هيفاء زعيتر
يوم الأحد الماضي، وبعدما فرغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لعب الغولف في ناديه في واشنطن توجه عائداً إلى البيت الأبيض. كان قد ربح جولة الغولف، ولمزيد من الحماسة زار موقعه المفضّل، تويتر، وغرّد: “إذا أرادت إيران القتال، فهذه ستكون نهايتها الرسميّة”، مضيفاً “لا تهدّدوا أمريكا بعد الآن”.
نسخة أقل انفعالاً لترامب ظهرت في اليوم التالي حين قال للصحافيين إن “لا أدلة لدى واشنطن بأن شيئاً حدث أو قد يحدث”، لكنه تابع معلناً أن “أي عدائية من إيران ستُواجه بقوة عظيمة”، بينما “ستخوض الولايات المتحدة المفاوضات مع إيران عندما تكون الجمهورية الإسلامية جاهزة لذلك”.
يوم الخميس لم يرَ ترامب أن هناك حاجة لإرسال المزيد من القوات الأمريكيّة إلى الشرق الأوسط بسبب تهديد إيران، لكنه في اليوم التالي أمر بإرسال 1500 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط معتبراً أنه عدد نسبي هدفه تأمين الحماية، بينما كان البنتاغون يناقش إرسال ما بين 5 آلاف و 10 آلاف جندي.
ترامب فوق الشجرة
حين قرّر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي خرج من يقول إنه قد صعد إلى أعلى الشجرة بتهديداته وسرت التساؤلات حول كيفيّة نزوله أو إنزاله عنها، وحين هدّد بضرب سوريا عادت العبارة إلى دائرة التداول ومعها التوقعات بحرب عالميّة ثالثة، واليوم مع عودة التهديدات بنشوب الحرب ضدّ إيران بدا ترامب وكأنه ماضٍ بتسلّق شجرة الفاصولياء الضخمة كما في قصة “جاك وشجرة الفاصولياء”.
سيناريوهات عديدة طُرحت خلال اليومين الماضيين لكيف يمكن لترامب النزول من أعلى شجرة تهديداته من دون أن يهجرها تماماً، فلا تكون حرباً واسعة ولا يكون في المقابل تهاوناً مع إيران التي ردّت على تهديدات ترامب بأخرى شبيهة.
“إيران ستشهد نهاية ترامب، ولكنه لن يشهد أبداً نهاية إيران”، كما ردّ وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي وصف الرئيس الأمريكي بـ”الإرهابي”، ثم أعلن أن إرسال الجنود مسألة “خطيرة للغاية على السلام والأمن الدوليين” وذلك بموازاة ردود مهدّدة من الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى كذلك.
وبينما تُغلق إيران باب التفاوض حالياً لصالح “الصمود”، تستبعد الحرب أو أقله تصرّح بأنها لا تريدها وكذلك يفعل ترامب، علماً أن أكثرية الأمريكيين يؤمنون بأن الطرفين سيذهبان للحرب بالتأكيد خلال السنوات القليلة القادمة، حسب استطلاع حديث لرويترز/ إيبسوس (8 في المئة زيادة عن العام الماضي).
فماذا عن السيناريوهات الأخرى لعودة القوات دون حرب مباشرة؟
الردع برسالة واضحة وتلقين إيران الدرس دون حرب أحد السيناريوهات.
قال الأمريكيون إن هناك “دلائل مقلقة” ظهرت مؤخراً حول استعدادات محتملة لهجوم إيراني، فكان لا بدّ من “وقف التهديدات”. وفق هذا السيناريو تبقى العقوبات السلاح الأساسي لضرب النظام الإيراني ويأتي الحضور العسكري لحمايتها وردع إيران عن القيام بأي ردود فعل عدائية ضد القوات الأمريكية في المنطقة للتخفيف من هذه العقوبات.
وقد قال المبعوث الأمريكي الخاص لإيران براين هوك قبل يومين إن التهديدات الإيرانية لا تزال قائمة، لكن تعزيز القوات الأميركية في المنطقة هدفه ردع طهران. وأردف “إما أن يتصرفوا كدولة عادية وينفتحوا على التفاوض معنا أو يشاهدوا اقتصادهم ينهار. إيران في حالة ركود اقتصادي والناتج القومي العام وصل إلى 6- في المئة وهذا القرار عليهم أن يتخذوه هم أنفسهم”.
من جهته، وصف وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان إرسال الجنود بـ”التدبير الدفاعي الحكيم الذي يهدف إلى الحدّ من الأعمال العدائيّة في المستقبل”.
في حديثه مع الصحافيين، قال شاناهان: “مهمتنا هي الردع. هذا التدبير لا يعني الحرب. لدينا مهمة هناك في الشرق الأوسط: تأمين حرية الملاحة، مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق وهزيمة القاعدة في اليمن”.
وأضاف: “أعتقد بأن استجابتنا الحكيمة أتاحت للإيرانيين وقتاً لإعادة حساباتهم”، مذكراً أن الجيش نشر مجموعة حاملة طائرات وقاذفات وصواريخ باتريوت في الشرق الأوسط هذا الشهر.
وفي سيناريو متصل، لفت البعض إلى خيار العودة إلى طاولة المفاوضات أو أقله التهدئة الحالية تمهيداً لإعادة فتح قنوات الاتصال غير المباشرة ومن ثم المباشرة مستقبلاً.
ونقلت مجلة “أتلانتيك” عن مسؤول أمريكي قوله إن هذا الخيار بدا وارداً مع أن إيران رفضته. مع ذلك، شرح المسؤول أن التهديدات الإيرانية بالعودة لتخصيب اليورانيوم هي كنوع من الابتزاز لأوروبا التي عارضت قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي من أجل الضغط لتخفيف العقوبات من جهة، ومن جهة أخرى مخاطبة للشارع الإيراني الداخلي.
في السياق الداخلي، أبرزت تقارير خلافاً إيرانياً داخلياً حول التعامل مع الأزمة، بتسليط الضوء على “عدم رضى” المرشد على المقاربة الإيرانيّة التي اعتمدها روحاني وظريف في أساس التفاوض مع الأمريكيين، كما على إمكانيّات مواجهة النظام الإيراني للعقوبات أمام الشارع المتململ.
ووفق هذا السيناريو تحدث البعض عن دور لأوروبا يمكن أن تلعبه في تهدئة الأمور كما جرى مع زيارة المسؤول في وزارة الخارجية الألمانية جينس بلوتنر لإيران قبل يومين وحديثه عن “ضرورة الحوار”، بشكل مواز لدور عماني أو روسي.
وفي سيناريو ثالث يلقى ترجيحاً أكبر بين المحللين، تقوم أمريكا بضربات موضعيّة موجهة لوكلاء إيران، في العراق أو اليمن أو سوريا.
في العراق، تقول واشنطن إن إيران وراء مقتل ما لا يقل عن 603 من أفراد القوات المسلحة الأمريكية منذ سنة 2003، وتتهم الجماعات التي دربتها طهران وجهزتها ومولتها بذلك، وهي “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” و”حركة حزب الله النجباء” و”منظمة بدر”.
ووسط مخاوف من حدوث المواجهة ودفع العراق ثمناً لها، لا سيما بعد إطلاق صاروخ في بغداد وسقوطه قرب السفارة الأمريكية، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إن العراق سيرسل وفوداً إلى واشنطن وطهران للمساعدة في تهدئة التوتر.
وشهدت مدينة البصرة والعاصمة بغداد احتجاجات للآلاف من مؤيدي الزعيم مقتدى الصدر يدعون القادة السياسيين وزعماء العشائر للابتعاد عن أي صراع.
وكان تقرير لمعهد بروكنغز، كتبه رانج علاء الدين، حذّر من أن يؤدي التوتر المتصاعد إلى “تدمير السلام الهش في العراق”، داعياً الولايات المتحدة إلى أن تدرك حجم الأزمة في حال وقعت صدامات مع عملاء إيران في العراق، وما سينجم عنها من إحياء للصراع الطائفي وعودة “داعش”.
وفي اليمن، بدا لافتاً نشاط الحوثيين في الفترة الأخيرة. وقد اتهمت السعودية طهران بالوقوف وراء هجوم بطائرة مُسيّرة على أحد خطوط الأنابيب يوم الجمعة، وقالت الرياض إن مسلحي جماعة الحوثي في اليمن نفذت الهجوم بأوامر من إيران.
وخرج الحوثيون ليهددوا باستهداف العشرات من المنشآت السعودية والإماراتية، في حين لفتت تحليلات إلى إمكانيّة سعي إيران لجرّ أمريكا للردّ عليها في اليمن، في أبعد نقطة عنها.
ويقول خبراء في الأمم المتحدة إن الحوثيين يمتلكون طائرات مسيرة يمكنها إسقاط قنابل أكبر لمسافات أبعد وأكثر دقة عن ذي قبل، بينما يسيطر الحوثيون على سلاح البحرية في اليمن ويشمل ذلك الزوارق السريعة والألغام البحرية ما يعني أنهم قد يحاولون تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وفي سوريا، أعادت “فوكس نيوز” تزامناً مع تصاعد التهديدات فتح ملف الطريق التي تربط إيران بالمتوسط (لبنان)، قائلة إن صور جديدة ملتقطة بالأقمار الاصطناعية أظهرت أن إيران تقوم ببناء معبر على الحدود العراقية السورية، من شأنه أن يفتح طريقاً برياً سرياً يربط بين الجمهورية الإسلامية ولبنان. ونسبت لخبراء قولهم إن من شأن المنفذ أن يوفر لإيران وحلفائها ميزة غير مسبوقة تسمح لطهران بنقل كل ما يحلو لها في ظل غياب مراقبة عراقية أو سورية.
ضربة لسوريا ستكون كذلك مريحة لإسرائيل، التي تُعتبر من المتحمسين للحرب مع إيران بينما لا داعي للتذكير بأن مواقف أمريكا تحركها مصالح إسرائيل وتترك ثقلها عليها حماسة جون بولتون للحرب.
في هذه الأجواء، فإن طريق التفاوض المباشر بين الطرفين ليس حريرياً البتة، لكن “طريق الحرير” البري، الذي تُشكّل إيران شريكاً أساسياً فيه، قد يُشكّل عاملاً مهماً في الحسابات الأمريكيّة، وقد يضبط شكل العلاقة مستقبلاً لصالح التهدئة إذا ما تابع الطرفان باستبعاد الحرب المباشرة.
المصدر: رصيف