سامي خليفة
توالت في الأسابيع الأخيرة التصريحات والتقارير، التي تتحدث عن إفلاس حزب الله الوشيك. وقد تشاركت إدارة ترامب، وكذلك الصحف الأميركية والعربية، وحتى الحكومة الإسرائيلية، في التأكيد على هذا الموضوع. لكن هذه المقولة التي باتت تتردد، قد تكون، وفق ما يفترضه موقع Tablet magazine المقرب من إسرائيل، غير واقعية حالياً، وأقرب إلى البروباغندا الإعلامية.
أدلة واهية
سيكون انهيار حزب الله، حسب الموقع، أمراً مرحباً به، بالنظر إلى العقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران. لكن هذا لا يعني أن حزب الله على وشك الانهيار، فقد تم إعداد هذا التقييم من قبل المسؤولين الأميركيين، الذين استندوا على تعليقات معزولة من الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وغيرها من الأدلة الواهية، التي يستخدمونها للتوصل إلى استنتاجات سريعة، وغير مبررة، حول الحالة المالية للمنظمة اللبنانية.
في أوائل شهر آذار 2019، خاطب نصر الله مؤيديه في ذكرى مرور 30 عاماً على تأسيس هيئة دعم المقاومة الإسلامية، وأوضح حينها أن الولايات المتحدة تشن حرباً مالية على حزبه وإيران، وتابع قائلاً “اليوم، تحتاج المقاومة إلى هذا الدعم الشعبي”. وقد سلطت تقارير وسائل الإعلام الأميركية، حسب الموقع، الضوء على هذه الكلمات. وكانت البروباغندا تتّشكل معتبرةً أن الأمور سيئة للغاية، لدرجة أن الحزب كان يتوسل للحصول على تبرعات. من جهةٍ ثانية، رأى المسؤولون الأميركيون في تصريحات نصر الله دليلاً على اليأس الناجم عن الضغط الاقتصادي على إيران. وقد أصبح خطاب نصر الله المحور الرئيسي للمسؤولين الأميركيين، باعتباره أفضل صورة لنجاح حملة الضغط على إيران. وهذا ما تجلى بتصريح مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، مارشال بيلينجسليا، عندما قال: “لا يوجد مكان يمكن أن نرى فيه تأثير جهودنا أكثر من تصريحات أمين عام حزب الله”.
خطاب نصر الله
نظراً لأن المسؤولين والمحللين اعتمدوا اعتماداً كبيراً، على خطاب نصر الله، يبدأ الموقع بإعادة النظر في ما قاله نصر الله بالفعل. بدأ نصر الله حينها بالتحدث عن الدعم الشعبي لـ “المقاومة”، وعرض عمل هيئة دعم المقاومة الإسلامية، واحتياجات حزب الله المتغيرة، وقال إنه بين عامي 1982 و 2000 وحتى عام 2006 كانت هناك حاجة ماسة للدعم. ثم بعد عام 2006، واصلت إيران زيادة المساعدات. وللمفارقة، أوضح نصر الله أن الحزب لم يحتج المال، ومع ذلك واصل مناشدة الذين يريدون أداء “الجهاد” بأموالهم.
بعبارةٍ أخرى، كان نصر الله، حسب الموقع، يقول إن حملات التبرعات كانت تحدث حتى خلال الفترة التي زاد فيها تمويل إيران، بعد حرب 2006 مع إسرائيل. بمعنى أن حملات جمع التبرعات هذه ليست مؤشراً على الوضع المالي للمجموعة. وكان زعيم الحزب يوجه نداءه إلى الشيعة في لبنان، بينما كان القادة الطائفيون الذين يشكلون الحكومة اللبنانية يناورون للاتفاق على تدابير من المفترض أن تقلل من الإنفاق، لا سيما في القطاع العام المتضخم، من أجل الحصول على القروض الغربية، التي قد تبقي البلاد واقفة على قدميها لفترةٍ أطول.
تقارير مفبركة
منذ شهر آذار، قام المسؤولون والمحللون، حسب الموقع، بتضخيم خطاب نصر الله بمزاعم مختلفة وردت في الصحف اللبنانية والأميركية. وقد ظهر هذا جلياً في تقريرٍ لصحيفة “نيويورك تايمز”، نقل تذمر أحد رجال الميليشيات الشيعية في سوريا من خفض راتبه. وشرع في تحديد وضع هؤلاء المقاتلين الشيعة في سوريا مع وضع حزب الله المالي.
يبدو أن هذا النوع من التقارير، حسب الموقع، هو أشبه بلعبة هاتفية، حيث تم تركيبها وفبركتها. ويعكس هذا جزئياً كيف اكتسبت الصحافة الأميركية عادات وأسلوب ثقافة المقهى في بيروت، أي الاتجار في الشائعات من “المطلعين” و”المصادر المقربة” من هذا أو ذاك، الذين يُفترض أنهم سمعوا شيئاً ما لم يتحققوا منه. ووفقاً لتقرير ثانٍ حول هذا الموضوع في صحيفة “واشنطن بوست”، كانت نتيجة الأزمة المالية المفترضة هي إلغاء الحزب لبرامج غير محددة على قناة المنار، لكن هذا يتناقض مع الواقع. إذ تعد الضاحية الجنوبية لبيروت مقراً للعمليات الإعلامية التي تدعم الأصول الإيرانية الأخرى في المنطقة، كالحوثيين في اليمن، ولم يرد أي تقرير يفيد بتوقيف أي من برامج هذه الجماعة.
مؤسسات جديدة
يشير الموقع بأن الحزب قام في الأشهر الأخيرة ببناء مؤسسات جديدة. على سبيل المثال، افتتحت الهيئة الصحية التابعة للحزب مستشفى الشفاء التخصصي، بتكلفة 15 مليون دولار. كما افتتح الحزب هذا الشهر، المركز التجاري الضخم “سنتر” و “مول”، على بعد دقائق قليلة من مطار بيروت.
ولا يبدو، حسب الموقع أن الخدمات الأخرى تأثرت أيضاً. ففي شهر آذار نشرت جمعية القرض الحسن أنها قدمت 476 مليون دولار كقروض من دون فوائد في عام 2018. وعندما خاطب نصر الله دعم “المقاومة” ادعى أن أعضاء الحزب ومؤسساته جمعوا مليوني دولار قبل بضعة أشهر، وأوصلوها إلى اليمن.
حقيقة الوضع
لا يشكك الموقع بوجود أزمة مالية، ولكنه يتحدث عن تضخيمٍ إعلامي لها. فما يحدث يتوافق مع “إعادة التنظيم والإدارة السليمة وتحديد الأولويات” التي تحدث عنها نصر الله. وقد ورد في التقارير الصحافية أن الحزب أصبح “يضغط على النفقات”عن طريق الاستغناء عن المساحات المستأجرة، مما يوضح أن هذه المساحات كانت بالفعل مخصصة للمسؤولين وليس المدنيين، وأنها لم تعد ضرورية. وهذا ما يؤكد ما قاله نصر الله عن تحديد الأولويات والإدارة المناسبة.
هناك افتراضات أخرى، حسب الموقع، مشكوك فيها في تصريحات المسؤولين الأميركيين. إذ أنه لا توجد فكرة واضحة عن إذا ما كانت الأموال التي ترسلها إيران للحزب تشكل 70 في المئة من ميزانيته. وإذا ما تم افتراض صحة هذا الرقم، فإن هذا يعني أن مجمل مشروع الحزب العالمي (بما في ذلك النشاطات غير المشروعة) لا يمثل سوى 300 مليون دولار. وهنا يشير الموقع أن الاعتقاد بأن الحزب قد تحول من جمع مئات الملايين من إيران ومئات الملايين من المشاريع الإجرامية إلى الاعتماد على مبالغ طفيفة من المجتمع الشيعي في لبنان، أمرٌ شبه خيالي. وبأنه لا يوجد دليل مقنع يشير بأن الحزب لا يستطيع الاستمرار في إدارة عملياته العسكرية وغير العسكرية.
المصدر: المدن