن كل القوانين والشرائع السماوية والأرضية تعقد اتفاقات ويجري العمل بها من الجميع، وفي المعلن ما يضحكون به علينا من وقف لإطلاق النار، ووقف للتصعيد، ونحن ضحايا هذا الصمت العالمي عن جرائم أصابت وتصيب الشعب السوري، وتتكرر المأساة منذ أول مصالحة عقدها النظام، وأول باص أخضر حمل معه المهجرين والمعتقلين غضبًا وبالقوة، من قراهم ومدنهم، ويغص الشمال السوري بأبناء سورية الصامدين الثابتين (وهم ملح الأرض وأمل مستقبل بناء الدولة الوطنية المدنية) والخوف كل الخوف أن يطالهم التهجير ثانية (دون أن نعلم إلى أين هذه المرة) هذا إذا لم يكن الموت والضامنون جميعهم شركاء فيما حدث، وفيما سيحدث، إنه طريق الجلالة الذي وجدت الثورة السورية فيه نفسها، وإنه الأمل الذي نتمسك به في وصول الثورة إلى أهدافها المعلنة منذ اليوم الأول لانطلاقها” ثم أردف قائلًا ” ثمان سنوات والسنة التاسعة تطل علينا منذ انطلاق قاطرات الربيع العربي، والذي ظننا أنه لن يعاود الانطلاق ثانية لكنه انطلق وبقوة من السودان والجزائر ليعيد الأمل لنفوس أصابها الوهن، وأرواح وعقول هزت أعمدتها الكوارث وإنه لقدرنا أن نستمر بالأماكن، بكل أمل يربطها بمستقبل نسعى إليه جميعنا مستقبل يليق بشعوبنا وأجيالنا القادمة”.
ويبقى السؤال هل ستقف هذه الحرب المجنونة، وهذا الموت النازل فوق رؤوس البلاد والعباد؟ وهل سيكون الموقف التركي أكثر حدية في لجم أية عملية انقضاض على ادلب ومن ثم اتفاق سوتشي الذي سبق ووقعه مع الروس، لمنع الهجوم الذي كان مزمعًا على ادلب وما حولها، ولوقف نزيف المزيد من الدماء السورية، وكذلك وقف حالات الهجرة والتهجير القسري والنزوح باتجاه الشمال السوري، ومن ثم الأراضي التركية، وصولًا إلى الاتحاد الأوروبي ؟!