حسن فحص
قد لا تكون الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف لدول الجوار – الإيراني- بتوقيع معاهدة عدم اعتداء، دعوة عبثية أو متسرعة من قبل هذا الوزير الذي يحمل على كاهله منذ أكثر من ثلاثة عقود ملف التفاوض الإيراني مع المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.
فهذه الدعوة، تترافق مع حدثين باتجاهين مختلفين في طبيعة التصعيد الذي يرافقهما؛ الأول يتعلق بطبيعة التوتر الحاد بين واشنطن وطهران، والثاني يرتبط بالأحداث والاعتداءات التي شهدتها مواقع إستراتيجية في كل من السعودية والإمارات في الأسابيع الأخيرة.
في البعد أو الاتجاه الأول، فهذه الدعوة تأتي متزامنة مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإرسال 1500 جندي أميركي إلى منطقة الشرق الأوسط مدعومة بمنظومات دفاع جويّ من نوع باتريوت وصواريخ إستراتيجية تدميرية متوسطة وبعيدة المدى، وتتولى هذه القوة المدربة تدريباً عالياً عملية إسناد القوات المنتشرة في غرب آسيا في حال تجرأت إيران على القيام بأي اعتداء ضد القواعد الأميركية. وبعد أن بدأ النظام في طهران وباعتراف رئيس الجمهورية حسن روحاني، يستشعر الآثار السلبية والخانقة وغير المسبوقة المترتبة على العقوبات الاقتصادية، عزّزها خسارة طهران الرهان باستمرار التعاون مع كلٍ من تركيا والهند بعدم الالتزام بوقف استيراد النفط.
وقد تكون هذه الدعوة رسالة إلى واشنطن عن جدية طهران في السير بالمؤشرات التي سبق أن عبّر “ظريف” لدى استقباله نظيره العماني يوسف بن علوي قبل أيام في طهران عن إمكان فتح حوار جدّي مع واشنطن حول النفوذ الإقليمي لإيران على مبدأ الاحترام المتبادل ووقف الضغوط الاقتصادية وإنهاء العقوبات وتخفيف التهديد العسكري. وإن العودة إلى الحديث عن التعاون الإقليمي بين طهران والدول العربية وتحديداً الخليجية يصب في إطار الرسائل التي تسعى طهران إلى إيصالها إلى صانع القرار الأميركي واستعدادها للانخراط في مسار تسويات “تطمينية” للدول الحليفة لواشنطن، والتي قد لا تكون هذه الدول محصورة في المحيط الخليجي، بل تتعداها إلى الحلفاء آخرين لواشنطن في الشرق الأوسط، خصوصاً ما يتعلق بالساحات السورية واللبنانية والفلسطينية.
وإذا ما كانت طهران جدّية في هذه الرسائل، فإن ذلك قد يعني أن قيادة النظام قد بدأت تدرك حجم التحديّات التي تواجهها داخلياً وخارجياً، فعلى الرغم من التأكيد على ضرورة وحدة الصف الداخلي والوحدة الوطنية، فإن الخلافات على كيفية إدارة الأزمة بين مراكز القرار بدأت بالظهور إلى العلن، بخاصة بعد الانتفاضة التي أحدثها الرئيس حسن روحاني حول التحديات التي تفرضها المرحلة الدقيقة وضرورة إعادة النظر في صلاحيات رئيس الجمهورية المصادرة دستورياً لمصلحة المرشد الأعلى، ما يمنعه من المبادرة إلى اتخاذ القرارات الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية والأمنية وصولاً إلى حقّ الدعوة إلى الاستفتاء الشعبي حول القضايا المصيرية، وهنا يمكن القول إن روحاني يطرح موضوع الحوار والعلاقة مع أميركا تحت عنوان الملف النووي. يضاف إليها الخوف من أيّ عملية عسكرية قد تتعرّض لها إيران نتيجة خطأ في الحسابات قد تقوم بها المؤسسة العسكرية والتي قد تسهم في إدخال إيران في أزمة وجودية تتضافر فيها القدرة التدميرية الهائلة للقوات الأميركية وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي طاولت كلّ طبقات الشعب الإيراني وشرائحه، وتجعل إمكان السيطرة على ضبط الشارع الداخلي صعباً إن لم يكن مستحيلاً، والذي قد لا ينتهي إلا بإسقاط النظام.
في البعد أو الاتجاه الثاني، قد تكون طهران بصدد استغلال التطور الأمني الذي شهده ميناء الفجيرة الإماراتي من تفجيرات طاولت بعض ناقلات النفط وما يعنيه هذه الاستهداف من محاولة زعزعة أمن طرق إمدادات الطاقة وخطوط تصدير النفط بعيداً عن مضيق هرمز التي تهدّد طهران بإقفاله، يضاف إليه التطوّر العسكري الذي قامت به جماعات الحوثيين باستهداف أنابيب نقل النفط السعودية الإستراتيجية (شرق – غرب) في ينبع، لتوجيه رسالة إلى واشنطن والدول الخليجية والإقليمية التي اتخذت موقفاً واضحاً في رفض النفوذ الإقليمي للنظام الإيراني وأعلنت تصدّيها الصريح لهذه الطموحات المزعزعة لأمن المنطقة، بعدم إمكان استبعاد النظام الإيراني عن أي معادلة أمنية أو سياسية في المنطقة، وإنها قادرة على اتباع منهجين، واحد تدميري بحيث تلجأ إلى تصعيد عملية استخدام أذرعها لضرب استقرار المنطقة واستهداف دولها بشكل أوسع في إطار لعبة خطيرة لا يمكن فيها استبعاد الدخول الأميركي على خط الرد والدفاع عن الحلفاء على العكس من تقديراتها بأنها قد تستطيع الحفاظ على اللعبة الأمنية تحت سقف عدم تدخل واشنطن. وإما منهج تعاوني يقوم على بناء تفاهم بينها وبين دول المنطقة وتحديداً المملكة العربية السعودية على بناء منظومة تعاون أمني إقليمي بمشاركتها ولا مانع عندها بأن تكون برعاية أميركية، وأن تسهم هذه المنظومة في تخفيف الوجود العسكري الأميركي في المنطقة بحيث يبعد التهديد المباشر عنها، ما يجعل منها بناء على منطلقات النظام القوة الأكبر والأقوى في هذه المنظومة اعتماداً على ما تملكه من قوة صاروخية ردعية وقوات عسكرية برية وبحرية، إضافة إلى كونها عضواً في الدول النووية باعتراف دولي.
وإذا ما كانت طهران جادة في هذه الخطوة وهذه الدعوة، وعلى استعداد لبناء معاهدة عدم اعتداء مع دول المنطقة كما أكد أيضاً المساعد السياسي لوزير الخارجية عباس عراقجي في محطته العمانية الأولى ضمن جولته الخليجية التي تشمل أيضاً الكويت وقطر، بالتأكيد على “استعداد بلاده للتفاوض مع كل دول الخليج لإقامة علاقات متوازنة وبناءة على أساس من الاحترام والمصالح المتبادلة”، لا بد لها من العمل على تقديم أوراق اعتماد لدى الدول منطقة، وتحديداً الخليجية، تساعد على إعادة بناء جسور الثقة التي لم تحافظ طهران عليها خلال العقود الماضية، وأن تعمد إلى مسار سياسي يتعلق بالأذرع العسكرية التابعة لها في عدد من الدول العربية إن كان من خلال تفكيكها لصالح المؤسسات العسكرية الرسمية، وتحويلها إلى أحزاب سياسية خاضعة لقوانين تلك البلاد. وهو ما يمكن أن تتضمنه إشارة الوزير ظريف لنظيره بن علوي.
يمكن القول إن هذه الدعوة الإيرانية إلى عقد معاهدة عدم اعتداء بين دول المنطقة، تأتي منسجمة مع الرؤية الإستراتيجية للنظام الإيراني التي لم تفارق أي طاولة للحوار إن كان مع واشنطن أو مع الاتحاد الأوروبي بما يمثله هذا الاتحاد من دور في حلف الناتو، وتقوم على السعي إلى تشكيل “نظام أمني مشترك” بمشاركة جميع الدول المتجاورة للحد من وجود القوات الأجنبية غير المسوغ، ويساعد على إقامة منظومة أمن إقليمي. وقد يكون توجيه هذه الدعوة محاولة لإرباك الجهود التي تبذلها الرياض بالدعوة إلى عقد ثلاث قمم متوالية خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة في الأيام المقبلة، بهدف خلط الأوراق وإرباك مخرجات هذه القمم في ما يتعلق بوضع آليات لمواجهة النفوذ الإيراني وبناء نظام مصالح عربي وإسلامي خصوصاً في ظلّ ما يجري الحديث عنه لتشكيل “ناتو عربي” يخدم هذه الرؤية.
المصدر: أندبندنت عربية